هو أحد أبطال مدينة "المعرة" ممن حاربوا الاستعمار في بلاد الشام في النصف الأول من القرن العشرين، رجلٌ براه الله عربي النفس واليد واللسان وزرع في أعماق قلبه الطيب، شارك في مواجهة الاستعمار الأجنبي على عدة جبهات، تحدث عنه قلم الأستاذ الكاتب "عبد الله يوركي حلاق" صاحب مجلة الضاد في أحد إصداراتها السابقة ليحكي لنا عن ملحمة النضال التي بذلها المجاهد "عمر الأبرش"، حيث ذكر قائلاً في مجلته: «كان فتىً غض الإهاب، عندما شارك أقطاب الكتلة الوطنية في مناهضة الإنتداب الفرنسي والتصدي له بكل ما يملك من عزم وإيمان، وبعد أن خطب خطبته الشهيرة في الجامع الكبير ببلده "المعرة" عقيب صلاة الجمعة وحث فيها المستمعين على الصمود للمستعمرين ومقاومتهم بعناد وضراوة، اعتقلته السلطات الفرنسية ونقلته إلى السجن العسكري في "حلب"، حيث لاقى أشد أنواع التعذيب والإرهاب.

ثم سيق مكبلاً بالحديد إلى المحكمة العسكرية، فحكمت عليه بالإعدام، ولصغر سنه أُنزل الحكم إلى السجن والنفي خارج البلاد مدة عشرين عاماً، وأدخل السجن الملكي في "حلب" وكان يغص بالشبان المثقفين وبعض زعماء الكتلة الوطنية وعلى رأسهم "سعد الله الجابري". وكان قد حكم عليه بالإعدام ثم خفض الحكم إلى السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة مدى الحياة، ونشأت بين مجاهدنا "الأبرش" وبين المعتقلين في السجن صلة حب وود وثيقة، لكن كثيراً من هؤلاء المعتقلين ماتوا وراء القضبان وما تزال أسماؤهم خالدة في سجل نضالهم، وفي ذاكرة رفيقهم المجاهد الحاج "عمر الأبرش"».

شارك في فلسطين مرة أخرى وقاتل ضد الصهاينة في معارك "مرج ابن عامر" و"طول كرم" و"نابلس" ولم يُلق السلاح إلا عندما أُعلنت الهدنة، وهو يحمل العديد من الأوسمة وشهادات التقدير الدالة على بسالته النادرة وإخلاصه العظيم لقيمه في سبيل كل غالٍ وثمين

لم يطل مقام السجن طويلاً على المجاهد "عمر الأبرش"، فما أن صدر قرار العفو عمن بقي من معتقلي السجن الملكي على قيد الحياة حتى عاد إلى ساحة القتال، حيث ذكر الكاتب "عبد الله يوركي حلاق" في مجلته قائلاً: «في عام 1936 تولى القائد المحنك "فوزي القاوقجي" القيادة العامة للثورة في فلسطين، فما كان من مجاهدنا "الأبرش" إلا أن التحق بتلك الثورة، وفي "عَمان" تعرف بالمناضل "سعيد العاص" وطلب منه أن يعمل معه على مكافحة السلطة الإنجليزية والعصابات الصهيونية، وفي الجبال الخضر بين "القدس" و"نابلس" وفي معركة "حلحلول" التي دامت من بعد ظهر يوم 24 أيلول 1936 حتى صباح يوم 26 من الشهر نفسه، أُصيبت القوات الإنجليزية بهزيمة منكرة، وخسرت ثمانين جندياً وضابطاً، وكميات كثيرة من الأسلحة والذخيرة. وفي معركة حامية نشبت في فلسطين في صباح الثامن من تشرين الأول، وهي المعركة التي استشهد فيها البطل المقدام "سعيد العاص"، أُصيب المجاهد "الأبرش" في رجله إصابة بالغة فحُمل إلى "دمشق" وأدخل المشفى هناك، فلم تكد تلتئم جراحه حتى عاد إلى مقاومة الفرنسيين في سورية».

كتيبة من المعرة حاربت في فلسطين

موقع eIdleb التقى أحد أبناء الحاج "عمر الأبرش" في مدينة "المعرة"، وهو السيد "سعد الأبرش" فتحدث لنا عن حياة والده قائلاً: «والدي من مواليد عام 1916، كان يعمل نجاراً قرابة منزله الواقع حالياً إلى الجنوب من شارع "أبي العلاء" مقابل سوق النجارين في "المعرة"، ومنذ أن خطب في الناس بداعي الجهاد ضد الفرنسيين صار له أعداء من المتآمرين مع هذا المستعمر، لكن لم يهدأ له جفن حتى استطاع الإفلات من غياهب السجون والالتحاق بركب القتال في فلسطين، وبعد عودته منها توجه إلى العراق للمشاركة بثورة "رشيد عالي الكيلاني"، وفي عام 1945 شارك البطل "ابراهيم هنانو" في معارك "جبل الزاوية" وشارك أيضاً في ثورة "حماه" حتى استطاع مع رفاق النضال دحر آخر القوات المستعمرة».

ولم يتوقف المجاهد "عمر الأبرش"عند ذلك الحد عن بذل المزيد، فما كان منه إلا أن قاتل في حرب فلسطين عام 1948 منضوياً تحت لواء القائد "فوزي القاوقجي" واستكمل في بقية حياته ما بدأه في ربيعها من بطولات، وعن ذلك تحدث ابنه "سعد" قائلاً: «شارك في فلسطين مرة أخرى وقاتل ضد الصهاينة في معارك "مرج ابن عامر" و"طول كرم" و"نابلس" ولم يُلق السلاح إلا عندما أُعلنت الهدنة، وهو يحمل العديد من الأوسمة وشهادات التقدير الدالة على بسالته النادرة وإخلاصه العظيم لقيمه في سبيل كل غالٍ وثمين».

السيد سعد الأبرش

وعما تبقى من عمر المجاهد "عمر الأبرش" بعد مسيرته في الجهاد، أضاف ولده "سعد": «انتخب والدي رئيساً لرابطة المجاهدين أكثر من مرة وعضواً في مجلس المحافظة وتحدث للإعلام في جميع المناسبات الوطنية، وكان له الفضل في لفت أنظار الدولة إلى الاهتمام بضريح الخليفة "عمر بن عبد العزيز" في قرية "دير شرقي" وإيلائه العناية، وساهم مع صديقه المرحوم "كامل شحادة" في العمل على إيجاد متحف أثري في "المعرة"، وفعلاً استُصدر مرسوم رئاسي بإنشاء متحف "خان مراد باشا"».

توفي المجاهد "عمر الأبرش" عن عمر يناهز ثمانية وثمانين عاماً في بلده "المعرة" بعد أن أمضى رحلة نضال طويلة في جهاد المستعمر لم تكد تتسع لها السطور فحملتها القلوب.

بندقية المجاهد عمر الأبرش القديمة