بعد أن تلمس الكاتب "رياض سفلو" طريق التميز في عالم الكتابة للمسرح والدراما مسجلاً اسمه كأحد أبرز كتاب السيناريو في سورية، فاجأت الصدمة الكبيرة كل أصدقائه وزملائه وكل من عرفه وعمل معه، فقد رحل مبكراً وهو في أوج عطائه.

وبغية التعرف أكثر على شخصية الراحل "رياض سفلو"، كان لموقع eIdleb هذه اللقاءات مع عدد من الشخصيات التي عرفته وعملت معه، حيث يقول الباحث والمؤرخ "فايز قوصرة": «عندما كنت ألتقي الصديق "رياض سفلو" كان يصر على أن أعطيه أفكاراً تاريخية تصلح لكي تكون عملاً درامياً، فهو شديد الحرص على سماع آراء جميع أدباء ومثقفي "إدلب" حول مسلسلاته، كان يطمح أن يكون أحد أبرز كتاب الدراما في "سورية" وإثبات وجوده في هذا الميدان، وهو الذي يتميز بطبع كتوم.. صامت.. قليل الكلام، حيث يقضي معظم وقته في مجلسه مستمعاً، وله رأي كان يصر عليه دائماً مفاده ألا تضيع الدراما السورية وقتها في الفانتازيا التاريخية، ووجوب عودتها إلى الجذور، فشكل ذلك السبب الرئيسي وراء سعيه لكتابة مسلسل "العبابيد"،

أشرف "رياض" على بعض المسرحيات المدرسية، وعمل أمسيات موسيقية ولحن بعض قصائد "محمود درويش" ونجح فيها كثيراً، وبعد ذلك انتقل إلى التلفزيون في قسم تنسيق البرامج، كانت هناك زيارات كثيرة متبادلة فيما بيننا، وبعد انتقاله إلى "دمشق" ظل حريصاً على التواصل معي، ففي كل أسبوع كنا نصر على أن نجتمع مع بعضنا مرة على الأقل، وكان حريصاً أن يطلعني على ما يكتب، وما كان يميزه أنه كان يكتب بقلم رصاص على اعتبار أنه يمكن إجراء تعديل على هذا السيناريو، أحب "رياض" أن يكتب لنفسه دون أن يشاركه أحد، لقد رأيت فيه الإنسان الحساس والدقيق، له مزاجية خاصة في التعامل الفني بشكل عام إن كان موسيقياً أو درامياً أو مسرحياً وهو اجتماعي جداً ومرح

بقيت مدينته "إدلب" محمولة في قلبه، وعندما كنت أصادفه في "دمشق" كان يبادر بالسؤال عن أحوالها ونشاطها الثقافي، لمست الاحترام الكبير الذي يكنه له معظم الفنانين، بكل تأكيد رحيل "رياض" المبكر خلف لنا أسى كبيراً نحن معارفه ومحبيه».

المؤرخ فايز قوصرة

أما المخرج المسرحي "مروان فنري" فتحدّث عن "رياض سفلو" الكاتب المسرحي بالقول: «"رياض" هو موسيقي في الأصل، بعد استلامه إدارة المسرح المدرسي في "إدلب" واحتكاكه مع المسرحيين بما فيهم أنا، ظهر اهتمامه بالمسرح، وكان يرافقني في مسرحياتي في "دمشق" و"اللاذقية"، فلمست فيه ملكة الكتابة للمسرح وشجعته على ذلك، وكانت المسرحية الوحيدة التي كتبها هي مسرحية "الحطّاب" التي طبعت فيما بعد باسم "فرعون لا يشبه الفراعنة"، كانت تجمعني معه إلى جانب العمل الفني صداقة قوية، حيث تناقشنا سوية في مشاهد وشخصيات المسرحية، ومن ثم قمت بإخراجها في مدينة "إدلب" في عام 1978، وقد نالت هذه المسرحية في عام 1979 جائزة في مهرجان استضافته محافظة "اللاذقية" جائزة الإخراج وجائزة النص وبعض الممثلين أخذوا جوائز عنها، وفي "دمشق" عدلوا مسرحية "الحطاب" فكانت "فرعون لا يشبه الفراعنة" لكنها لم تحقق النجاح الذي حققته "الحطّاب"».

وأضاف الأستاذ "فنري": «أشرف "رياض" على بعض المسرحيات المدرسية، وعمل أمسيات موسيقية ولحن بعض قصائد "محمود درويش" ونجح فيها كثيراً، وبعد ذلك انتقل إلى التلفزيون في قسم تنسيق البرامج، كانت هناك زيارات كثيرة متبادلة فيما بيننا، وبعد انتقاله إلى "دمشق" ظل حريصاً على التواصل معي، ففي كل أسبوع كنا نصر على أن نجتمع مع بعضنا مرة على الأقل، وكان حريصاً أن يطلعني على ما يكتب، وما كان يميزه أنه كان يكتب بقلم رصاص على اعتبار أنه يمكن إجراء تعديل على هذا السيناريو، أحب "رياض" أن يكتب لنفسه دون أن يشاركه أحد، لقد رأيت فيه الإنسان الحساس والدقيق، له مزاجية خاصة في التعامل الفني بشكل عام إن كان موسيقياً أو درامياً أو مسرحياً وهو اجتماعي جداً ومرح».

المخرج المسرحي مروان فنري

بدوره الرسام "عصام سيد يوسف" أحد أقارب الراحل "سفلو" تحدّث عنه قائلاً: «ترعرع الراحل "رياض سفلو" في أسرة فقيرة وكان أصغر إخوته، نشأ محباً للفن منذ طفولته فعشق الرسم والموسيقا وقد تدرج في الرسم بدءاً من قلم الرصاص وحتى الألوان المائية ثم الزيتية، أثناء دراسته الإعدادية انتسب إلى فرقة الكشافة الموسيقية عازفاً على الطنبور الصغير ثم البوق ثم آلة العود، وذلك على يد الموسيقار الكبير "عبد القادر عبيد"، وما ساعد في بروز مواهبه في الرسم والموسيقا أثناء دراسته الإعدادية أن هاتين المادتين كانتا تدرسان كمادتين أساسيتين في المدرسة آنذاك، وهنا أود أن أذكر نقطة مهمة أنه أثناء خدمته الإلزامية في نهاية السبعينيات تابع هوايته في الكتابة فكتب تمثيلية "بنت الكبا" في أوائل الثمانينيات مستعيناً بأفكار الأديب الكبير "حسيب كيالي"، وهي أول ما كتبه على الإطلاق، وقد لاقت هذه التمثيلية بعد عرضها على شاشة التلفزيون نجاحاً كبيراً، كان من خلال كتاباته محباً وعاشقاً لتراث مدينته "إدلب"، وكان يتميز بهدوء شديد يعالج كافة الأمور بتأن وروية».

يذكر أن الكاتب "رياض سفلو" من مواليد مدينة "إدلب" عام 1950، وبعد تخرجه في دار المعلمين في "إدلب" عين مدرساً في محافظة "الرقة"، ثم عاد إلى "إدلب" ليصبح مديراً للمسرح المدرسي، حيث شغف بالكتابة المسرحية بتشجيع ومؤازرة كبيرة من المخرج المسرحي "مروان فنري"، فكتب "الحطّاب" والتي أعيد نشرها في "دمشق" تحت اسم "فرعون لا يشبه الفراعنة"، وبعد انتقاله للإقامة في "دمشق" للعمل في قسم التنسيق في التلفزيون وتأثره بالوسط المحيط به من ممثلين وكاميرات تلفزيونية، اهتم بكتابة الدراما التلفزيونية، فكانت البداية مع سهرة تلفزيوني أخرجها "فردوس أتاسي" وحققت نجاحاً كبيراً ومن ثم رائعته "العبابيد" و"المحكوم" في عام 1996 بالإضافة إلى فيلم "الميلاد" إخراج "فردوس أتاسي" الذي صور في منطقة "سلقين" في محافظة "إدلب"، إلى جانب مسلسل مصري بعنوان "الماضي يعود غداً"، أما فيلمه الناجح والذي حصد عدة جوائز في أوروبا فكان بعنوان "الهيبة" بمشاركة "مروان فنري" وإخراج "عبد المسيح نعمة"، خطفه الموت في عام 1998 وهو في زهرة شبابه وفي قمة العطاء المسرحي والدرامي.