الاستعداد لموسم القطاف ورحلة العمل اليومية بتفاصيلها البسيطة من المنزل إلى الحقل فالمعصرة، ما هي إلا طقوس وعادات لموسم قطاف الزيتون، التي لا تزال حاضرة بكل ما تحمله من معانٍ وأبعاد.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 10/11/2012 الحاجة "فطوم صالح" من أهالي المحافظة التي تحدثت عن رحلة الاستعداد للقطاف بالقول: «تبدأ الأسرة استعدادها لموسم القطاف قبل أيام وأسابيع من الموعد المحدد للذهاب إلى القطاف الذي يبدأ عادة بعد هطول الأمطار، ولكل منطقة موعد معروف ومناسب حيث يبدأ بعد 25 تشرين الأول من كل عام، حيث يجتمع أفراد الأسرة في جو من المحبة والألفة والتعاون، وتقوم كل أسرة بتأمين وتجهيز ما تحتاجه عملية القطاف من أدوات ومستلزمات يومية وتأمين العمال الذين سيعملون معهم في القطاف، ومع قدوم اليوم المحدد تكون النسوة قد أعدت منذ المساء "زوادة" الطعام اللازمة، ويجتمعون جميعاً مع "جوقة" العمل عند منزل صاحب الحقل في الصباح الباكر، ومن ثم يتم الانطلاق إلى الحقل حاملين الأدوات من سلالم خشبية أو معدنية و"هزازة الثمار" و"الشلول" وأكياس الخيش أو النايلون أو الصناديق البلاستيكية».

تنتشر بين الحقول أصوات الأغاني الشعبية والتراثية التي يرددها الناس أثناء عملية القطاف وخاصة "الدلعونا" و"الميجانا"، وعادة ما تجتمع الأسر في المساء حول مدفأة الحطب حيث تدور معظم الأحاديث بين الناس

تضيف: «من المعروف أن أفراد الأسرة بشكل كامل يشاركون في عملية القطاف وعند الوصول إلى الحقل يقوم كل شخص بعمله المحدد له والمحبب عنده، فالبعض يتقاسم أعمال القطاف وجمع الثمار من على الأغصان ومن تحت الشجرة، كما تقوم بعض النسوة بانتقاء الثمار الخضراء ليتم تخليلها وكذلك الثمار السوداء الناضجة لصنع "العطون" وتخزينه ليكون مؤونة للشتاء، حيث يجد أهل المحافظة في ثمار "الصوراني" أو "المعري" أفضل الأصناف لهذا النوع من زيتون المائدة، كما يقوم آخرون وعادة ما تكون زوجة أو ابنة صاحب الحقل بإعداد الطعام من أكلات شعبية، كما يتم تحضير الشاي على نار الحطب وهي عند الكثيرين ذات نكهة وطعم خاص».

الزنانة من طقوس عصر الزيتون

يعتبر بعض الأشخاص وخاصة ممن يعيشون في المدينة موسم القطاف رحلة استجمام في الطبيعة الخلابة التي أبعدتهم عنها هموم الحياة وصخب المدينة وعن ذلك يذكر السيد "عادل عبد القادر": «صحيح أنا لا أملك حقل زيتون إلا أنني وأسرتي نذهب كل عام لمساعدة أقربائنا في "أريحا" في قطاف الزيتون، وكثيراً ما نستمتع بالأيام التي نقضيها بين أحضان الطبيعة دون أن نشعر بالتعب أو الملل والضجر الذي نشعر به في حياتنا اليومية في المدينة، حيث نعيش أجواء البساطة والمحبة التي تجمع الناس وتمسكهم بالعادات والتقاليد التي تميز موسم الزيتون من غيره».

وعن سير عملية القطاف قال المزارع "أحمد حمدون": «يعتمد معظم أبناء "إدلب" على طرق متشابهة في قطاف الزيتون، تقوم على جمع الثمار المتساقطة ثم مد قطع قماشية وغالباً ما تكون من نوع الخيش أو أكياس النايلون التي تغطي دوار الشجرة، ثم يتم هز أغصان الشجرة وضربها بعصي رفيعة ليتم إسقاط الثمار من على الأغصان وخاصة العالية والبعيدة عن متناول الأيدي، ومن ثم جمعها بأوعية بلاستيكية بعد تنظيفها من الأوراق التي تتساقط أثناء القطاف بواسطة آلة تعرف ب"الهزازة" يتم عبرها غربلة الثمار وفصل الأوراق عنها، ومن ثم تجمع الثمار بأكياس أو صناديق بلاستيكة ونقلها إلى المعاصر ليتم عصرها فيما بعد».

بائع الكسيب والحلاوة والتنقل بين حقول الزيتون

يتابع: «من الصور التي لا تنسى من ذاكرتي قدوم بائع "الكسيب" و"الحلاوة" وتنقله بين الحقول ليبيع الناس هذا النوع من الحلوى المعروفة والمطلوبة إلى الآن، وعادة ما يتم منحه ثمار الزيتون مقابل ما يتم شراؤه منه، كما يتم إعطاؤه كمية من الثمار كصدقة أو هدية وتسمى عند البعض ب"الشرية"، وهي عادة ما تعطى من قبل صاحب الحقل لبعض الأشخاص وخاصة الأولاد أو المحتاجين الذين يزورون الحقول طلباً لبعض الكميات من الثمار التي اعتادوا على الحصول عليها من قبل بعض الأشخاص، ومن الموروث الشعبي لقطاف الزيتون أيضاً "الطبال" الذي يقوم بزيارة الحقول على حمار أو حصان حاملاً طبله معه ويقوم بقرع الطبل والغناء والإشادة بصاحب الحقل وكرمه الذي لا يتوانى عن إعطائه نصيبه من ثمار الزيتون، حتى إن بعض الأشخاص من "جوقة" العمل يقومون بعقد حلقة الدبكة والرقص على أنغام الطبل».

وعن بعض الطقوس المرافقة للقطاف قال المزارع "يوسف حمود": «تنتشر بين الحقول أصوات الأغاني الشعبية والتراثية التي يرددها الناس أثناء عملية القطاف وخاصة "الدلعونا" و"الميجانا"، وعادة ما تجتمع الأسر في المساء حول مدفأة الحطب حيث تدور معظم الأحاديث بين الناس». ويجد المزارع في عصر الزيتون ورؤية الزيت يتصبب من آلة العصر متعة لا تضاهيها متعة وعن ذلك يقول: «لا شك أن فرحة الفلاح بجني المحصول كبيرة، ولذلك يقف الفلاح في المعصرة عندما يحين موعد عصر محصوله ينتظر انتهاء عملية العصر وخروج الزيت، وهو يشكر الله على ما رزقه من إنتاج، وعادة ما يقوم صاحب الثمار بعمل "الزنانة" ضمن المعصرة كتقليد متوارث وهي عبارة عن رغيف خبز كان يؤتى به في الماضي ساخناً من التنور ويوضع عليه حبات من الرمان لكون موسمه متزامن مع موسم الزيتون ثم يرش فوقه الزيت الطازج المعصور لتوه ويقوم بإطعام العاملين في المعصرة وكل الحضور منها».

الطبال والطمع بكرم صاحب الزيتون

ولليوم الأخير من القطاف طابعه وطقسه الخاص وعن ذلك يشير السيد "مازن موقع" قائلاً: «مع الوصول إلى اليوم الأخير من القطاف نجد عند معظم الأشخاص ما يعرف باسم "الخلاصة" والتي عادة ما تكون نوعاً من الأطعمة أو الحلويات المعروفة التي يجلبها صاحب الحقل لأسرته وللعاملين لديه لتناولها في اليوم الأخير للقطاف هدية منه وتعبيراً عن فرحته بإنجاز عملية القطاف وجني المحصول على أمل اللقاء في المواسم القادمة.

يذكر أنه وللمحافظة على تراث وطقوس وعادات قطاف الزيتون وإحياء ما اندثر منها تم إحداث "جمعية الزيتون" بمحافظة "إدلب" لهذه الغاية، فضلاً عن تقديم أفضل الإرشادات للمزارعين حول طرق العناية بالشجرة وطرق الحصول على أفضل منتج من الثمار ومن زيت الزيتون، ورغم كونها تحتاج لكثير من الدعم والمساندة إلا أنها تبقى خطوة هامة على طريق المحافظة على هذا الموروث وزيادة الاهتمام بهذه الشجرة التي تشكل مصدر دخل لأغلبية السكان، حيث تعد من أهم الأشجار المثمرة في المحافظة وتنتشر زراعتها على مساحة 128 ألف هكتار تزرع بأكثر من 14 مليون شجرة، ويتواجد في المحافظة 182 معصرة حديثة أغلبيتها تعمل بالطرد المركزي، وتبلغ التقديرات الأولية لإنتاج المحافظة من ثمار الزيتون لموسم 2012 حوالي 180 ألف طن».

الباحث في الموروث الشعبي السيد "هيثم نجار" تحدث بالقول: «موسم قطاف الزيتون في محافظة "إدلب" مناسبة أشبه بالعرس الاجتماعي، ففيه تجتمع الأسرة ويلتم شملها تحت أغصان هذه الشجرة المباركة ويتعاون فيه الجيران والأصدقاء والأقارب على جني محصول الزيتون، والذي يتخلله الكثير من العادات والتقاليد والتفاصيل البسيطة ذات الأبعاد الاجتماعية الجميلة والمحببة إلى قلوب الناس، والتي تتكرر بشكل سنوي وفي كل موسم على الرغم من اختلاف حياة الناس واهتماماتهم فهذه الطقوس تشكل بمفرداتها جزءاً كبيراً من التراث الشعبي والاجتماعي لأبناء المحافظة مع اختلاف في بعض المشاهد والصور بين منطقة وأخرى».