البيت في ريف "معرّة النعمان"، وحتى بداية ثمانينات القرن الماضي ظلّ يتميز بطراز معماري موّحد، فهو مبنيٌ إمّا من الحجارة والطين، وتسمى عملية بنائه (بالغمس)، أو يأخذ شكلاً مخروطياً، ويدعى بالقبّة، وكانت القبة سكناً يعتمده الفلاحون، حيث يتكوّن منزل العائلة من عدّة قباب إحداها للسكن، والأخرى للحيوانات، والثالثة للعلف، ولها باب ونافذة صغيرة، وأحياناً بدون نوافذ، ومطليّة بالكلس من الداخل، وبالطين المجبول مع القش من الخارج، كي تقي الحرّ صيفاً والبرد شتاء.

وفي قصيدة للشاعر"عبد الرحمن الابراهيم"، وهو قببي النشأة من قرية "الغدفة" شرقي "معرة النعمان" يقول: «وتظلُّ تُطلِعُ، من بذور قصائدي، عشباً على أكتاف (تيّـاخات) قبّـتنا، لتأكلَه، كما أكلتكَ بالقحط السنينْ، في الطين رائحتي، وأمي كلما اشتاقتْ إليها، حوَّرتْ حيطانَ قبتنا، ومدَّتْ في ظلال عبيرها، شَغَفََََ (الحصيرة)...إلخ»، أمّا بيت (الغمس) فيتألف من غرفة واحدة، أو من غرفتين، وتحيط به الحاكورة، والتي غالباً ما يزرع فيها، كما قال "محمد محمود الجمعة"مدرّس الجغرافية في قرية "معرشمشة" الواقعة شرقي "المعرّة" لموقع eIdleb: «أشجار التين والزيتون والخضروات الأساسية للعائلة، وتتميز (الحاكورة) بوجود أشياء أساسية كـ(جرن) لأعلاف الحيوانات، و(جرن) للسقي، وقنّ للدجاج، وأيضاً تنور الخبز وبجانبه الحطب، وقبّة (الجلّي) و(الجلّة) تسمية تطلق على مجبول بقايا روث الحيوانات».

بطلائه بمادة (الحوّارة) كما كانت تسميها نساء الريف

ومن ناحية الشكل، للبيت الريفي ديكور موّحد من الداخل يعتمد على الأقواس المتصالبة، والتي تسمى بالعقد بالنسبة لبيوت (الغمس)، أو لها شكل المخروط بالنسبة للقبّة، وفي كلا الطرازين هناك أثاثات المنزل الريفي، ونبدأ بما يعرف بـ(العتبة)، وهي منطقة منخفضة تقع عند باب الغرفة، ولها وظيفتان الأولى وظيفة الحمّام، حيث يتمّ غلي الماء بطناجر النحاس، أو بما عرف مؤخراً بـ(الدست) إمّا على نار الحطب (التفية)، أو على (ببور) الكاز المستخدم لاحقاً للاستحمام، وبجانب (العتبة) توضع (خابة) الماء المصنوعة من الفخار، والتي تساعد على حفظ الماء بارداً في فصل الصيف، وكذلك في العتبة يتمّ خلع الأحذية في فصل الشتاء.

القبة

ومن أثاثاته أيضاً المدفأة الحجرية، والتي تسمى في منطقة المعرّة ب(التفيّه) لكثرة النفخ، والتفل أثناء إشعال النار، حيث يتمّ بناؤها داخل الجدار، ووصلها بمدخنة حجرية تنتهي إلى أعلى السطح، وتوقد بالحطب، أو ببقايا روث الأغنام، أو بقش القمح والشعير، وأيضاً في كلّ غرفة ريفية هناك الرف الطيني الموجود على الجدار المواجه للمدخل هذا الرف الذي حافظ على مادته الطينية برسوماته، وتزيناته التقليدية، و«بطلائه بمادة (الحوّارة) كما كانت تسميها نساء الريف».

والكلام للمدرس "محمد محمود الجمعة"، والذي أضاف عن جماليات هذه الرفوف: «المرأة المتقّنة تتميز بترتيب الصحون، والقدور النحاسية فوق الرف بطرق فنية تظهر جماليات تلك اللمسات الفنيّة»، وبقيت مادة الطين لسنوات طويلة هي المادة الأساسية لصناعة الرفوف، وذلك حتى بداية /الثمانينات/ من القرن الماضي، حيث صارت تصنّع من الخشب، وفوق الرفوف، أو تحتها يتمّ تعليق مصنوعات القش من (الجونيات أو النقاقيل)، وهي من أساسيات الديكور في البيت الريفي، وأيضاً هناك قطعة القماش التي لا يستغنى عنها في أيّ بيت ريفي، وهي عبارة عن قطعة مستطيلة لها جيوب متناوبة، لذلك سميت بـ (أم جيوب) أو (جيّابة) كما أطلقت عليها زوجة الحاج "سرحان" من قرية "معرشمشة" و(الجيّابة) تستخدم لوضع الأشياء الدقيقة فيها، كالأبر والمسلاّت والمخارز والخيوط والكشتبانات، وغير ذلك، وعلى الأرض يتمّ مدّ حصيرة القش المصنوعة من البردي، وفوقها ما يعرف (بالبسط) المصنوعة من شعر الماعز، إضافة لجلود الأغنام التي تذبح عادة إمّا للضيف, أو خلال موسم الأضاحي، وأخيراً لن ننسى الفانوس، أو ضوء الكاز الذي كان ينير بيوت الفلاحين في الليل، وبه فقط كنّا نرى كلّ هذه الأثاثات التي ذكرناها حين يحلّ الظلام.

خابة الماء من الفخار
أم جيوب