الأستاذ عبد الكريم مشنوق بن إبراهيم مواليد مدينة إدلب عام 1946، يحمل إجازة في اللغة العربية وآدابها من جامعة حلب عام1973 قام بتدريس مادة اللغة العربية في إعداديات وثانويات محافظة إدلب لعدة سنوات.

ثم عين موظفاً لدى وزارة الثقافة في المركز الثقافي العربي بإدلب، حيث قام مع بعض زملائه بفهرسة وتصنيف المكتبة بعد أن اتبع عدة دورات تصنيف في مكتبة الأسد بدمشق.

عين رئيساً لمركز الفنون التشكيلية وبقي في هذا العمل لمدة 25 عاماً ،حيث أحيل على التقاعد عام 2006.

استهواه الكتاب منذ طفولته وكان يعجب كثيراً بالكتاب المجلد .ومنذ عام 1958 كان يشاهد رجلاً اسمه محمد رفيق مقلي وهو يعمل في مهنة تجليد الكتب بمعناها الواسع، ومهنة تجليد المصاحف التالفة في ذلك الوقت بالمعنى الضيق ،إذ كانت الكتب قليلة ونادرة إذا ما قيست بالوقت الحاضر .كان يقف لساعات طويلة أمام دكان هذا الرجل، ويلاحظه وهو يحبك ويجلد الكتاب ولكن بطرق بدائية جداً، فاستهوته هذه المهنة منذ نعومة أظفاره لأنها تعتمد على الفن والذوق بالدرجة الأولى .ويمكن القول وبكل ثقة :إن مهنة تجليد الكتب هي مهنة فنية ذوقية تعتمد على الحس الأصيل والذوق الرفيع.

ومنذ ذلك الوقت حدثته نفسه أن يقوم بأولى محاولاته لتجليد أول كتاب من كتبه، وكان ذلك حين كان طالبا في المرحلة الابتدائية، ولم تنقطع هذه المحاولات إلى أن جاء عام 1975 حيث ذهب إلى دمشق وبقي فيها لمدة سنتين يتردد على أماكن تجليد الكتب حتى تبلورت الفكرة واختمرت التجربة ،فقام بتجليد أول كتاب بالمعنى الدقيق لكلمة تجليد عام 1976 وكان بعنوان (المرجع في اللغة العربية- نحوها وصرفها) في ذلك اليوم استعار حروف العنوان واسم المؤلف واسمه، ومازال يحتفظ بهذا الكتاب على وضعه الراهن، منذ ذلك الوقت.

منذ أواخر عام 1976 بدأ بهذه المهنة بشكل جدي حيث صنّع بعض الأدوات واقتنى بعض المستلزمات الضرورية للعمل في هذه المهنة.

وحول سؤاله عن المراحل التي يمر بها تجليد الكتاب قال:

يمر الكتاب بمراحل عدة حتى يخرج إلى النور بشكله الأنيق:

أولى هذه المراحل: تنظيف كعبية الكتاب مما علق به من غراء حيناًً ونشاء أحياناً ثم كي الأوراق القديمة.

وثاني هذه المراحل: حبكه إذا كان يتألف من كراسات ومن ثم لصقه إذا كان أوراقا متناثرة، ثم نقوم بقصه.

وثالث هذه المراحل: تحديبه لأن عملية تحديب الكتاب تسهّل عملية المطالعة والدراسة فيه. أما إذا لم يحدب فتحدث عملية تحديب عكسية، نتيجة استعماله ،وهذه عملية مضرة جداً بالكتاب.

ورابع هذه المراحل: وضع الكرتون المناسب وتغليفه ثم لصقه وكتابته.

إن هذه المراحل الأربع مختصرة جداً في عملية التجليد لأنها تأخذ وقتاً طويلاً، ثم هناك مراحل متعددة ضمن المرحلة الواحدة، وبعد الانتهاء من هذه المراحل يخرج الكتاب إلى الوجود جاهزاً لاستعماله. طبعاً كل ذلك يتم يدوياً بشكل فنيٍّ وذوقيٍّ ،وإذا لم يمتلك المجَلِّد هاتين الخاصتين الفنية والذوقية لا يمكن له أن يجلد كتاباً بالمعنى الدقيق لكلمة التجليد.

أما عن الصعوبات التي تعترض هذه المهنة فقال:

إنها ندرة الأيدي العاملة في هذا المجال والكادر المؤهل فنياً، فليس بمقدور أي إنسان أن يقوم بهذا العمل دون أن يكون لديه إلمام كافٍ بهذه المهنة والمعرفة بأدق تفاصيلها ليُعمل بها حرفيته وذوقه ،فيجب عليه أن يحب حرفته حتى يبدع فيها وإلا فلن يستطيع أن يقدم لها شيئاً يذكر، كما يجب أن يتعامل مع أدواته برفق وأناة وذوق وفن.

أما عن بداية هذه المهنة عبر التاريخ فقال:

ليس بين أيدينا وثيقة يمكن الركون إليها ،تثبت بداية تجليد الكتب فنيأً، ولكن مما لا شك فيه أن التجليد لا يكون إلا للورق ذي الصفحات المتساوية تقريبا. ويحدثنا التاريخ أن قدماء المصريين كتبوا على ورق البردي منذ حوالي 4000 عام، ولكن ورق البردي هذا غير قابل للتجليد، وإن أول من اخترع الورق من لحاء الشجر هم قدماء الصينيين حوالي عام 105 للميلاد عن طريق رجل اسمه (تساي لون) .وبعد عقود مديدة سافر الصينيون غرباً إلى سمرقند حيث كان هناك العرب، فأخذوا هذا الورق البدائي ونقلوه إلى إسبانيا. ومن هناك انتشرت صناعة الورق بشكل صفائح، وبعدها تواصلت عملية تطوير صناعة الورق.

ولكن مما لا شك فيه أن العرب في العصور الوسطى ،كان لديهم ورق بالمعنى الحديث يكتبون عليه الرسائل الديوانية .ويحدثنا القلقشندي في كتابه (صبح الأعشى في صناعة الانشا) عن الوراقين والمجلدين ،حيث كانت الكتب منتشرة ومجلدة ومذهبة .أما أغلفتها فقد كانت من جلود الماعز والغزال ثم تطورت هذه الجلود إلى جلود صناعية مصنوعة من القماش ومطلية بطبقة مطاطية بشكل أنيق ،ثم تطورت إلى ورقية مطلية بالمطاط، وهذا ما عليه الحال اليوم. أما ما يقال اليوم من أن الوسائل الإلكترونية الحديثة قد ساهمت بالتقليل من قيمة الكتاب واقتنائه ،فهذه مقولة خاطئة بل العكس هو الصحيح ، حيث ساهمت هذه الوسائل بانتشار الكتب انتشاراً واسعاً. وأكبر مثال على ذلك، أن الوسائل الحديثة مثل الإنترنت فإنها تبسط وتكتب المادة فيأتي من ينسخ هذه المواد إلى كتب تتباهى بها مكتباتنا ومكتبات العالم، أما ما ينتظر الكتاب في المستقبل فيقول:

(الكتاب خير جليس) وأنت عندما تحتضن الكتاب كما تحتضن طفلك، وتقرأ فيه وتدون ملاحظاتك على حواشيه، غير ما تقرأ على شاشة الحاسوب، فتتأثر العيون بالإشعاعات الصادرة ويبقى جسمك منهكاً نتيجة لجلوسك أمام الحاسب جلسة معينة لا تستطيع تغييرها ،ما يؤدي إلى مصاعب لا تحمد عقباها، بينما تستطيع القراءة من الكتاب في أية وضعية تشاء، وهذا ما يقودنا إلى أن الكتاب رفيقك وسميرك في حلّك وترحالك ،فأنت تقرأ فيه جالساً مستلقياً، ماشياً ساكناً في أية وضعية تشاء .من هنا نقول مطمئنين: إن الوسائل الحديثة وتقنيات العلم الحديثة ساهمت ،وستظل تساهم في انتشار الكتاب .وما دمت تستعمل هذه الوسيلة الثقافية فلا بد لك من أن تحافظ عليها من خلال تجليدها وصيانتها من آن لآخر. لذلك لا أستطيع أن أصف شعوري وإحساسي بعد أن يخرج الكتاب من بين يدي، مجلّداً أنيقاً جميلاً كأنه طفل ترعرع على حب الخير والجمال .هكذا أنظر للكتاب. وفي النهاية لابد لي من أن أعترض على مقولة تتردد كثيراً على السنة البعض من القراء تقول: إن تجليد الكتاب ما هو إلا نوع من أنواع الترف الثقافي .وأنا أقول :إن تجليد الكتاب حاجة ملحة تقتضيها حاجة الباحث والدارس ،لأن الكتاب يتلف نتيجة لملامسة الأيدي المستمرة لصفحات الكتاب ،ولاسيما الأولى منه عند حمله أو سحبه من رف المكتبة. والقطعة الزائدة من الجلد كفيلة بحمايته من الملامسة المباشرة لأوراقه ،وبالتالي فإن جلد الكتاب يحول دون تلفه.