"أقيم حفل رسمي وشعبي حين وفاته، والكلام للباحث (فايز قوصرة) الذي تابع قائلاً: وبعد انقضاء أربعين يوماً على وفاته أُرسلت هذه البرقية "من إدلب هاتف رقم (307) إلى قيادة درك محافظة حلب..أقيم حفل تأبين للمجاهد (مصطفى الحاج حسين) من أهالي إحسم بمناسبة 40 يوم على وفاته بحديقة المنشية بإدلب مساء /24/آب/1952م/ واجتمعت وفود كثيرة من المنطقة، وحضرها إحسان الجابري من حلب، وعصام محايري من دمشق. تفضلوا بالاطلاع.

" بعض الجيران، وكثير من الأحفاد كانوا يحيطون بنا، ونحن نتجول داخل منزل المجاهد الكبير أثناء زيارتنا له في بلدته احسم التي تقع على مسافة تزيد عن العشرين كيلومتر شمال غرب معرة النعمان، وما يقارب العشر كيلومترات جنوب أريحا.

والمجاهد (مصطفى الحاج حسين) من مواليد عام /1881م/ بلدة احسم توفي ودفن فيها /1952م/ قال حفيده الحاج (كمال حاج حسين) لموقعنا "إنّ جدي كان يرفض مهادنة الفرنسيين أو مساومتهم، ولم يقبل منهم إلا الجلاء عن بلاده، لقد كان أحد أهم أركان ثورة هنانو، حيث تسلم قيادة قطاع جبل الزاوية، وكان بإمرته عدد من المجاهدين يقارب عددهم (300)، وانضم إليهم المزيد، ليصل العدد فيما بعد إلى (1500مجاهد) أذاقوا الفرنسيين مرار الهزيمة في أكثر من معركة. وقد أورد العميد المتقاعد عبد الرحمن الحوراني في مقدمته للكتاب الذي وضعه كل من عبد اللطيف ممدوح أفضيل، والمحامي فاخر عبد الرزاق أفضيل عن المجاهد مصطفى حاج حسين، ما قاله القادة الفرنسيون آنذاك: إنّ ثورة الشمال التي اندلعت بقيادة ابراهيم هنانو، وثورة المدعو مصطفى حاج حسين ونجيب عويد وغيرهم، جعلتنا نفقد كثيراً من مكتسباتنا، فقد أجبرتنا ثوراتهم المحلية في مناطقهم في ترك كيليكية، والتي هي الثدي الطبيعي لتغذية مواردنا". لقد كان النصر دائماً حليف المجاهدين لأنهم أصحاب حق، وأصحاب قضية، فمن المعارك التي قادها جدي، والكلام للحاج كمال حاج حسين، ضد الفرنسيين الإغارة على إنطاكية حيث تسلل المجاهدون ليلاً إلى السجن، وكانت مغامرة بالنسبة لهم لكثرة عدد جنود الفرنسيين، وقلة عدد المجاهدين، حيث تم إطلاق سراح الأسرى والعودة بسلام، وفي طريق عودتهم إلى جبل الزاوية، وعند وصولهم مشارف جسر الشغور، كانت معركة حامية بين فئة من الثوار لم يعرفوا أحداً منهم كما يروي ذلك أحدهم، فشاركوهم المعركة كيف لا والعدو واحد؟، وامتد القتال أكثر من خمس ساعات حيث خمدت بعدها بنادق الفرنسيين، واتجه الثوار ليدخلوا بعدها جسر الشغور، وتابع البقية طريقهم إلى جبل الزاوية، وحين وصولهم مشارف القنية من خلال الجبل الذي يلفها من الغرب التقى الثوار ببعض سكانها، فعلموا منهم أنّ قوة فرنسية متوسطة العدد قد دخلتها منذ أيام واتخذتها مقراً لها، وراحت تقنع السكان أنها جاءت لحمايتهم كونهم مسيحيين، ومن ناحية أخرى تمارس عليهم الاحتلال تحت هذا الستار، ورغم التعب الذي كان المجاهدون يعانون منه إلا أنهم آثروا النزال على ترك القنية تحت رحمة الفرنسيين فانتظروا حتى حلّ الظلام بعد أن أرسلوا أحدهم مع الأهالي ليستكشف البلدة وأماكن توضع جنود الاحتلال، وأغاروا عليهم بعد أن طوّقوا المكان، فأسروا جميع جنود الحامية الفرنسية وأخذوا سلاحهم. الهجوم على سجن معرة النعمان وتحرير الأسرى أيضاً من المعارك التي تحدث عنها الحاج كمال، وكذلك تحرير أورم الجوز، ومن المعارك الكبرى التي قادها (أبو الحجي)، وهي تسمية كانت تطلق على المجاهد مصطفى حاج حسين معركة، إدلب ومعركة دير لوزة، و(معركة ترعان)، والأخيرة أسماها المجاهدون أم المعارك، حيث توضع المجاهدون في أعلى قمم قرية سرجة، ومن خلفهم كانت النسوة والصبية ينقلون الماء والذخيرة للمجاهدين، ولأن عدد الفرنسيين كان كبيرا جدا فقد وجد المجاهدون ألا سبيل للقضاء عليهم إلا بتفجير ذخيرتهم، والتي وضعوها في الوادي فتصدى للمهمة المجاهد مصطفى محلول من احسم، حيث تسلل على مقربة من تلك الذخيرة، وقذف فوقها قنبلة ليشعل الوادي وكأن بركاناً حلّ بالمنطقة، فملأ قلب العدو بالخوف والرعب، ثمّ هدأ كلّ شيء، وقد بلغ عدد شهداء هذه المعركة (43شهيداً) أما عدد قتلى الفرنسيين فقد وصل إلى أربعة آلاف قتيل إضافة إلى عدد كبير من الجرحى جاوزوا الثلاثمائة جريح، ويذكر أحد المجاهدين أن الشهيد أحمد العموري غنى قبل شهادته:

القائد الخالد حافظ الأسد مع نجل المجاهد مصطفى حاج حسين

ع ترعان شدينا بثبات وشباب تنطح الهيجا بثبات"

وعندي ع الكلام شهود أبو صالح ما تزيحه طواب"

الحاج كمال حفيد المجاهد مصطفى حاج حسين

المجاهد مصطفى الحاج حسين بطل منطقة جبل الزاوية، وقائد ثورتها أبى أن يقبل إغراءات الفرنسيين وعروضهم، ورفض أن يهادن رغم وعود الفرنسيين بأن تكون حاكمية جبل الزاوية طوع بنانه، وقد حكم عليه بالاعدام غيابياً وصودرت أملاكه ونهبت بيوته، ثم أحرقت تشفياً حين دخل الفرنسيون احسم، ولما انتهت ثورته اضطر إلى النزوح إلى تركيا مع عائلته وأصدقائه من المجاهدين، وفي العهد الوطني صدر العفو عنهم (1937م) فعاد إلى مسقط رأسه احسم، ليجد عقاراته خرائب دارسة، وقدّرت الحكومة جهاده، وما حلّ به من نكبات مادية، فخصص له المجلس النيابي السوري رابتاً شهرياً قدره (300ل.س)، ليستعين بها على تأمين عيشه، بعد أن فقد كل ما يملك من مال وعقار في سبيل جهاده. عند عودته من المنفى كان في مقدمة مستقبليه المناضل سعد الجابري والكلام لحفيده فطلب منه بعد عناق طويل أن يقبل جبينه حيث قال له: كنت أتمنى أن ألتقيك وأنت على رأس المجاهدين، لما سمعته عنك وعن رفاقك في جبل الأبطال، واسمح لي أن أقبل جبينك الذي لاينحني إلا لخالقه.