لكل زمن مفرداته وعاداته التي يسير عليها أغلبية المجتمع، ويأتي شهر الصوم ليكون له من الكرامة والمعزة ما يجعله شهراً مباركاً ينتظره المسلمون بفارغ الصبر، فهو وإن كان فريضة من فرائض الإسلام إلا أنه مناسبة كي يتواصل الناس فيما بينهم، يشعر الغني بالفقير، والمتخم بخاوي المعدة، وربة البيت وهي تناول من وراء باب الدار صحناً للمسحراتي، هكذا يبدو رمضان، وهكذا ينتظره الناس، ولكن كيف هو الحال في محافظة "إدلب" هذا ما سيتحدث عنه الأستاذ والباحث "عبد الحميد مشلح" لموقع eSyria يقول: «لرمضان طقوس خاصة في محافظة "إدلب"، بدءاً من "المسحراتي" وانتهاءً بالإفطار، فوجود "المسحراتي" دائم في كل حارة، ومن النداءات المتبعة:

قوموا على سحوركن/ إجى النبي يزوركن/ يا أبو فلان وحّد الدايم/ وحّد الله". وكان ينقر الباب عدة نقرات، ونحن نتكلم عن زمن لم تكن الكهرباء موجودة».

هادا شوط الأمنيي/ وهادا شوط البرغوت/ واللي ما بينزل/ بيوقع وبيموت/ وهاد شوط الشحمة/ وهاد شوط اللحمة/ واللي ما بينزل/ بيوقع بالتشمة

ويكمل حديثه: «يترافق مع ذلك ما يقوم به الصبية بعد الإفطار، فكنا نتواعد في الأزقة والحارات لننشد بعض الأناشيد مع بعضنا بعضا، ونتبادل الزيارات فيما بيننا، وهذا النشيد خاص بمدينة "إدلب": "حليليي مليليي/ هب الهوى ورماها/ في حارة الشرقية/ يا حارة يا منشومي/ دق السكة ع التومي/ قول يللا ويا ستار/ حلّوا الكيس واعطونا/ لولا محمد ما جينا/ حيا الله ولاد الشام/ فيها الخوخ والرمان/ فيها زقيقات العصفور/ يا شيخ مانك طنطور/ يا طالع ع دكانتو/ والناس في خدماتو/ الله يجير ميماتو/ على قليب خيّاتو/ والمسبحة من دهب/ والزار زار زوري/ يا ريت آني زرزر/ واطلع ع راس السطوح/ نقي الملاح الملاح/ صيني عا صيني/ والرب يعطيني/ وشقوقت الصوبرة/ تحلب وتسقيني/ ويا حاحي يا حاحي/ ويا صفّت قداحي/ لا نلعب بالصوبرة/ لا نلعب برماحي/ أخدونا وجابونا/ وعالقشلة ودّونا/ ولما وظفونا/ حيف ع الشباب/ غزالي غزالي/ طار عيشي طاب/ والعمل ثلاجي/ بنص الليل وغاب/ يا علي لا تتعوّق/ جبلي سرير مزوّق/ جبلي غزالي عرجة/ جريّاتا طوال طوال/ ما بيفوتو بباب الدار/ هات العدة والمنشار/ لننشر جرياتا/ صيني عا صيني/ والرب يعطيني/ وشنونة الصوبرة/ تحلب وتسقيني/ حيّ ع السطوح/ بتعطونا ولاّ منروح"».

هذه أهازيجنا

ويكمل: «ولدى الانتهاء من هذه الأهزوجة يقوم والد الطفل الذي ذكر اسمه بإخراج ليرة سورية من جيبه ليوزعها لنا، وما كان أجملها في ذلك الوقت، وفي بعض الأحيان يقدم للأطفال "صدر كنافة" أو "تين بعجين" عند الفقراء، ومن يخلو منزله من الحلويات كان يقدم "الزبيب" أو "التين اليابس"».

ولكن في شهر الصوم ما يجعل البعض يشيرون بإصبع اللوم على الإنسان "المفطر" وتحية "الصائم" وهنا يشير الباحث "مشلح" إلى ما كان يقال عند مجتمع الأطفال، وما يتبادلونه من عبارات تخص الصائم وغيره، فيقول: «كنا نغني للطفل الذي لم يصم الشهر فنقول له: "يا مفطر يا بم/ يا دلاّق الدم/ دمك ع الصينية/ لحسيتو الجنّية". بينما نحيي الصائم ونقول له: "يا صايم يا هلأ / يا دهب معلأ/ دمك دم الحنّة/ براني ع الجنّة"».

عبد الحميد مشلح

ومع آخر يوم في شهر رمضان يتحضر الجميع لاستقبال العيد، وتتواصل العادات لأن العيد مرتبط بما سبقه من عادات متبعة في شهر رمضان، وهنا يتحدث السيد "مشلح" عن أهازيج اليوم الأخير من رمضان، فيقول: «عند مغيب شمس اليوم الخير من رمضان يتراكض الأطفال في الشوارع والأزقة منشدين بفرح: "بكرا العيد ومنعيد/ ومندبح بقرة السيد/ والسيد مالو بقرة/ مندبح مرتو هالشقرا/ والشقرا مالا قرون/ مندبح سيدها الملعون"، وذلك تعبيراً عن ابتهاجهم بالعيد».

ويعلق السيد "عبد الحميد" على ورود صفة "السيد" في اهزوجة العيد، فيقول: «في الحقيقة فإن هذه الأهزوجة - أو الأرجوزة إذا أحببت أن تسميها كذلك- تظهر لغزاً اجتماعياً عميقاً، فـ"السيد" موجود في كل الحارات، ولكنهم لا يستطيعون لعنه أو شتمه، فيأتي الأدب الشعبي للوصول إليه والنيل منه».

هذا على مستوى تناول الأطفال لأواخر شهر الصوم، في حين يبدأ الكبار بالتحضير لقدوم العيد وهنا يقول السيد "عبد الحميد": «مع نهاية شهر الصوم المبارك تكتظ الأسواق مزدحمة بالناس لشراء الأقمشة، والأحذية، ومختلف أنواع المأكولات، والحلويات، وما يميز العيد في "إدلب" هو "الكعك بالزيت" الخاص بـ"تبلة حارّة" من "القرنفل"، و"الفلفل"، و"جوز الطيب"، و"الزنجبيل"، ويعجن مع الطحين و"زيت الزيتون الحي" كما يقال، والعائلة الحزينة التي فقدت أحد أفرادها منذ مدة قصيرة لا تصنع "الكعك بالزيت" دلالة على حزنها».

انتهى شهر رمضان، وملابس الأطفال تنتظر فجر اليوم التالي لتزين أجساد الأطفال، بينما الآباء يتجهون إلى المساجد لأداء صلاة العيد، والنساء همهن الوحيد هو تحضير طعام العيد، ماذا يفعل مجتمع "إدلب" صبيحة يوم العيد، هذا ما تحدث عنه السيد "عبد الحميد مشلح"، فيقول: «يتعايد الناس عند الصباح أثناء زيارة المقابر وتسميتها عندنا "الجبّانة"، ثم ينتقلون إلى المنزل لتناول الإفطار الذي يقام عادة عند كبير العائلة، بعدها يخرج الكبار لمعايدة الأقرباء، الأقرب فالأقرب، بينما يخرج الأطفال على شكل جماعات إلى ساحة العيد، والعيد أيام زمان مختلف عما هو عليه في أيامنا هذه، فقديماً كان يأتي السيرك إلى المدينة فكانت فرصة لنشاهد "الضبع" و"الضبعة"، و"السعدان" عن قرب مقابل شيء من المال، وكنا نسعد كثيراً ونحن نشاهد أحدهم يرقّص "السعدان"، وكان الأطفال يرتادون دور السينما، وفي الساحة أيضاً كان يتواجد "صندوق الدنيا" وبنصف فرنك نستمتع بالصور التي بداخل الصندوق، وفي مكان آخر من الساحة توجد الأراجيح، والقلابات (جمع القليبة) المصنوعة من الخشب القوي».

ومما يذكره من أهازيج تترافق مع ركوب الأرجوحة: «يا حج محمد يو يا/ عيرني حصانك يو يا/ لنط واركب يو يا/ والحق اسكندر يو يا/ اسكندر ما مات يو يا/ خلّف بنات يو يا/ بناته سود يو يا/ شكل القرود يو يا/ عندي وزة يو يا/ تلقط الرزة يو يا/ والرز غالي يو يا/ بسبع مصاري يو يا/ يا جحش خالي يو يا/ عنطز رماني يو يا/ بأرضي الحمرا يو يا/ يبعتلو جمرا يو يا/ يلعن أبو اللي ما بيقول إييييييييييي».

ومع انتهاء الشوط في ركوب الأرجوحة يصيح الأولاد مع نهاية شوط الأرجوحة: "كرّمنا"، فيقول لهم صاحب الأرجوحة: «هادا شوط الأمنيي/ وهادا شوط البرغوت/ واللي ما بينزل/ بيوقع وبيموت/ وهاد شوط الشحمة/ وهاد شوط اللحمة/ واللي ما بينزل/ بيوقع بالتشمة».

وينهي بقوله: «هذه هي أعيادنا أيام زمان».

ولكن ما زالت الأرجوحة حتى يومنا هذا، ومازال الأطفال يصيحون "بكرا العيد ومنعيّد".