بدأ اهتمامه بالبحث والتحقيق وخاصة فيما يتعلق بالجانب الطبي عام /1988/م ،عندما قدم محاضرة حول الزكام التحسسي لأبي بكر الرازي، وكانت بتوجيه من الأستاذ سلمان قطايا.

قدمها في عمان في المؤتمر الأول لأطباء الأذن والأنف والحنجرة ،في المركز الملكي بعمان، وكان المؤتمر يضم أطباء عرباً وأجانب من دول مختلفة، وتم تكريمه من قبل جمعية أطباء الأنف والأذن والحنجرة.

بعد المؤتمر أسره موضوع البحث في التراث الطبي العربي الإسلامي، فكتب عدة مقالات منها (مقالة قصطا بن لوقا في الاحتراس من النزلة)، والتي يثبت فيها أن المادة المحسسة في الورد ،هي في الأقماع وليس في أوراق الورد .ونشرها في مجلة التراث في الإمارات العربية المتحدة.

كما كان له مقالة أخرى، لكن هذه المرة حول الضجيج وتلوث البيئة ،نشرت في المجلة الطبية العربية.

ثم تحول وقرر أن يخوض معركة التحقيق ،أي تحقيق المخطوطات الطبية للأطباء العرب، بتوجيه الأستاذ سلمان قطايا في مجال التحقيق، وهو أستاذه في طب الأذن والأنف والحنجرة، وتردد على معهد التراث العلمي العربي بحلب ليتعلم أصول تحقيق المخطوطات، فكان المرحوم د. كمال شحادة من المشجعين له في هذا المجال، ونسبه للجمعية السورية لتاريخ العلوم، ثم د. مصطفى موالدي أستاذ تحقيق المخطوطات العلمية في معهد التراث، وبدأ سنة /2000/م بتحقيق أول كتاب: (المغني في تدبير الأمراض ومعرفة العلل والأعراض) للطبيب العربي سعيد بن هبة الله البغدادي.

استمر العمل حوالي ثلاث سنوات ونصف السنة، وانتهى بمجلدين ،وهو الآن قيد النشر في دار البارودي في بيروت، والكتاب عبارة عن كتاب تعليمي طبي يحتوي على مئتي مرض ومرض، وأمراض مشابهة، وضعه المؤلف ضمن جداول تضم اسم المرض وأسبابه وأعراضه وعلاجه .وله كتب أخرى قام بتحقيقها وهي (الطب الملوكي لأبي بكر الرازي– نزهة الاذهان في إصلاح الأبدان لداوود الأنطاكي– والزهراوي في الطب لعمل الجراحين لأبي القاسم خلف بن عباس الزهراوي).

2- ما الشروط التي يفترض أن تتوافر بالباحث والمحقق ليقدم شيئاً مهماً لتحقيق التراث؟

" الدقة والجدية وعدم إهمال أي كلمة دون أن نتوصل إلى مضمونها. ثم الاختصاص،فالمخطوطات الطبية يحب أن يحققها طبيب عربي. ثم الهدف من التحقيق ،هو الوصول إلى نص أقرب ما يكون إلى نص المؤلف، فهذه النسخ مقابلتها مع بعض لترميم النقص، وبين النسخ وتصحيح الأخطاء بين تلك النسخ ومن ثم إيداع نسخة جاهزة للطبع والنشر لتكون بين أيدي القراء سهلة المتناول والفهم بعد شرح الغامض من المفردات التي كانت قديما ،وتقريبها إلى مصطلحات الطب المعاصر. مثلاً كلمة السورسام هي حاليا تعني التهاب السحايا أو التهاب الدماغ، وهي فارسية الأصل".

3- هل هناك دور لمهنتك في اختيار هذا الجانب في تحقيق الكتب والمحفوظات؟

" أنا كطبيب لا استطيع أن أحقق كتابا في الأدب أو في الفلك ،ولكن استطيع أن أحقق كتابا في الطب، وقد طلب مني أن أحقق مقالة عن علم الجوارح فرفضت، لكون الحقل والمجال ليس مجالي".

4- ما منهجك العلمي في تحقيق أي كتاب ترغب العمل عليه؟

" أولا- الحصول على أكبر عدد من النسخ الخطية من المخطوط المراد تحقيقه، ثم نبدأ بأقدم مخطوط تاريخياً ونعتمده كأساس، ونبدأ بنقله على الورق أو الحاسوب، ثم نقابل ما استطعنا من النسخ على هذه النسخة ،كلما استطعت مقابلة نسخ أكثر كان العمل أدق. وهذه المرحلة تسمى التحقيق اللغوي، بعد ذلك تأتي مرحلة التحقيق العلمي .ويتضمن شرح المرادفات الغامضة ومقابلة ما نستطيع مقابلته وإسقاطه على الأفكار الطبية الواردة في متن المخطوط، وتقريبها قدر الأمكان ،إلى طبنا المعاصر، والشيء المهم أيضا الإشارة إلى ما اكتشفه العرب من ابتكارات في الطب، ونسبت الى غيرهم .ويشهد على ذلك ما قدمه علماؤنا للحضارة الإنسانية ،بالإضافة إلى توزع المخطوطات العربية في كافة المكتبات في العالم".

5- إذا كانت مكتبات العالم تزخر بتراثنا الأدبي والفكري،فبرأيك ،ما الطريق الأمثل لتعريف القارئ العربي على هذا الكم الهائل من المخطوطات؟

" الذي يعرف الطريق الامثل هو الباحث والمحقق في هذا التراث. مثلاً إذا أجرينا بحثا حول الطبيب العربي الإدلبي الفوعي الملد داوود الأنطاكي ،وأحصينا مؤلفاته وتوزع نسخها الخطية على مكتبات العالم، نرى أنها موزعة بين دمشق وعمان والقاهرة وتونس وألمانيا وإنكلترا وأميركا وفرنسا وغيرها من الدول، ويمكن تعريف القارئ العربي بهذا الكم الهائل من المخطوطات بتحقيقها وطباعتها وجعلها في متناول يده".

6- هل العمل الفردي في تحقيق كتب التراث، مجد وكاف لإظهار الوجه الحضاري لهذه الأمة؟

" أنا من جانبي أحاول أن أظهر الوجه المشرق للأمة العربية ،بما أستطيع من تحقيق لجزء من هذا التراث والمتعلق باختصاصي .ولا بد من الاستعانة بذوي الخبرة والاختصاص، وكل في مجاله.

7- هناك سؤال إشكالي قد يطرح في هذا المجال، وهو ما الجدوى العلمية والفكرية من تحقيق كتاب يعود تاريخ أفكاره لمئات السنين، في زمن صارت فيه الاكتشافات العلمية مذهلة في تسارعها؟

" نحن مطالبون بإظهار الوجه الحضاري لأمتنا وعلمائنا، ولا يظهر هذا الدور إلا من خلال تعريف الأجيال الحالية بما قدمه الاجداد .هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى، فان الكثير من المكتشفات الطبية التي نسبت الى علماء غربيين ،هي بالأصل لعلمائنا العرب. مثلا وضعية تراندي لانبرغ وهي وضعية المريض في حالة احتياجه لعمل جراحي في منطقة الحوض ،حيث يكون النصف السفلي للجسم بوضع أعلى من النصف العلوي. وهذه الوضعية أول من أوصى بها في العمليات الجراحية، هو العالم العربي الزهراوي.

كثير من المعالجات ما زلنا نستخدمها حتى وقتنا الحاضر، مثل التبخيرة في معالجة التهاب الجيوب. وأول من أوصى بها أبو بكر الرازي. ثم كثير من المعالجات أصبحنا نستخدمها حديثا ،ولم نكن نعلم أن الأطباء العرب قد استخدموها قديما.وبالعودة الى كتاب الزهراوي في الطب لعمل الجراحين وهو من تحقيقنا ،نرى أنه أوصى في زمنه بوضع أنبوب الرصاص أو ريش الأوز، وحوله قطعة من الكتان بأحد المراهم".

8 - أنت موسيقي أيضا، وعازف مجيد على آلة العود .هل لك إسهامات في هذا الجانب على صعيد التحقيق؟

" لا. ولكن أرغب في أن أجمع موضوعا ما بين اختصاصي الطبي والموسيقي".