«أسرة آل الجندي في مدينة "المعرة" من الأسر الكريمة المنسوبة إلى الأسرة العباسية، فجدهم الأعلى الشيخ "ياسين" قدم إلى هذه البلاد من "بغداد" بعد حادثة التتار الجنكيزيين، حيث أقام في قرية "بكفالون" وفيها كانت وفاته، وتفرّق أولاده من بعده في "حماة" و"حمص" و"إدلب" و"حلب".

ومنهم امتدت سلسلة هذه الأسرة في البلاد المذكورة، وممن عرفناه من أفرادهم الأستاذ الشيخ "صالح أفندي" مفتي قضاء "المعرة" المتوفى في "حلب" سنة 1311هـ، وقد خلفه بفتوى بلده نجله المرحوم الشيخ "أحمد أفندي"، ثمّ ولده "سعدي أفندي"، ثمّ أخوه الأستاذ الشيخ "أسعد أفندي"».

حضرنا جنازة عظيمة له لم نشهد لها مثيلاً، حيث دفن إلى جوار والديه في مقبرة الشيخ "حمدان" في "المعرة"

هذا ما ذكره الشيخ "كامل البالي الغزي" في كتاب "نهر الذهب في تاريخ حلب"عن عائلة آل الجندي في "المعرة"، حيث تحدّث عن المعروفين منهم في مجال الإفتاء والمشيخة، فهي عائلة أورثت الفتوى والعلم لأبنائها، وكان آخرهم في مجال الإفتاء السيد "بديع إبن سعدي الجندي" مفتي "المعرة" الذي حدثنا عنه الأستاذ "نجم الدين الجندي" مدرس لغة عربية وأحد أبناء العائلة المقرّبة من عائلة المفتي، بقوله: «فتوى الحاج "بديع الجندي" لم تأت محض المصادفة، لأنّ موضوع الإفتاء في هذه العائلة متوارث وممتد من جد والده إلى جده فوالده، وقد عُين والده السيد "سعدي الجندي" في العديد من الوظائف زمن الدولة العثمانية التي منحته الوسام المجيدي، وأعطته رتبة فراشة الحرم، وقال فيه السيد "سليم الجندي" في تاريخ "المعرة" إنّه كان وسيماً جميل الهيئة لطيف الحديث، وزوجته كانت السيدة "خديجة الكحال" وهي أم "بديع"».

الأستاذ نجم الدين الجندي

وأضاف الأستاذ "نجم" عنه قائلاً: «"محمد بديع الجندي" ولد في "معرة النعمان" سنة 1907 ونشأ فيها، ودرس القرآن في أحد كتاتيب "المعرة"، وبعد أن توفي والده وهو صغير السن رحل إلى "حلب" فأقام في المدرسة الخسروية عدّة سنين أخذ فيها العلم عن أكابر علمائها كالشيخ "محمد راغب الطباخ" والشيخ "أسعد العبجي" والشيخ "أحمد الزرقا"، إلا أنّه ترك المدرسة قبل أن يتخرج فيها رسمياً، ولما توفي عمه السيد "أسعد" عُهد إليه بمنصب الإفتاء في بلدته عام 1947 كان عالماً جليلاً متقناً دقيقاً في فتاواه اشتهر عنه بالعلم فلم يترك مؤلفاً علمياً إلا طرق بابه، وكما سمعت من والدي الشيخ "حسن" أن المفتي اشتغل بالسياسة وانتخب نائباً بالبرلمان السوري عام 1958 أيام الوحدة بين سورية ومصر، وعلى أثر ذلك زار مصر وأوزبكستان كأحد ممثلي علماء المسلمين في بلاد الشام».

عرف عن الحاج "بديع" مواقفه الوطنية والثورية أيام الاحتلال الفرنسي أثناء نزوح لاجئي فلسطين عام ثمانية وأربعين، وعن تلك المواقف تحدّث الأستاذ "نجم" قائلاً: «شارك "محمد بديع" بثورة الاستقلال ضد الاحتلال الفرنسي ويُقال إنه ترأّس فرقة انقاذ، لنجدة المجاهدين في مدينة "حماة" حيث كان النصر لهم على الفرنسيين، وبعد حرب ثمانية وأربعين وصل عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين إلى "المعرة" ففتح الشيخ المدارس والمساجد واستأجر لهم بيوتاً على حسابه الخاص، ووفّر لهم الطعام والشراب، وجاءته رسالة من رئيس الجمهورية آنذاك "شكري القوتلي" يشكره فيها على جهوده الشخصية المبذولة في سبيل استقبال وإيواء الإخوة الفلسطينيين، وكان موضع تقدير خاص من جميع من عاصروا تلك الفترة من السياسيين والشخصيات الوطنية المرموقة».

يهبط من الطائرة في زيارة لأوزبكستات

أمّا عن الجانب الاجتماعي للشيخ المفتي فقد شرح عنه الأستاذ "نجم" بالقول: «"أبو فاتح" عُرف عنه حسن الضيافة والسخاء حتى لُقب بـ"حاتم المعرة" ولديه مضافة خاصة لاستقبال المحبين والضيوف وحل الخلافات الشخصية بين العوائل والأسر في المنطقة، وتقع هذه المضافة في محلة "آل الجندي" في الحي الشمالي قرب سيباط "آل الجندي" القديم، ولأنّ كلّ من عاشره أحبه، فقد زاع صيته في الأرجاء وتقاطرعليه البشر من جميع المناطق، ليشهدوا كرمه وحسن عشرته، فكان مقرباً من المفتي العام للجمهورية السيد "محمد أبو اليسر عابدين"».

أخيراً نشير إلى أنّه توفي في بلدته "المعرة" سنة 1973، ويضيف "نجم": «حضرنا جنازة عظيمة له لم نشهد لها مثيلاً، حيث دفن إلى جوار والديه في مقبرة الشيخ "حمدان" في "المعرة"».

في أحد مجالس العلماء