في عام 1982 وأثناء إنجاز حفريات شق أحد الشوارع في الحي الشمالي في مدينة "معرة النعمان" قرب مقبرة "الشيخ حمدان" تم الكشف عن مدفن جماعي فريد يعود إلى القرن الثاني الميلادي خلال العهد الروماني، وقد تم نقل واجهة المدفن وتركيبها في الركن الغربي الشمالي من باحة متحف "معرة النعمان" في عام 1985 لتنتصب اليوم كأحد أبرز وأجمل اللقى الأثرية المعروضة في باحة المتحف.

الأستاذ "أحمد غريب" أمين متحف "المعرة" تحدث لموقع eIdleb بتاريخ 25/11/2010 عن هذا المدفن بالقول: «لهذا المدفن ميزات فنية رائعة، فهو منحوت في الصخر الحواري للقبور الجماعية، أما الواجهة فقد بنيت من حجر كلسي منقول وهي حجارة كبيرة الحجم وتتميز بمدخلها الذي تزينه النقوش النباتية والهندسية الرائعة، والنقوش النباتية هي لنبتة "اللبلاب" ولهذه النبتة في العهد الروماني دلالات كثيرة منها أنها رمز للخلود، أي إن المتوفى عندما يسجى في هذا المدفن يتبارك بورق "اللبلاب" التي ترمز إلى الخلود، وهذا المدفن يعطي فكرة عن فن النحت في "سورية" الشمالية، وعن مدى الذوق الفني الرفيع الذي وصل إليه الفن السوري في العهد الروماني».

تقوم على الدوام بمتابعة موقع المدفن وذلك لمنع أية تعديات أو حفريات في الموقع، لكون هذا المدفن مهما، صحيح أن المنطقة مكتظة بالمدافن إلا أن لهذا المدفن خصوصية لاحتفاظه بواجهته بشكل كامل وهو منحوت في الصخر ولم يتعرض للتخريب والسرقة كباقي المدافن الأخرى، كما أنه من أقدم المدافن المكتشفة في المدينة فهو يعود إلى فترة مبكرة مقارنة مع المدافن الأخرى المكتشفة في "المعرة"

وحول أقسام المدفن يضيف الأستاذ "أحمد غريب": «كتلة المدفن تتألف من المدخل وتسمى البهو له ماسكة "درابزين" على اليسار واليمين وألواح حجرية بين الماسكة وبداية البوابة، وهناك أربع مواضيع زخرفية للمدخل منها نباتية حوالي ثلاثة ألواح ولوح أخر عبارة عن مجموعة مستقيمات متقاطعة تكون شكل زخرفي هندسي رائع، مدخل المدفن ينزل إليه بست درجات عريضة وواسعة وبعد الدرجات يفضي إلى مدخل كان يغلق بباب بازلتي يسمى بالعامية باب "دحر" لكن الباب كان متكسراً ومتهشماً فاستعضنا عنه بباب بازلتي يعود إلى العهد البيزنطي لإعطاء فكرة عن الأبواب في تلك الفترة، ومدخل المدفن عبارة عن باب بارتفاع حوالي 110 سم يعلوه ساكف زخرفي بورق "الأكانتس" (اللبلاب) الدالة على الخلود، وفوق مدخل المدفن تمثال نصفي لرب العائلة أحيط بزخارف البيضة والسهم والتي ترمز حسب الفلسفة اليونانية والرومانية إلى الحياة والموت، إلا أنه للأسف لا توجد كتابات في واجهة هذا المدفن إلا أن تاريخ المدفن وهو القرن الثاني الميلادي فهو مؤكد من حيث الدلالات الزخرفية الموجودة على واجهات مدخل هذا المدفن، تم نقل الواجهة الخارجية للمدفن إلى المتحف أما باقي المدفن فهو عبارة عن ست قبور منحوتة في الصخر الحواري لم نستطع نقل هذه القبور وتم الإبقاء عليها في مكان اكتشاف المدفن وهي بحالة سليمة حتى الآن».

واجهة المدفن مع المدخل

ولكن لماذا يعتبر هذا المدفن من المدافن النوعية المكتشفة في المدينة؟ يجيب الأستاذ "أحمد": «في القطاع الممتد من شرق قلعة "المعرة" وحتى الطريق الدولي "حلب- دمشق" تم العثور على عشرات المدافن لكن كلها تعود إلى العهد البيزنطي المسيحي بدليل وجود الصلبان فوق مدخل المدفن وداخل القبور وعلى الواجهات، أما هذا المدفن فهو نوعي لعدة أسباب: لكونه يعود إلى العهد الروماني القرن الثاني الميلادي وهي فترة تاريخية مبكرة، بالإضافة إلى العناصر الزخرفية الرائعة التي تسود واجهاته ومدخله من الجنوب، كما أن الغنى الزخرفي والنحتي في واجهة هذا المدفن تدل على مبلغ الرقي للإنسان في هذه المدينة، وليس مستغرباً أن تمتاز واجهات المدافن والمباني التي عثر عليها في مدينة "المعرة" بميزات زخرفية فنية كبيرة وكثيرة، لكون مدينة "المعرة" تحتل موقعا استراتيجيا هاما وتعتبر ممر عبور الغزاة والفاتحين، كما أنها تتوسط الطريق الواصل بين "حلب" و"حماه" وهي بوابة العبور من الشمال إلى الجنوب».

إن اكتشاف المدفن المذكور دحض مزاعم العديد من المؤرخين حول تاريخ مدينة "المعرة"، وعن أهمية هذه القرينة الأثرية يقول الأستاذ "أحمد غريب": «بعض المؤرخين ذكر أن "معرة النعمان" يعود تاريخها إلى العهد البيزنطي، فقد ذكر المؤرخ المرحوم "محمد سليم الجندي" بأن أصل مدينة "المعرة" هي خربة "سياث" التي تقع شمال غرب قرية "كفرومة" القريبة من "المعرة" وبعدها انتقل الناس إلى بناء مدينة "المعرة"، إلا أن هذا المدفن الذي يعود إلى القرن الثاني الميلادي يعتبر قرينة أثرية تدحض تاريخياً هذه المقولة ويدل على أن مدينة "المعرة" هي أقدم من خربة "سياث" التي ذكرها المؤرخ المذكور، وأن مدينة "المعرة" كانت موجودة في العهد الروماني وربما هي تعود لأقدم من ذلك».

الأستاذ أحمد غريب

وحول طبيعة إشراف دائرة آثار "المعرة" على موقع اكتشاف المدفن يقول الأستاذ "غازي علولو" رئيس الدائرة: «تقوم على الدوام بمتابعة موقع المدفن وذلك لمنع أية تعديات أو حفريات في الموقع، لكون هذا المدفن مهما، صحيح أن المنطقة مكتظة بالمدافن إلا أن لهذا المدفن خصوصية لاحتفاظه بواجهته بشكل كامل وهو منحوت في الصخر ولم يتعرض للتخريب والسرقة كباقي المدافن الأخرى، كما أنه من أقدم المدافن المكتشفة في المدينة فهو يعود إلى فترة مبكرة مقارنة مع المدافن الأخرى المكتشفة في "المعرة"».

التمثال النصفي لرب الأسرة صاحبة المدفن