«وصلت إلى تركية، بعد أن تعرّفت إلى طبيعة العمل الموكل إليّ من خلال توجيهات القائد الخالد "حافظ الأسد" إثر لقائنا به، وقوله لفريقنا الدبلوماسي: أنتم رسل هذا الوطن إلى العالم، فاحترموا قوانين البلد المضيف، وكونوا قدوة في العمل الصالح لأبنائنا في الغربة، وليكن كلّ واحد منكم أخاً وموجهاً لطلابنا، خاصةً وأنّ الطلبة خارج القطر لديهم مساحة واسعة من الحرية التي قد لا تعجبكم فخذوهم باللين والرفق وردوهم إلى جادة الصواب».

والكلام للسيد "نجم زيدان" حين التقاه موقع eIdleb يوم 10/3/2009م في قريته "حاس" وأضاف: «حين وصلت إلى تركية عام /1981م/ كملحق ثقافي في السفارة السورية قمت أول وصولي بجمع البيانات عن الطلاب الدارسين حينها في ذلك البلد، وقد كان عددهم /1237/ طالباً وبعد الجهد المضني الذي بذلته لمعرفة عنوان كلّ طالب قمت بالاتصال بالجهات المسؤولة في "دمشق"، لأطلب وضع الطلاب الدارسين تحت الإشراف، وهذا يعني تحويل مبالغ محددة للطلاب بالسعر الموازي للدولار، ويعني أيضاً الالتزام بتجديد جوازات السفر المنتهية مدتها.

طلبني وزير التربية لأعمل في الوزارة فاعتذرت لأن عائلتي المكونة من عشرة أبناء لا تسمح لي بالعيش في "دمشق" ففضلت أن أبقى في القرية، وبقيت حتى إحالتي إلى التقاعد عام /2002م/

وبعد ذلك تمّ تشكيل المكتب الإداري لاتحاد الطلبة حيث كان الطلاب السوريون متوزعين على كافة المحافظات التركية التي يوجد فيها جامعات من "اسطنبول" غرباً وحتى "ديار بكر" شرقاً. فوضعت ضوابط لإعادة الطلاب واتصالهم بالسفارة السورية وقد نجحت في هذا إلى حدّ بعيد. أمّا بالنسبة للأمور الأخرى فقد قمت بزيارة معظم المناطق التركية، وتعرفت إلى هذا البلد جغرافياً واجتماعياً، فوجدت أنّ شريحة كبيرة من الجمهور التركي تكنّ الحب والاحترام للعرب وخاصة السوريين، ومن خلال هذه الجولات متنت علاقاتي مع الأتراك والعرب المقيمين هناك كشيوخ عشيرة "الجبور، الجيسات" ومازال البعض يتواصل معي حتى الآن».

يصافح رئيس الجمهورية التركية "كنعان أفرين"

السيد "نجم زيدان" الذي بدأ كما قال معلماً ثمّ مدرساً بعد حصوله على إجازة في الشريعة الإسلامية واللغة العربية /1972م/ ثمّ مديراً لثانوية "كفرنبل" حتى عام /1975م/ ومديراً لثانوية بنات "المعرة" حتى عام /1981م/ ندب إلى الخارجية السورية، وعين ملحقاً ثقافياً في السفارة السورية في تركية حتى عام /1987م/ حيث عاد إلى وطنه، ليصبح مديراً لإعدادية "حاس" ثم مديراً لثانويتها يقول: «طلبني وزير التربية لأعمل في الوزارة فاعتذرت لأن عائلتي المكونة من عشرة أبناء لا تسمح لي بالعيش في "دمشق" ففضلت أن أبقى في القرية، وبقيت حتى إحالتي إلى التقاعد عام /2002م/».

المعلّم والمدرس والسياسي ومن ثمّ الدبلوماسي السيد "نجم زيدان" لم يذع صيته في أيّ من المهن السابقة كما ذاع صيته اليوم كمحكّم ومصلح اجتماعي لفضّ الخصومات وحلّ النزاعات التي يعجز القضاء عن حلّها، فهو من بين مجموعة وجوه في منطقة "معرة النعمان" ذاع صيتها في هذا المجال فما من خلاف يحدث إلا ويُطلب منه أن يكون حاضراً لفضّه، ولماذا التحكيم الاجتماعي في ظلّ وجود القانون والمحاكم؟ هذا السؤال المشروع الذي سقناه إليه أجاب عنه بقوله: «اللجوء إلينا ليس كرهاً بالقضاء أو بالقانون ولكن بسبب الوقت الطويل الذي تستغرقه المحاكم عادة في الفصل بين المتخاصمين إضافة إلى أنّ مهمة القاضي تكمن في إصدار حكمه في المحكمة، وما تبقى من مُعقبات اجتماعية كلمّ الشمل ومتابعة عملية المصالحة وإعادة الأمور إلى طبيعتها قبل النزاع، ليست من مهمّة المحكمة وإنما هي مهمة المصلح والمحكّم الاجتماعي».

البعثة السورية في ضيافة وزير رئاسة الجمهورية ومدير التشريفات

وما هي الصفات التي يجب أن يتحلى بها المصلح؟

«أولها الذكاء، والاستقامة وعدم الانحياز، والبعد عن المغريات وخاصة المادية فالقصد من عملنا كسب مرضاة الله تعالى وثقة الناس بنا، وأيضاً عليه أن يكون مطلعاً على العادات والتقاليد التي تخصّ منطقة النزاع، إضافة إلى إلمامه بالأحكام الشرعية التي تساعده في عمله، وأن يتصف بالحلم وعدم الانتصار للذات وألا يفرق بين طبقة اجتماعية وأخرى أي ألا يعمل بمقياسين».

زيدان مع السفير السوري "عبد العزيز الرفاعي" والمستشار "توفيق سلوم"

وعن طبيعة عمل المحكّم قال "زيدان": «أولاً فريق العمل الذين يشكّلون مجموعة من المحكمين الاجتماعيين يجب أن يكونوا فريقاً واحداً وإن كان اختيارهم من قبل طرفي النزاع، (حيث يعيّن كل طرف أشخاصاً من قبله) ولكن ذلك لا يعني أبداً أن ننحاز إلى الطرف الذي طالبنا بأنّ نمثله، حيث نستمع لأقوال الطرفين بمعزل كلّ طرف عن الآخر ونناقشهم في أقوالهم، ثمّ يطلب إليهم أن يوقعوا على صكّ يسمى "صكّ تحكيم" ويذكر في هذا الصك أسماء طرفي الخلاف مفصلاً من البطاقة الشخصية، وأنهم اختاروا لجنة تحكيم مؤلفة من فلان وفلان راضين ملتزمين بما تقره وتجمع عليه مهما كانت النتيجة، ثمّ تجتمع اللجنة بعيداً عن طرفي النزاع وتناقش المسألة في ضوء المعطيات، وتحدد الهدف بعد مناقشة الأمور، حتى يتمّ التوصل إلى رأي واحد يدوّن تحت اسم قرار لجنة التحكيم ويوقّع من قبل كافة أعضاء اللجنة، ويعتبر في العرف الاجتماعي أنّ من المعيب أن ينسب أحد أعضاء اللجنة إلى نفسه موقفاً لصالح من كلّفه إذ يعتبر قرار اللجنة موقفاً لصالح قرار كلّ واحد فيها، وأيضاً من المعيب جداً أن يقبل أحد المحكّمين أيّ مبلغ مالي حتى لو كان هديةً بسيطة، ويعتبر قرار هذه اللجنة ملزماً للطرفين».

ما هي الأمور التي تستندون إليها في الحل؟

«أولاً الأثر المترتب على الخلاف، الوضع الاجتماعي، الوضع المالي، الوضع الرسمي ويقصد به إسقاط الحقوق الشخصية والدعاوى المقامة من قبل كلّ طرف على الطرف الآخر تحت مبدأ تقديم كل ما ينفع الطرف الأول على ألا يلحق ضرراً بالطرف الثاني، ويتم ذلك وفق استشارة قانونية من قبل محامي الطرفين».

ما هي أهم النزاعات التي ساهمت في حلّها؟

«لا أحبّ أن تسألني هذا السؤال لأنه مدعاة للغرور والفخر ونحن نعمل لوجه الله تعالى، لكني أستطيع أن أقول أنها وصلت العشرات سواء في محافظة "إدلب" أو في محافظات أخرى كـ"حماة" و"حلب" و"اللاذقية"».