ارتأت اللجنة العليا المنظمة لمهرجان "المعري" الثاني عشر الُمقام في "معرة النعمان" في أيام 9/10/11 من آب، تنظيم جلسات المهرجان الثقافية على طريقة الثلاث جلسات يومياً عدا اليوم الأول جلسة واحدة، فكانت جلسة بعد الإفتتاح، وأن تضم الجلسة الواحدة رئيس و/ثلاثة/ محاضرين.

موقع eIdleb المتواجد الدائم ضمن الفعاليات رصد بعض المحاور التي تناولها ضيوف المهرجان المُحاضرين، وبدايةً من اليوم الأول مع الأستاذ "فايز القيسي" من الأردن الذي تناول موقف الأندلسيين من الأنماط الثقافية النثرية لـ "أبي العلاء"، والبحث الذي تحدث به قائلاً هو: «يقوم هذا البحث بالاعتماد على كتاب (إحكام صنعة الكلام) لـ "أبي القاسم الكلاعي" وذلك في مرحلة ظهر فيها تأثير مدرسة "أبي العلاء المعري" النثرية التي أسهمت في في تطور النثر العربي والأندلسي، وقد أشار مؤرخي الأدب الأندلسي إلى أن مؤلفات "أبي العلاء" لاقت في أواخر القرن /الخامس عشر/ رواجاً كبيراً في الأندلس، كشف عن فهم "أبي العلاء" والإشتغال بأدبه على يد "أبي القاسم" الذي قدم في كتابه صورة للمعري، وهذا القول يشير إلى أن الأندلسيين كانوا قد انتهوا إلى أن "أبي العلاء" قد أظهر تفوقه في مجال النثر لا الشعر لأن "المتنبي" قد سبقه في "القريض" فانفرد هو دونه بإعجاب الأندلسيين في الكتابة الفنية الراقية والأساليب النثرية الرفيعة، ويكشف البحث أن الأندلسيين عارضوا /5/ أعمال نثرية لأبي العلاء ومنها "السجع السلطاني" و"الصاهل والشاحج" و"خطبة الفصيح"».

لقد استطاع العقل الذي اتخذه "المعري" هادياً وإماماً أن يقوده إلى الإحساس التراجيدي القاتل حتى أنه كان على كتفيه أثقل من الصخرة العظيمة على كتفي سيزيف فتحولت حياته إلى جحيم خالص ولم يكن إزاءه من حل سوى الموت العدمي لمن جاء إلى هذا الجحيم وإنقاذ البشرية من مهزلة الحياة بإيقاف عجلة الإنجاب البشري

أبرز ضيوف "مهرجان أبي العلاء" وهو المفكر الأدبي الهندي "ثناء الله الندوي" تناول في اليوم الأول أيضاً إشكاليات التأصيل والتواصل في مواقف "أبي العلاء" المعري الفلسفية والثيوصوفية، شارحاً فكرته بالقول: «النبوغ المهيكل بشخص شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء وأشهر النباتيين العرب أبي العلاء المعري من أروع ما وجده الأدب العالمي في تاريخ الثقافة العربية ما بعد الإسلام، والمواقف الفلسفية المتجلية بظلالها وأضوائها في "اللزوميات" و"سقط الزند" و"رسالة الغفران" و"رسالة الملائكة" وهي تسري بقارئ الأدب العالمي في ملكوت الكلمة والوجود و (العدم) وبواطن النفس والعقيدة، والمتأني في شعر "المعري" يسبح في في عالم مكتظ بالرؤى الفلسفية والثيوصوفية، ويتبصر منطلقاً ديالكتيكياً مفعماً بروح المساءلة والتشكيك الموصل إلى اليقين في أساسيات عقدية وعلمية، فأبيات لأبي العلاء مثل (غير مجحد في ملتي واعتقادي) وأمثاله من الأبيات لم يستطع أن يأتي بمثلها إلا ثلةٌ من الأولين وقليلٌ من الآخرين ممن جابوا في أقطار الأنفس وتقمصت رؤياهم (الفتوحات المكية) أو (الكوميديا الإلهية) أو تجارب " توريا أوستها" في الغنوص الهندي».

من اليسار د.محمد البدران، د.ثناء الله الندوي، د .عيس العاكوب، د.فايز القيسي

جلسات اليوم الثاني كانت متنوعة وغنية، فتحت عنوان تأويل النص الأدبي عند "المعري" تحدث الدكتور "عبد الكريم الحسين" من سورية عن آراء الباحثين في تأويل "أبي العلاء" وتأويل النص القرآني قائلاً: «هناك آراء لباحثين معاصرين في لغة "المعري" ومنها قول الأستاذ "خليل شرف الدين": (تميزت شاعرية أبي العلاء بخصائص شوهت بعضها آفة العصر، فسيفساء البلاغة الترصيعية والتعلق الشديد بلعبة المجانسة والإزدواج والتلوينات الصوتية والتباهي بالقدرة على نبش قبور الكلمات الميتة، لا بقصد إحيائها بل بقصد تحنيطها ونقل رفات رميمها من ضريح التاريخ، وحين أدلى "أبو العلاء" بدلوه برز نابشاً كبيراً للدفين الأقدم من مواتها مُكشفاً الخيال أنه الجاني هذه المرة، حيث راح يرفده بالكثير من ميت الألفاظ ووحشي الكلام ومستغرب الصيغ والتعابير، حتى أنه راح يعبث باللغة في اللزوميات والشعر وينحت ويخترع ويضع نظاماً خاصاً لذلك)، وفي تأويل النص القرآني ستثبت النصوص القرآنية الواقعة في كلام "أبي العلاء" في كتبه المتفرقة وطرائق عرضها المؤثرة الشرح اللغوي للمفردة أو البحث عن العلة والسبب لظاهرة ما، وذلك لاستخلاص منهج ثابت في تناول النص القرآني عند "أبي العلاء" وما اقتبسه من كتب مقدسة أخرى».

الدكتورة "فيروز الموسى" من سورية تحدثت عن فلسفة "المعري" في مقولتي الخير والشر المستمدة من "اللزوميات"، قائلةً: «يوصف "المعري" بنظرته الشاملة ورؤيته العميقة وثقافته الواسعة وفلسفته للحياة فلسفة شمولية موضوعية منطقية، ولعل أول خيوط الفلسفة عن "المعري" هي اختباره نهج اللزوميات التي اتبع فيها ما لايلزم، وهو يرى في لزومياته أن الدنيا شرٌ كلها وهو متأصل في الدنيا مثلما الظلام أصل، أما الخير فيراه "المعري" فرعاً في حياة مليئة بالشرور لذلك فهو ينصح بالعزلة والصمت لأن الوحدة خير والسكوت خير كي يبتعد عن مخالطة الناس التي تجلب الشر».

من الجلسة الرابعة في اليوم الثاني

أخيراً مع المخضرم في المهرجان الدكتور "خليل الموسى"، الذي تناول بدوره موضوع الأسئلة الوجودية والبطل التراجيدي في اللزوميات فعن البطل التراجيدي قال: «لقد استطاع العقل الذي اتخذه "المعري" هادياً وإماماً أن يقوده إلى الإحساس التراجيدي القاتل حتى أنه كان على كتفيه أثقل من الصخرة العظيمة على كتفي سيزيف فتحولت حياته إلى جحيم خالص ولم يكن إزاءه من حل سوى الموت العدمي لمن جاء إلى هذا الجحيم وإنقاذ البشرية من مهزلة الحياة بإيقاف عجلة الإنجاب البشري».

"أبو العلاء المعري" حديث المحاضرين الشيق والطويل الذي لا ينتهي بـ /أربعة/ جلسات في نهاية اليوم الثاني، بل هو بحاجة إلى نقاش الدهر كله، وجلستين متبقيتين فقط من عمر المهرجان لا تفيان بقدر هذا الشاعر والفيلسوف الكبير الذي قيل عنه في المهرجان أنه شمسٌ لا تغيب.

من اليمين د. فيروز الموسى، د. ثناء الله الندوي، د.خليل الموسى، د.عزت السيد أحمد