يعتبر واحداً من أبرز أعمدة الحركة المسرحية في "إدلب"، دفعه عشقه وولعه المبكر بخشبة المسرح إلى بذل سنوات طويلة من عمره في سبيل بناء حركة مسرحية في "إدلب" تقارع بتميزها مسارح المحافظات الأخرى، إنه المخرج المسرحي المخضرم "مروان فنري".

أمضى أكثر من نصف قرن مخرجاً مسرحياً أنجز خلالها أكثر من ستين عملاً بدأت بمسرحية "امرأة الشيطان" التي أخرجها في عام 1958 وانتهت بمسرحيته الأخيرة "طفل زائد عن الحاجة" والتي عرضت منذ شهر تقريباً في "إدلب" وحظيت بإقبال غير مسبوق حيث غصت صالة مسرح "الخنساء" بالحضور جلوساً ووقوفاً لمتابعة تلك المسرحية ولمدة أسبوع كامل.

أفضل أن أقرأ وأنقد وأخرج لأني أعتبر في ذلك الشيء المفضل لي، وأنا كتبت للتلفزيون لأن كتابة السيناريو راقت ورأيتها قريبة من الإخراج المسرحي

أسس عشرات الفرق المسرحية في محافظة "إدلب"، وساهم في تأسيس عدة نواد مسرحية قدم خلال مسيرته المسرحية الجهد والمال ولم ينتظر دعماً أو شكراً من أحد، فحقق شهرة كبيرة توجت بتكريمه في العام الماضي على مسرح "الأوبرا" في "دمشق" بحضور كبار الفن المسرحي من ثلاثين دولة عربية وأجنبية، وعلى الرغم من بلوغه الخامسة والستين ما يزال يتمتع بمخزون كبير من العطاء المسرحي.

المخرج المسرحي مروان فنري

موقع eIdleb التقى المخرج المسرحي "مروان فنري" بادئاً حديثه عن بداياته مع المسرح بالقول: «عندما كنت في الصف الثاني الابتدائي أعد "عبد الصمد كيالي" وهو أحد رواد المسرح في "إدلب" آنذاك مسرحية بعنوان "العفو عند المقدرة" وعرضها في المدرسة التي كان يدرس فيها، حضرها التلاميذ وأولياؤهم، وعندما عدت إلى المنزل وضعت على إحدى الطاولات ستارة واعتبرتها مسرحاً ودخلت تحت الطاولة وبدأت أعيد المسرحية، فكانت هذه الحادثة بمثابة البذرة الأولى لميلي نحو العمل المسرحي، وفي عام 1952 انتقلنا مع والدي إلى "حلب" حيث شاركت في مسرحية أعدتها إحدى المدارس الثانوية هناك كانت بعنوان "موظف تائه"، وعندما انتقلنا إلى "إدلب" في أواخر عام 1952 استلمني "فوزي كيالي" مدير الثانوية و"جميل كيالي" مدرس الفنون وشاركت معهم في مسرحية "البخيل"، ثم شاركت مع عدة نواد مسرحية خاصة أسسناها كنادي "قبية" ونادي "الجلاء" ونادي "الفنون الشعبية"، وعند دخولي إلى دار المعلمين اتجهت لقراءة المسرح العربي والعالمي ومن ثم اتجهت للإخراج المسرحي، وهنا أذكر بأني لم أدرس الإخراج المسرحي باحتراف، بل اعتمدت على الموهبة والاجتهاد الشخصي، فقد اطلعت على المدارس الإخراجية الأوروبية، وزرت شمال أفريقيا واطلعت على حركة المسرح هناك».

كان يتمنى أن يرى مسرحاً مستقلاً في مدينة "إدلب" فهي برأيه من رواد الفن المسرحي على مستوى سورية بدلالة وجود ناديين مسرحيين منذ عام 1928 في بلدة "كفرتخاريم" الواقعة شمال غرب مدينة "إدلب" بحوالي 40 كم، وهما ناديا "الثريا" و"الطليعة" حيث استمرا حتى خمسينيات القرن الماضي، يقول: «أفرز هذان الناديان مجموعة كبيرة من رواد المسرح الذي انتقل معظمهم إلى مدينة "حلب" وأسسوا فرقاً ونوادي مسرحية مهمة، ولهذا فإن محافظة "إدلب" صاحبة تراث مسرحي كبير وتستحق أن يكون لها مسرح خاص».

من مسرحية امرأة الشيطان إخراج مروان فنري 1958

وربما السؤال الذي يطرح نفسه أنه ظل بعيداً عن الكتابة المسرحية وكتب للتلفزيون، وعن مبرره لذلك يقول: «أفضل أن أقرأ وأنقد وأخرج لأني أعتبر في ذلك الشيء المفضل لي، وأنا كتبت للتلفزيون لأن كتابة السيناريو راقت ورأيتها قريبة من الإخراج المسرحي».

تنقل في المسرحيات التي أخرجها بين عدة مدارس، من التجريبية إلى الحديثة والكلاسيكية ومسرح الأطفال وعن أهمية هذا التنوع يقول "فنري": «برأيي لا يجوز التخصص في المسرح فكل شريحة من الجمهور يفضلون نوعاً معيناً من المسرح أي يفهمونه أكثر، كذلك أحياناً النص يفرض النوع وأحياناً المخرج يختار النوع المناسب أكثر، وهذا التنوع ضروري وخاصة للهواة لكي يتعرفوا على خواص هذه الأنواع المسرحية، وأنا بعد أكثر من أربعين عاماً من العمل المسرحي أعتبر نفسي مازلت هاوياً، ويجب أن أخوض مختلف الأنواع المسرحية، وأنوي قريباً إخراج مسرحيات من نوع ميلودراما وكوميديا السوداء».

الأستاذ هيثم شحادة

بعض كتّاب المسرح يتهمون المخرجين المسرحيين بالتدخل في النص المسرحي، وأحياناً يسببون تشويهه، المخرج "مروان فنري" رد على ذلك بالقول: «الكتّاب المسرحيون معهم حق في ذلك، لأنه لا يجوز أن تتدخل في النص إلا اليد الخبيرة والمتمرسة في المسرح، والمخرج الذي عاصر مجموعة مسارح وأخرج عدة أعمال، عندها فقط يحق للمخرج أن يجري تعديلات على النص، وهنا أذكر حادثة جرت بيني وبين الكاتب الراحل "ممدوح عدوان"، فمن المعروف عن "عدوان" رفضه الشديد أن يقوم أحد بإجراء أي تعديل على نصه، وفي عام 1992 زار "إدلب" لعرض مسرحيته "حكي القرايا وحكي السرايا" حيث قمت بإجراء بعض التعديلات على النص، وعندما اطلع عليه بعد التعديل قال لي: "لو لم أكتشف أنها على درجة عالية من الجودة بعد التعديل لما سمحت لك بالتدخل في النص"، وقدمت هذه المسرحية على مسرح المركز الثقافي في "إدلب"، وأتشرف بكلمة قالها في الندوة التي عقدت حول المسرحية عندما قال: "لا تهدموا هذا الصرح المسرحي مروان فنري"، إذاً لا مانع من التدخل في النص إذا كان من يقوم بالتعديل صاحب خبرة ومتمرس».

تواجه المسرح الإدلبي صعوبات عديدة يلخصها "مروان فنري" بالقول: «هناك نقص كبير في الكادر التمثيلي وخاصة العنصر الأنثوي، فأنا في كثير من المسرحيات أضطر للاستعانة بمواهب من محافظة "حلب" وهذا يشكل عبئاً كبيراً ومصاعب إضافية على كاهل العمل المسرحي، كما أننا نفتقد لمسرح يحتضن تلك الحركة المتنامية للمسرح الإدلبي، ونحن الآن ننتظر إنجاز المسرح القومي، إلى جانب افتقاد المسرح للشركات الداعمة والراعية».

الأستاذ "هيثم شحادة" مدير الثقافة في "إدلب"، أبدى تقديره الكبير لجهود المخرج "فنري" في النهوض بالحركة المسرحية في "إدلب"، وأضاف: «بصفتي أحد أبناء هذه المحافظة أولاً ومديراً لثقافتها ثانياً أود أن أعبر عن إعجابي وتقديري الكبيرين لما قدمه ويقدمه الأستاذ "فنري" لفن المسرح، إنه بحق أبو المسرح الإدلبي وأحد أهم رواد المسرح في سورية، قاد الحركة المسرحية في "إدلب" منذ ستينيات القرن الماضي، إنسان متميز على الصعيد الفني وعلى الصعيد الشخصي، ويكفي أن تجلس معه للحظات لتشعر بمدى تهذيبه ولباقته وعمق ثقافته المسرحية، وبمناسبة إنشاء مسرح قومي في "إدلب" أتمنى للأستاذ "فنري" كل التوفيق في قيادة دفة مسرحنا القومي نحو التميز والنجاح».

جدير بالذكر أن المخرج المسرحي "مروان فنري" من مواليد مدينة "إدلب"، يعتبر تاريخ ميلاده هو تاريخ ولادة أول مسرحية أخرجها وكانت في عام 1958 بعنوان "امرأة الشيطان" عن قصة أجنبية أعد نصها الشاعر "نظمي عبد العزيز"، وآخر مسرحية أخرجها كانت منذ شهرين وهي مسرحية "طفل زائد عن الحاجة" للشاعر والكاتب المسرحي "عبد الفتاح قلعه جي"، كتب أربع سهرات تلفزيونية كان آخرها بالاشتراك مع الأديب "خطيب بدلة"، ومن أبرز أعماله المسرحية نذكر: "كاليغولا" عام 1969 تأليف "البير كامو"، "تراجيديا أوليس" عام 1973 تأليف الدكتور "رياض نعسان آغا"، "غابة غار" عام 1974 و"طفل زائد عن الحاجة" عام 2010 تأليف "عبد الفتاح قلعه جي"، "الحطاب" عام 1978 تأليف "رياض سفلو"، "السجين 95" عام 1975 تأليف "علي عقلة عرسان"، "الفيل يا ملك الزمان" عام 1979 و"رأس المملوك جابر" تأليف "سعد الله ونوس"، "أوديب" عام 1970 تأليف الكاتب المصري "علي أحمد باكثير"، "محاكمة الرجل الذي لم يحارب" عام 2003 تأليف "ممدوح عدوان"، "الزير سالم" عام 2007 تأليف "الفريد فرج"، شارك في العديد من المهرجانات المسرحية، ونال الكثير من الجوائز، ومؤخراً تم اختياره من قبل الدكتور "رياض نعسان آغا" وزير الثقافة ليكون مديراً للمسرح القومي الذي يتم إنشاؤه حالياً في "إدلب".