الحديث عن شخصية الطبيب "غسان قناطري" من بين أطباء "معرة النعمان"، لن يكون عن مهنته كطبيب، وكإنسان وحسب، بل عن دوره في توثيق ثورات الشمال السوري. فما أن التقينا بالطبيب "غسان قناطري" حتى بادرنا بقوله: «العمليات الاستشهادية لم تظهر حديثاً، وأول عملية استشهادية كانت في معركة "وادي ترعات" شمال غرب قرية "سرجة" حيث قام أحد المجاهدين بتفجير مستودعات الذخيرة، واستشهد نتيجة هذه التفجيرات»، ثمّ بدأ حديثه عن الأسرة، وعن سبب دراسته للطب بقوله:

«والدي "أحمد"، وشقيقه "خلف قناطري"من أوائل المتعلمين على مستوى منطقة "معرة النعمان"، فقد كانت مدينة "كفرنبل" في خمسينات القرن الماضي، تحتل مركزاً متقدّماً من حيث انتشار التعليم في المحافظة، وكان والدي من المتفوقين على مستوى محافظة "إدلب"، وأمنيته أن يدرس الطب، لكنّ فقر عائلته منعه من ذلك، ولهذا جعله يكرّس كلّ اهتمامه بأولاده، خاصة، وأنا أكبر أبنائه سناً، فكانت أمنيته أن أحقق له هذا الحلم».

حالياً نركّز على المجاهد "عمر الأبرش" من "معرة النعمان"، والأمير "الشايش" من "قطرة"، و"فارس العطور" من قرية "سحال"

والطبيب "غسان قناطري" من مواليد مدينة "كفرنبل" /1963م/، ومتخصص بأمراض الجهاز البولي، ويشغل حالياً رئيساً لفرع نقابة أطباء "إدلب" منذ عام /2001م/ وحتى الآن، لذلك كان لابد من الحديث عن هذه المرحلة بقوله: «قمنا بتعديل جذري في فرع نقابة الأطباء، وقمنا بتشيد بناء مجهّز بكل مستلزمات العمل الطبي الحديث، وتم أتمتة النقابة بشكل تام، وأدخلنا نظام رسائل الموبايل، للاتصال مع الأطباء وإيصال التعاميم، وتعليمات النقابة، ومن أجل التواصل، والقيام بالواجب في مناسبات الفرح والحزن»، «وكذلك أقمنا مجمّع طبي تخصصي متميز، وأول مخبر وعيادة زواج على مستوى القطر، وكانت نقابة "إدلب" سبّاقة في هذا المجال، لذلك تمّ تعميم هذه التجربة على مستوى القطر بإنشاء هذا المخبر، وقد كلّفت بتمثيل نقابة أطباء سورية في اللجنة المشكّلة لهذا المشروع، وأيضاً أقمنا مكتبة الكترونية حديثة جداً موصولة مع المواقع العلمية العالمية عبر شبكة الانترنت، وحالياً نحن بصدد إقامة مستشفى أطفال متخصص ضمن مبنى النقابة».

الطبيب غسان قناطري في عيادته

أما عن منصبه كنائب رئيس اللجنة الوطنية لذاكرة الشمال يقول: «يعتبر ولادة هذه اللجنة إنجازاً كبيراً، وهي تهدف إلى إحياء ذاكرة الوطن المليئة ببطولات، وتضحيات أجدادنا، وتقديمها بشكلها الحقيقي للأجيال القادمة، من خلال أبحاث متخصصة في هذا المجال، حيث يوجد عدد كبير من المناضلين الذين ظلمهم التاريخ، ولم تذكرهم كتب المؤرخين التي اقتصرت على بعض الأسماء اللامعة، فمثلاً في ثورة "ابراهيم هنانو" اقتصر المؤرخون على ذكر"يوسف السعدون"، و"مصطفى حاج حسين"، و"نجيب عويد"، و"عقيل اسقاطي"، رغم وجود أكثر من /117/معركة جرت ضمن محافظة "إدلب"، لذلك سيكون مهمة هذه اللجنة عمل نصب تذكارية في الأماكن التي جرت فيها هذه المعارك، وتتضمن النصب تاريخ المعركة، وأسماء المجاهدين، والشهداء، والجرحى، وعدد القتلى من جنود الاحتلال الفرنسي، وطبعاً الهدف الأول والأخير هو تعزيز ثقافة المقاومة عند الأجيال القادمة خاصة، ونحن أمام غزو ثقافي خارجي يسعى، لإبعادنا عن جذورنا».

ولكن لماذا نقابة الأطباء، وما علاقة نقابة الأطباء بالمقاومة عن ذلك يقول د. "قناطري": «لقد كان الأطباء هم المحرك الأساسي للثورات بالاشتراك مع المحامين، ونتذكر العديد من الأطباء كالطبيب "عبد الرحمن الشهبندر"، والطبيب "حسن حسني الدمشقي"، والشهيد "الدمشقي" كان موظفاً في قضاء "المعرة" من قبل الفرنسيين، فترك الوظيفة والتحق بالثوار في جبل الزاوية، وكان يحارب ويداوي الجرحى، حتى تمّ اعتقاله، فأجبر على تجرّع السم، ليستشهد بعد ذلك، وفي العصر الحديث هناك أطباء من "إدلب" شاركوا في الثورة الجزائرية، وأملك وثائق شكر من الحكومة الجزائرية موجّهة لوزارة الدفاع السورية، لجهود الطبيب "مصطفى كمال بركات" من محافظة "إدلب"، والطبيب "صلاح السيّد" من "جسر الشغور".

د. غسان يحمل البندقية التي حارب بها الأمير الشايش.JPG

باختصار الغيرية ليست حكراً على أحد، ونحن من خلال هذه اللجنة سنسعى، لإنشاء متحف للأشياء العينية للثوار، كصورهم، أو سلاحهم، أو أي شيء يتعلق بهم، وبثوراتهم».

وعن مجال عمل هذه اللجنة حالياً قال د."قناطري": «حالياً نركّز على المجاهد "عمر الأبرش" من "معرة النعمان"، والأمير "الشايش" من "قطرة"، و"فارس العطور" من قرية "سحال"».

وأضاف "قناطري" عن جولات هذه اللجنة: «سافرنا إلى "الشيخ بدر"، وإلى منزل "سلطان باشا الأطرش" في "السويداء"، لمعرفة وتوثيق العلاقة بين الثوّار والمعارك التي خاضوها، ونتمنى تعميم هذه اللجنة على محافظات القطر، لتكون معلومات هذه اللجان مراجع للثورات السورية ضد المحتل الفرنسي».

وعن الندوات التي أقامتها اللجنة في محافظة "إدلب" قال: «أقمنا الندوة الأولى للزعيم "إبراهيم هنانو" بالتعاون والتنسيق بين نقابة الأطباء، ووزارة الثقافة، وقد دعونا باحثين من أمريكا وأوربا، كالدكتورة"نادين المعوشي" والدكتورة "خيرية قاسمية" والدكتور "عبد الكريم رافق" بالإضافة، لدعوة أحفاد الثوار وأبنائهم من الجزيرة السورية و"إدلب" و"السويداء" و"اللاذقية"، وحالياً نحن بصدد الإعداد للندوة الثانية عن "هنانو" وثورة الشمال في شهر تشرين الثاني لعام /2009م/».

يبقى أن نشير إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها اللجنة بكل أعضائها من الباحث "محمد خالد العمر" رئيس اللجنة إلى الطبيب "غسان قناطري"، إلى الطبيب "حسن جبران" إلى كل الأعضاء الساعين إلى إنجاح مهمتها في توثيق ثورات هذه المحافظة الخضراء بكبريائها وشموخها.