هو ابراهيم بن سليمان هنانو، والدته خدوج ،ولد في كفرتخاريم عام /1869/ ترعرع وتلقى تعليمه الأول فيها ثم انتقل إلى حلب لدراسة الإعدادية والثانوية ثم سافر إلى اسطنبول

وحاز على شهادة الحقوق ،وعمل مدرساً ثم طلب وظيفة إدارية وعين مدير ناحية في ضواحي اسطنبول لمدة ثلاث سنوات ،ثم مديراً لناحية أندرين ثم قائم مقام بنواحي أرضروم لأربع سنوات ثم مستنطقاً في كفرتخاريم لثلاث سنوات ،ثم عضو مجلس إدارة في حلب لمدة أربع سنوات ثم موظفاً ورئيساً لديوان ولاية حلب لمدة سنتين.

تمت دعوته إلى المؤتمر السوري الأول المطالب باستقلال سورية، ممثلاً عن منطقة حارم فبايع فيصل على عرش سورية. وعند تلقيه خبر نزول القوات الفرنسية على الساحل السوري ترك المؤتمر وتوجه إلى حلب لإعلان ثورته .وكان اجتمع بأهالي بلدته خاطباً فيهم ((يا أهل كفرتخاريم يا أهلي إن الاستعمار الفرنسي المدجج بالسلاح يزحف نحوكم وإن أعراضكم وأموالكم وبلادكم في خطر. فإما أن تقاوموا وإما أن تستسلموا مثل الجبناء )) فهتف الناس: نموت دون ذلك .....

ثم توجه إلى مزرعته الكائنة في الست عاتكة التي تقع بين سلقين وحارم وأحرق الأثاث والآلات الزراعية معلناً ثورته قائلاً مقولته الشهيرة ((لا أريد أثاثاً في بلد مستعمر ...)).

و كما جاء في مذكراته: الطريق كانت شاقة وطويلة ومحفوفة بالأخطار ولكن القضية تحتاج لاستمرار الكفاح واستمرار الكفاح يحتاج إلى ركوب متن المغامرات لا سيما ونحن كل يوم في مغامرة لا ندري إلى أين تنتهي بنا ....

أما النائب العام و بعد اعتقال هنانو فقد قال: لو كان لابراهيم هنانو سبعة رؤوس بعدد جرائمه السبعة لطلبت إعدام رؤوسه السبعة ولكنه لا يملك إلا رأساً واحداً ،ويؤسفني أن أطلب إعدامه ليكون عبرة لغيره، أطلب ذلك بالرغم مما يحويه رأس هنانو من دراية واتزان...)).

و جاء رد المحامي عليه آنذاك حيث قال: ((لو كان هنانو من الأشقياء لما عُقدت معه هدنتان و لما اتفق معه على تبادل الأسرى ولما عرض عليه الكولونيل (( فوان )) أن يبقى رهينة لدى رجال هنانو ريثما تتم المقابلة بين الجنرال غوبو وبين هنانو، و قد كان من نبل أخلاق هنانو وسعة مروءته أن رفض ما عرض الكولونيل قائلاً: إنه واثق بالشرف العسكري الفرنسي ... إن هنانو قام بثورته مدفوعاً بعاطفة وطنية نبيلة ...)) .

و قد أصاب المجاهدون في إطلاقهم لقب الزعيم عليه، فهو يستحقه بجدارة وإن كان قد أطلق على نفسه اسم ((المتوكل على الله)).

واليوم وكل يوم حري بنا أن نتذكر ما سجله التاريخ من عرض لشخصيته وجهاده وعذابه وثوراته من أجل الحرية لتبقى ذكراه حية في نفوسنا جيلاً بعد جيل ... لم يكن هنانو مجاهداً فقط بل كان سياسياً نبعت سياسته من وهاد وجبال وسهوب ادلب والساحل وإنطاكية .كان دوبلوماسياً يقظاً يدرك أبعاد الأحداث .... وقد قال عنه الجنرال غوبو آنذاك: ((عندما قابلت ابراهيم هنانو شعرت كأنني أقابل جبلاً عنيداً وخصماً شريفاً وإنني أنحني إجلالاً لصمود هذا الرجل)). وإن شخصية هذا الزعيم العظيم كانت محط إعجاب الكثير من الفرنسيين والألمان والبلغار ...

تعرض الزعيم هنانو لعملية اغتيال عام 1932 في شهر أيلول حيث أقدم نيازي الكوسا على إطلاق النار عليه في كفرتخاريم فأصيب بقدمه ونقل إلى حلب للعلاج، أما الجاني فقد قبض عليه في إنطاكية وحكم بالسجن لعشر سنوات ثم أصدر المفوض السامي الفرنسي عفواً خاصاً عنه ...

و أخيراً وبعد مسيرة مضنية يدب المرض في جسد الزعيم ،حيث أصيب بمرض السل الرئوي عام 1934 وكان يلازمه منذ 1925 لكنه كان جباراً قوياً قاوم المرض وسافر في نفس العام إلى بحمدون في لبنان للاستفتاء وأمضى بقية حياته يصارع مرضه وبدأ جسده بالنحول إلى أن غادر الحياة صباح يوم الخميس 12/11/ 1935 في قرية ستي عاتكة بين حارم و سلقين ...

و كان آخر ما قاله: ((قولوا لإخواني الوطن بين أيديهم)) .

و أفل نجم الزعيم وغاب تاركاً في النفس لوعةً وأسىً ،فخراً واعتزازاً ،قوةً وصلابةً وعزة نفس لا تخضع ولا تلين لغير الحق ...

قضى هنانو وقلبه الكبير كله إيمان بمستقبل أمته الواعد، موقناً بأن روح الوطنية فيها لن تخمد جذوتها أبداً وأنها حتماً ستنال مبتغاها رغم كل محاولة لقتل هذه الروح.