الحرية فطرة إنسانية أصلية وليست مكتسبة، بمعنى أن الإنسان يكتسبها فور ولادته فكلنا يتذكر قول أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً"، إلا أن أمراً مهماً يجب توضيحه بما يخص هذه الحرية، وهي أنها ليست حرية مطلقة أو بلا حدود وإلا فإنها ستتحول حين ذاك إلى فوضى وهنا تكون الطامة الكبرى.

إذاً ما هو المفهوم الصحيح للحرية؟ وما الفرق بينها وبين الفوضى؟ وما هو المنهج الصحيح للمطالبة بهذه الحرية إن فقدت في جانب من جوانب الحياة؟

برأيي أن التفريق بين الحرية والفوضى يكمن في شيء أساسي وهو المسؤولية، فالحرية هي كل سلوك مسؤول ناتج عن تفكير مسؤول وعند غياب المسؤولية عن السلوك يصبح ذلك السلوك فوضوياً وليس معبراً عن الحرية، وبكل تأكيد هناك تباعد وتناقض كبير بين الحرية والفوضى، فالفوضى تهدف للتخريب وتقف وراءها أفكار لم ينزل بها من سلطان، بينما الحرية هي أفكار وسلوكيات تريح الفرد وتهدف للارتقاء بالمجتمع، فكلما كان الإنسان حراً ومسؤولاً في سلوكياته كان أكثر فاعلية في مجتمعه

عن ذلك يقول الدكتور "أحمد أبو راس" دكتوراه في علم الاجتماع في لقاء مع موقع eIdleb: «الحرية هي مفهوم عام وشامل وواسع، يمكن أن تكون بلا حدود ويمكن أن تكون ضيقة، لكن الحرية المجتمعية هي الحرية المنظمة الحرية الخاضعة لمؤسسات الضبط الاجتماعي والقانوني والسياسي الاقتصادي، بمعنى أنا حر عندما أقود السيارة لكني لست حراً بتجاوز إشارة المرور وبالتالي يجب أن أقف عندما تكون الإشارة حمراء لكي أسمح بالعبور لسيارات الطرف الآخر، هذه هي الحرية المنشودة وليست الحرية الفوضوية، فالحرية المسؤولة هي أن تعترف بحرية الآخر وبالتالي تنتهي حريتي عندما تبدأ حرية الآخرين، وكل حرية يكون الهدف منها هو الإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي فنعم لهذه الحرية لأنها في النهاية تخدم مسيرة التطوير والتحديث، وعند الحديث عن المطالبة بالحرية فإن ذلك لا يكون بشكل غوغائي وفي الشارع وإنما من خلال قنوات مؤسساتية من خلالها نطالب بالإصلاح والحرية، فكلنا مع الإصلاح وكلنا مع الحرية، فالحرية هي واحدة من أهداف "سورية" الأساسية ونحن منذ نعومة أظفارنا نقول وحدة حرية اشتراكية، والحرية تعني بأن يكون المواطن حر في التعبير عن رأيه وعن بعض المشكلات التي تواجهه وبعض القضايا التي تعترض منهجية الحياة، وإن التعبير عن هذا الأمر لا يتم بشكل فوضوي وإنما وفق مؤسسات نتحاور ضمنها وليس الشارع هو المكان الطبيعي للمطالبة بالحرية، وأنا متفائل إن شاء الله بأن المستقبل القريب وليس البعيد سيشهد نقلة نوعية في مجال الحريات العامة في "سورية"، وشيء جميل عندما أنا أشعر بوجود مشكلة ما في وزارة التعليم العالي على سبيل المثال ويمكنني أن أوصل صوتي للجهات المعنية للتنبيه بهذا الخلل، فالمجتمع هو كالجسد البشري معرض للعطب والخلل والمرض ولا بد من جهود للإصلاح وهذه الجهود لا تكون إلا بتوفر حرية مسؤولة، أما الفوضى فليس لها هدف سوى الاضطراب والابتعاد عن النظام العام للمجتمع، كما أنها استلاب لحرية الآخرين ومصادرة لرأيهم وحرق وتخريب، بينما يكون للحرية المسؤولة برنامج ورؤى وخطة معينة، ومن المفاهيم الأخرى للحرية الحقيقية أنها حرية تشاركية مجتمعية فلا تكون حرية شريحة على حساب حرية شريحة أخرى، فالمجتمع هو أسرة واحدة لكل فرد حريته ضمن محيط هذه الأسرة وليس بشكل فوضوي، وهذا ما ننشده في المجتمع السوري إن شاء الله بأن تكون الحرية المنشودة هي حرية مسؤولة وتشاركية ومجتمعية تهدف إلى تحقيق سعادة الجميع وليست حرية أنانية».

الدكتور أحمد أبو راس

ويقول الأب "إبراهيم فرح": «عندما يكون السلوك مرتبط بالشأن العام وبالصالح العام وبأداء الواجبات والحقوق يكون سلوك صحيح ينطلق من قواعد صحيحة ويعبر عن الحرية، أما عندما تكون السلوكيات للتدمير والتخريب والإساءة والمضرة بالآخرين ومصالحهم فهي تكون سلوكيات فوضوية بعيدة عن أدنى مفاهيم الحرية، وبذلك يمكن القول بأن المصلحة العامة هي ميزان التفريق بين الحرية والفوضى، فكلما اقترب السلوك من الصالح العام كان سلوك يعبر عن الحرية وكلما ابتعد عن الصالح العام كان سلوكاً فوضوياً، فدائماً سلوكيات الحرية الصحيحة تصدر عن إنسان واع متعقل معتني بالشأن العام، على عكس سلوكيات الجاهل صاحب السلوكيات الخاطئة لأنه ينطلق من منطلقات خاطئة وعدم معرفته ببواطن الأمور، ونحن من خلال العملية التربوية يجب أن ننمي عند الفرد القيم الصحيحة والسامية والأخلاقية والسلوك الصحيح لأننا بذلك نساعده على ألا يرتكب الأخطاء وبالتالي يكون بعيداً عن كل أشكال سلوكيات الفوضى».

ويضيف الصحفي "علام العبد": «برأيي أن التفريق بين الحرية والفوضى يكمن في شيء أساسي وهو المسؤولية، فالحرية هي كل سلوك مسؤول ناتج عن تفكير مسؤول وعند غياب المسؤولية عن السلوك يصبح ذلك السلوك فوضوياً وليس معبراً عن الحرية، وبكل تأكيد هناك تباعد وتناقض كبير بين الحرية والفوضى، فالفوضى تهدف للتخريب وتقف وراءها أفكار لم ينزل بها من سلطان، بينما الحرية هي أفكار وسلوكيات تريح الفرد وتهدف للارتقاء بالمجتمع، فكلما كان الإنسان حراً ومسؤولاً في سلوكياته كان أكثر فاعلية في مجتمعه».

علام العبد
الأب ابراهيم فرح