في أرض كانت تمور بالثورة وتنجب الرجال الذين غيروا مسار المجتمع والحياة السياسية والفكرية والنضالية في الشمال السوري، من بلد الزعيم "إبراهيم هنانو" الذي سطر هو ورفاقه ملاحم البطولة والفداء. من بلدة "كفر تخاريم" انطلقت حركة فنية إبداعية تجلت بتشكيل النوادي الثقافية، والفنية، والمسرحية مثل نادي "الثريا" ونادي "الطليعة".

ومن المؤسسين الأوائل لتلك النوادي الأستاذ "فوزي كيالي" الأديب والوزير السابق. والفنان التشكيلي "جميل كيالي" و"عبد الصمد كيالي" بالإضافة إلى عدد من المثقفين من أهل "كفر تخاريم" وكان لهذه الكوكبة من رجال الفن والأدب الدور الموازي في تنوير، وتثوير المجتمع كما قامت ثورة "إبراهيم هنانو" على صعيد النضال والتحرير. ومن أهم نتائج هذه الحركة الثقافية إصدار نادي "الثريا" لمجلة أدبية اسمها "الزهراء" وتناول فيها كتابها جميع الأجناس الأدبية وعلى رأسها المسرح، و أول عمل مسرحي انطلق من "كفر تخاريم" عام 1928 كان بعنوان "السموءل" حيث التأليف والإخراج جماعيا في كثير من الأحيان، وعندما انتقل الأستاذ "عبد الصمد كيالي" إلى "جسر الشغور" للتدريس فيها نقل معه بذرة المسرح وحب هذا الفن إلى تلك المنطقة.

كنت طالباً في جسر الشغور في أوائل الأربعينيات، وفي نهاية العام الدراسي قدم الأستاذ "عبد الصمد كيالي" العضو في نادي الثريا مسرحية بعنوان "العفو عند المقدرة" من إخراجه فلفتت نظري تلك المشاهد، وعندما عدت إلى البيت، وكان عندنا طاولة خشبية اعتبرتها مسرحا، ووضعت أمامها شاشة وعدت أمثل هذه المسرحية بكل أدوارها، وكنت الممثل والمشاهد

وفي حديث مطول مع الأستاذ "أحمد مروان فنري" امتد على عدة جلسات، وفي أماكن مختلفة كان الحديث عن بدايات المسرح في إدلب وكيف تشكل، وأهم الفرق التي تكونت وأهم الممثلين والمخرجين، والكتاب الذين قدمت أعمالهم والأماكن التي كانت خشبات العرض، وأهم العروض في مجتمع تقليدي يتمتع بتفكير خاص وبنظرة ملؤها الشك والريبة تجاه هذا الفن، وتجاه من يعمل فيه فكانت تلاحقهم متاعب هذه النظرة، وفي كثير من الأحيان كان يتعرض المخرج والممثلين لمضايقات بعض الشخصيات في المجتمع الإدلبي، فوصلت في بعض الأحيان إلى إيقاف المسرحية وإغلاق المسرح.

الأستاذ "جميل كيالي" من رواد المسرح في إدلب

وحول أول مسرحية شاهدها، وأول مسرحية قام بإخراجها قال: «كنت طالباً في جسر الشغور في أوائل الأربعينيات، وفي نهاية العام الدراسي قدم الأستاذ "عبد الصمد كيالي" العضو في نادي الثريا مسرحية بعنوان "العفو عند المقدرة" من إخراجه فلفتت نظري تلك المشاهد، وعندما عدت إلى البيت، وكان عندنا طاولة خشبية اعتبرتها مسرحا، ووضعت أمامها شاشة وعدت أمثل هذه المسرحية بكل أدوارها، وكنت الممثل والمشاهد».

ويتابع حديثه عند انتقاله إلى إدلب فيقول: «وعندما انتقلت إلى ثانوية المتنبي كان المدير "جميل كيالي" فاختار عناصر لتمثيل مسرحية "البخيل" لموليير وكان دوري في المسرحية شخصية "هانسل" مثلت هذه المسرحية على مسرح المتنبي لمدة أسبوع كامل، وكان مساعده في الإخراج الأستاذ "فوزي كيالي" وصانع الديكور، وعامل المكياج المعلم "جميل كيالي" وكانت المسرحية الثانية بعنوان "آباء وأبناء" هذه المسرحية تأليف "فوزي كيالي" وكتب فيها عن المرابين في إدلب وكان عددهم كبيراً بنتيجة جفاف الزيتون وقدم دعوات خاصة لكل هؤلاء المرابين وبعد العرض الأول هُوجم "فوزي كيالي" والفرقة المسرحية وثانوية المتنبي هجوماً صاعقاً وصلت إلى حد التهديد.

الوزير السابق"فوزي كيالي"

وفي المرحلة التالية شكلنا فرقة من مجموعة رواد المسرح منهم "نهاد زغل- نظمي عبد العزيز- صلاح بطل- حسان كيالي- وفاء فنري- سالم بركات" هذه الفرقة كانت تقدم عروضها على ظهر أحد المقاهي وهي سينما صيفية في "ساحة البازار" قدمت مسرحيتين مع بعض، الأولى كوميدية باللهجة العامية "مطلوب مغني" والثانية جادة، وكانت العروض لمدة خمسة أيام، وبنتيجة ذلك نال كل واحد من أعضاء الفرقة 6,25 ليرات وكانت من إخراج "نظمي عبد العزيز" وكنت مع المجموعة ونتيجة لذلك حصلنا على ترخيص لنادي باسم "نادي قبية المسرحي". من مؤسسيه "الصحفي عبد الله الشيشي- ظافر دويدري- حسن دويدري- نظمي عبد العزيز- صلاح بطل- محمد أبو زيد- هشام حكم- مروان فنري". في كل شهر كنا نقوم بعمل مسرحي تسمى "حفلة سمر" والدخول مجاني في صالة لا تتسع سوى لـ 30 شخصاً، وفي مسرح 1,5×2,5 وموقع النادي تحت مصرف التسليف الشعبي في شارع الجلاء في بناية الحكيم. قدمنا من أهم الأعمال "فجر الحرية" وهي قصة أجنبية من تأليف "رفائيل سباتيني" وقمت بإعدادها وإخراجها نظراً لوجود 16 شخصية فيها اضطررنا إلى استئجار سينما "أوغاريت" الموجودة في ساحة البازار وكان كل ممثل مسؤول عن إحضار ألبسته بالشكل الملائم، والدخول بـ25 قرشاً.

وكنا ثلاثة أساسيين: "مروان فنري- ونظمي عبد العزيز- وصلاح بطل" وهو أول عمل قمت بإخراجه. شارك فيه "نجاح قباني" في دور المرأة و"ماجد فنري" 1952، كان بعنوان "امرأة الشيطان" وقدمنا مسرحية بعنوان "بطولات من فلسطين" تأليف "نظمي" والإخراج لـ"مروان" والبطولة لـ"مروان وسامح نعسان آغا وموفق فنري وغسان كيالي" على مسرح أوغاريت كانت عرضت المسرحية لمدة 3 أيام الصالة ممتلئة ولكن أيجار الصالة هو الذي امتصَّ هذا الدخل. والعمل الثالث على مسرح أوغاريت مسرحية لـ"غالب عياش" النائب السابق وهي بعنوان "البعث"».

الفنان "نظمي عبد العزيز"

ويتابع الحديث عن مرحلة الخمسينات قائلا: «كنت أنا ونظمي عبد العزيز نسمع قصصاً من الناس هي لقطات سلبية وكنا نعمل على تأليف جماعي بالعامية والفصحى سميناها "سالم وسليم" قدمنا منها ست أو سبع مسرحيات عبارة عن سلبيات من المجتمع، وأحد الأشخاص الذين كنا نتحدث عنهم حضر المسرحية التي تتكلم عنه فانسحب من المسرحية وأحضر معه عدداً من أقاربه وأرادهم أن يعتدوا علينا ويضربونا، وهذه دلالة على أننا وصلنا إلى تشخيص المرض في المجتمع».

ويضيف متابعا عن تلك المرحلة من خلال رصد آفات المجتمع وسلبياته من خلال المسرح الذي يستطيع الفنان أن يقدم عليه ما يريد: «كانت هذه الأعمال تقدم في نادي "قبية" و"مسرح المتنبي" والإخراج ل"مروان فنري ونظمي عبد العزيز". ومعنا بعض أعضاء النادي وتكون مثلاً ربع ساعة نتحدث عن الجيران والمشاحنات فيما بينهم أو نقدم شخصية لشخص تقليدي وطريقة معاملته مع ابنه المثقف أو نتحدث عن شخص تقليدي يهاجم الشباب الذين يلبسون البلوزة الحرير، وعن الربا والبخل، وهي من الكوميديا السوداء الضاحكة، في الساعة الواحدة كنا نقدم عملين وكل عمل يختلف عن الآخر من حيث الموضوع والشخصيات التي تمثله».

صورة لبعض أعضاء الفرقة عام 1952

ومن الجدير بالذكر أن في هذه المرحلة من عمر المسرح الإدلبي، والتي امتدت من عشرينيات القرن العشرين حتى الخمسينيات منه، نستطيع أن نعتبر هذه المرحلة هي مرحلة التأسيس للمرحلة القادمة والتي سنتحدث عنها تباعا بكل أبعادها ومكوناتها من حيث المسرحيات التي قدمت والممثلين المشاركين، وتطور الحركة الفنية في المراحل التالية، أو تراجعها. ومن باب الأمانة الأدبية نذكر أننا اعتمدنا عل أرشيف المخرج الأستاذ "مروان فنري" في استخدام الصور للشخصيات، وللمسرحيات التي تحدث عنها والتي سيتحدث عنها لاحقا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مشهد من مسرحية "امرأة الشيطان"