"محمد سليم الجندي" الأديب والمحقق الكبير الذي ولد في مدينة "معرة النعمان" عام 1880، علم من أعلام سورية في القرن العشرين، عرفه كبار أهل "المعرة" ممن عاصروه في بداية حياته في الفترة التي عاشها في "المعرة" وعرفه مثقفو المدينة بعدها وصغار أبنائها من خلال كتابه البارز المتصدر للكتب في مكتبة مركزها الثقافي، وهي المخطوطة الشهيرة التي تحدثت عن تاريخ مدينة "المعرة" منذ نشأتها وحتى الوقت الحاضر، إنه كتاب تاريخ "معرة النعمان" وهي مدينة "أبي العلاء" الشاعر الذي أثرى فكر "محمد سليم الجندي" فأنطق لسانه الخجول والمتواضع.

تحدث عنه باحث محافظة "إدلب" الأستاذ "فايز قوصرة" وشرح عن حياة "الجندي" قائلاً: «درس "محمد سليم الجندي" في مدينة "المعرة" وكتاتيبها بدايةً من الجامع، حيث تلقى علوم القرآن والفقه الديني، ثم دخل المدرسة وهي المكتب الرشدي آنذاك في جامع الشيخ "عطاء الله" بالحي الشمالي، وفيها تلقى علوم اللغة العربية وآدابها وشغف بنظم الشعر التقليدي وهو فتى دون الخامسة عشرة، وحين بلغ الجندي العقد الثاني من عمره ارتحل مع أسرته إلى "دمشق"، وقطن في سوق "ساروجة"، حيث تلقى على أيدي كبار علمائها الفقه والأصول والحديث الشريف وقواعد اللغة والبيان والمنطق والتاريخ، كان يلتقي طلابه بشكل دائم وأصبح من المألوفين لدى علماء أهل "دمشق" ونديماً محباً لهم، فوجدوا فيه النباهة والذاكرة القوية، وفي عام 1918 بدأ "الجندي" عمله في في ظل الحكومة العربية المشكلة حديثاً إذ عين "منشئاً" في ملاك وزارة الداخلية، وله الفضل في إدخال مصطلحات إدارية كثيرة إلى كتب ودواوين الدولة، وخلال سنوات شارك في المجمع العلمي العربي، وكان من أوائل المؤسسين لمجمع اللغة العربية الذي ضم نخبة من رجالات سورية، وكان مكتب عنبر للتعليم الثانوي محطة هامة ألقى فيه الجندي زاده العلمي فتخرج على يديه كبار علماء وأدباء سورية، وأسهم اهتمامه باللغة العربية في أن يكون أستاذاً في كلية الآداب- جامعة "دمشق"، منح وسام الاستحقاق السوري تقديراً لجهوده الأدبية واللغوية المتميزة، وأخيراً توفي في "دمشق" عام 1955».

يا صيد المزن من سَار منتقل/ حيي المعرة في الآصال والبكر/ دارٌ قضيت بها عهد الصبا مرحاً/ خلا من الهم والأوصاب والكدر/ تخال أرجاءها في كل ناحيةٍ/ ملتفةٍ من نسيج الدهر في أزر

أضاف "القوصرة" عن شخصية "الجندي" قائلاً: «شخصية "محمد سليم الجندي" برزت في عديد من المجالات خاصةً في الأدب والتاريخ، حيث كان ناقداً مميزاً، وكان "الكرملي" وهو أحد أعلام اللغة العربية في "دمشق" يقول "أنا أخشى الجندي في الرد علي فهو جندي مسلح"، كما قال عنه الشاعر "أحمد الجندي": "سيعجب الناس بأسلوب لغته وقوة عبارته" واعتبره مثل "ابن قتيبة" و"ابن خلدون" في الشرق ومثل "موليير" في الغرب، وأنا شخصياً أعتبره أول من دون تاريخ المنطقة بقلمه، حيث جمع بين اللغة والأدب والتاريخ، فكان جريء النقد وشديداً في تصحيح الخطأ الشائع، فخشيه الفرنسيون واستهابوا جانبه، وكان كثير الخجل والحياء ودل على ذلك حياؤه من الظهور لإلقاء كلمته خلال مهرجان "المعري" عام 1944».

فايز قوصرة متحدثاً في ندوة عن محمد سليم الجندي

وعن أعماله تحدث الأستاذ "عبد الوهاب البر" حيث قال: «للأديب والعلامة "سليم الجندي" خطوات عظيمة في مجال الأدب والنقد الأدبي وتدوين التاريخ بأسلوب علمي وموثق، فهو أول من كتب عن تاريخ "المعرة" والمعري مستخدماً هذه الطريقة العلمية رغم كل ما أحيط بالتاريخ من شكوك وأخطاء، وفضلاً عن تاريخ "معرة النعمان" الذي طبع مرتين أعوام 62 و63، له عدة مؤلفات تناولت شاعر "المعرة" وفيلسوفها "المعري" مثل الجامع في أخبار "أبي العلاء" وكتاب رسالة الملائكة لأبي العلاء، وفي هذه الكتب نحصل على كل ما نرغبه من أدب المعري وبأسلوب دقيق ونقي خال من أي شائبة أو أغاليط كانت شائعة عن أبي العلاء، أضف إلى ذلك مقالات نشرها في مجلة" دمشق" عام 1940 تبين الأخطاء في تدريس مادة اللغة العربية، فضلاً عن مقالات ودراسات إضافية منشورة في مجلة المجمع ومجلة الهلال المصرية».

"الجندي" تأثر بأدب المعري ودافع عنه راداً على خصومه، وفي ذلك الصدد حدثنا الأستاذ "فايز قوصرة" قائلاً: «بما أنه كان رجل دين وتمسك بالعقيدة فقد رد على كل من حاول النيل من "أبي العلاء" وفي مقدمة من رد عليهم الشاعر "أحمد الجندي" بقوله "من المعلوم أن لزوم مالا يلزم ليس من كتب الدين بل هو من كتب الشعر، وقد يبالغ فيه أبو العلاء أو يوجز، وليست غايتنا جعل "أبي العلاء" في مصاف الصديقين المقربين" كما أنه أي "الجندي" أورد وأرجع ما أتى في رسالة الغفران إلى الأمور النفسية التي لا يعلمها إلا الله، وبهذا قام بتنزيه أبي العلاء أمام خصومه لأنه كان يعتقد أن من خاصم أبا العلاء له غاية في ذلك، وكان موقفه من المعري صافياً ونزيهاً رغم كل ما كان يُشاع».

تمثال أبو العلاء المعري في مدينته

للجندي قصيدة عن بلدته "المعرة" يقول فيها: «يا صيد المزن من سَار منتقل/ حيي المعرة في الآصال والبكر/ دارٌ قضيت بها عهد الصبا مرحاً/ خلا من الهم والأوصاب والكدر/ تخال أرجاءها في كل ناحيةٍ/ ملتفةٍ من نسيج الدهر في أزر».

الأستاذ عبد الوهاب البر