خمسون عاماً وما زال عطاؤه مستمراً في ميادين رياضة ألعاب القوى وغيرها، قدَّم الكثير من الأبطال على منصَّات التتويج ولسنواتٍ طويلة، كان خلالها المدرِّب والحكم والإداري الناجح، والعرَّاب لهم في مسيرة إنجازاتهم.

مدوّنةُ وطن "eSyria" المتابعة لمسيرة المتميزين السوريين وتأريخها، التقت "سعيد عبد المولى" مدرِّب رياضة ألعاب القوى، وتعرَّفت منه على نشأته وبداية رحلته مع الرياضة فقال: «في حيِّ "بني السباعي" أحد الأحياء القديمة في مدينة "حمص"، كانت ولادتي مع بداية خمسينيات القرن الماضي، نشأتي ودراستي في مرحلتها الأولى كانت هناك، ثمَّ تنقلت في المراحل اللاحقة بين مدارس عدَّة، خلال تلك السنوات شغفي كان منصبَّاً نحو الرياضة ما دفعني للالتحاق من أجل دراستها أكاديمياً في المعهد الرياضي بمدينة "دمشق"، بعد حصولي على الشهادة الثانوية العامة عام 1972، وللعلم فقط، كانت عملية الانتساب إليه محصورةً للأبطال الرياضيين أصحاب الإنجازات، وقد ساعدتني ألقابي التي حققتها سابقاً كبطلٍ في مسابقات الوثب الطويل والعالي ضمن البطولات المدرسية ولسنواتٍ متواصلة، وكلاعبٍ ضمن صفوف نادي "خالد بن الوليد" الذي عرف فيما بعد باسم "الكرامة"، حيث أحرزت بطولة الجمهورية لفئة الأشبال في مسابقة 400 م والمركز الثاني في بطولة الشباب، كما أحرزت مع فريق كرة القدم بطولة دوري الدرجة الثانية، ومعها تمَّ صعوده لمصافي أندية الدرجة الأولى عام 1969».

لم يكن مدرِّبي فقط، بل الأب الروحي لي ولزملائي من اللاعبين الذين درَّبهم على مدى سنواتٍ طويلة من رحلة عطائه اللا محدود في رياضة ألعاب القوى وغيرها حتى، مذ كنت في طالبةً في المرحلة الابتدائية أشرف على تدريبي مع شقيقتي التوءم "نسرين"، ومعه عشقنا الرياضة وأجواءها، بفضل الأسلوب الراقي والأبوي الذي كان عنواناً لمعاملته لنا، إن كان خلال التدريبات أو خارجها، ولن أبالغ بالوصف إن قلت بأنَّه الوالد الثاني لنا، وبفضله حصلت على العديد من البطولات في سباق الضاحية لمسافة 6 كم على مستوى محافظة "حمص" والجمهورية

عن مرحلة الدراسة في المعهد الرياضي وما بعدها تابع قائلاً: «شروط القبول فيه لم تكن سهلةً على الإطلاق، اختبارات قاسية في ألعاب السباحة، الغطس، الجري مسافة 100م، الوثب العالي، الكرة الحديدية وغيرها، كان على المتقدِّم تجاوزها من أجل بدء الدراسة فيه، أساتذة من الرياضيين السابقين أشرفوا على دراستنا أذكر منهم "بولس حنا" واضع كتاب "علم التدريب"، و"علي فاضل" مع "سامح شالاتي" وغيرهم، قدَّموا لنا جلَّ خبرتهم ومعرفتهم الأكاديمية الرياضية، في عام 1974 كان التخرُّج والانطلاق نحو مرحلة العمل التدريسي ضمن ملاك مديرية التربية في مدينة "حمص" وفي المعهد الرياضي التابع لها، ومديراً لملاعبها لاحقاً، رغم قلَّة الإمكانات وعدم توفر الملاعب الخاصة بممارسة رياضة ألعاب القوى، إلاَّ أنَّ التصميم والإرادة كانا أقوى من ذلك، والمدرَّب في أيَّ لعبةٍ لن يتمكَّن من صناعة الأبطال فيها إن لم يلمس محبة اللاعبين لها، ودوره لن يقتصر على التمارين والنصائح الرياضية فقط، بل يجب عليه أن يكون داعماً معنوياً ونفسياً لهم، وخاصةً أنَّ ألعاب القوى هي رياضة جافة من حيث قلة المتابعة الجماهيرية، وعدد البطولات التي تستلزم من اللاعب التحضير والتمرين طوال عامٍ كامل من أجل مشاركةٍ لا تتعدى دقائق قليلة، وهذا ما عملت عليه مع اللاعبين الذين درَّبتهم، والذين كان جلُّهم من الفئات العمرية الصغيرة، لأنني مؤمنٌ بأنَّ البناء السليم للرياضيين الأبطال يبدأ في سنٍّ مبكرة».

جانب من شهادات التدريب والتقدير عن مشاركاته

مسيرته التدريبية يضيف عنها بقوله: «خلال تأديتي للخدمة الإلزامية التي استمرت أربع سنواتٍ مارست التدريب الرياضي في القطعات التي خدمت فيها حتى عام 1978، بعدها بدأت مسيرتي في الإشراف على رياضة ألعاب القوى في نادي "الكرامة" للذكور والإناث خلال سنواتٍ تلت، حافظ النادي على صدارة الترتيب العام في بطولات الجمهورية في الفئات كافة، على سبيل المثال لا الحصر أذكر منهم اللاعبات "صدقية الشبعان" بطلة المحافظة في البطولات المدرسية وكذلك الجمهورية في سباق 200م سرعة عام 1983 ومن بنات جيلها أيضاً "ميرفت محروس"، والأخيرة كانت ضمن صفوف المنتخب الوطني الذي توليت مهمة تدريبه لأكثر من خمسة عشر عاماً، ونالت الميدالية الذهبية في مسابقات "البطولة العربية" التي جرت في "دمشق"، إلى جانب "مصطفى عاجوقة" صاحب ذهبية سباق 8 كم لفئة الشباب والعديد غيرهم، ولن أنسى "سنا سيد سليمان" التي أحرزت المركز الأول خلال مشاركتها كأصغر لاعبة في مهرجان "ناشئي العالم" الذي جرى في العاصمة الروسية "موسكو" من بين 1500 مشارك من حول العالم، تلك الإنجازات لم تأت من فراغٍ مطلقاً، لأنني عززت خبرتي بخضوعي للعديد من الدورات التدريبية التي كان يقيمها اتحاد اللعبة في "سورية" بإشراف الاتحاد العربي لألعاب القوى، كذلك شاركت في دورة أقيمت بحضور نخبة من المدربين العالميين قدموا من "ألمانيا"، وكانت على ثلاث مراحل تضمنت تخصصات عامة إلى جانب الوثب وسباقات السرعات، أمَّا أول مشاركةٍ خارجية لي كمدرِّبٍ كانت في البطولة العربية الرابعة لاختراق الضاحية تحت مسمى "كأس فلسطين"، والتي جرت في "البحرين" عام 1982، وبعدها "تونس" لذات البطولة، وفيها برزت أسماء أبطال مثل "فؤاد بجبوج"، "رامي الحسامي"، "صلاح الدين مصطفى"، وفي منتصف تسعينيات القرن الماضي انطلقت نحو العمل الاحترافي خارج "سورية"».

مرحلة التدريب خارج "سورية" وما تلاها عنها يقول: «عام 1996 وصلت إلى نادي "الخويلدية" الذي يتبع لمنطقة "القطيف" شرق "المملكة العربية السعودية"، كان نادياً مغموراً ضمن تصنيف الدرجة الثالثة، العمل كان شاقاً لكن التصميم على الإنجاز كان أكبر، شهورٌ قليلة بدأ القائمون على النادي بالإضافة للاعبين بتلمّس النتائج الجيدة التي تحققت له، حيث أحرز فريق ألعاب القوى المركز الأول في بطولة المنطقة الشرقية، وكان أول إنجازٍ رياضيٍ يسجل له، العديد من اللاعبين أصبحوا أبطالاً على مستوى بطولات المملكة منهم "محمد عبد الجليل" صاحب الرقم m10.37، ولاعب المسابقة العشارية "منير الشرفة" إضافةً لبطل مسابقة رمي الرمح "علي الجواد آل لاشط" والكثير غيرهم من الأبطال الذين أصبحوا فيما بعد ضمن صفوف المنتخب الوطني السعودي، ما قدَّمته هناك كان محطَّ تقدير جميع من عملت معه، حتى أنَّ أحد اللاعبين الذين كنت أدربهم جاء باكياً إلى باب منزلي من أجل دفعي للعدول عن استقالتي، وذلك بسبب قرار العودة إلى الوطن وهذا ما تمَّ في عام 2003».

أثناء تدريبه لأحد أبطال الجمهورية في الوثب العالي

عن المهام التدريبية التي تولاها بعد عودته يتابع قائلاً: «تسلمت مهمة الإشراف على الرياضة المدرسية في مديرية التربية من خلال العمل في شعبة التدريب والبطولات كمشرفٍ لرياضة ألعاب القوى على ثانويات الذكور في مدينة "حمص" لحين تقاعدي عام 2011، خلال تلك الفترة طلب مني العمل كمدرِّب لياقةٍ بدنية للاعبي فريق كرة السلة في نادي "الكرامة" الذي كان يدرِّبه الدكتور "محمد الحصني" آنذاك، بحكم خبرتي الطويلة في مجال ألعاب القوى، وعملي سابقاً مع فريق كرة القدم عام 1984، حيث كنت أولَّ من عمل في هذا التخصص، في تلك السنة نال النادي بطولة الدوري وكأس الجمهورية والسوبر، وأذكر حينها قول الراحل "عدنان بوظو" (فريق الكرامة يلعب 90 دقيقة و90 أخرى بنفس الوتيرة) ومن النتائج الجيدة التي حققها فريق كرة السلة فوزه ببطولة "الوثبة" الدولية، إضافة لمحافظة الفريق في المنافسة على المراكز الأولى في مسابقة الدوري، وعملت مع مدربين من أمثال "راتب الشيخ نجيب" و العراقي "أحمد فاضل"، وحالياً مع المدرِّب "هيثم جميل"».

الدورات التدريبية على تنوعها والأنشطة التي شارك فيها عن ذلك قال: «الرياضي والمدرِّب الناجح هو الذي لا يتوقف عن كسب المزيد من المعرفة الأكاديمية مهما كان عمره، لذا حرصت على اتباع دورات باختصاصاتٍ مختلفة، منها ما يتعلَّق بالطب الرياضي سنة 2001، ومكافحة المنشطات، وفي إعداد المدربين الفنيين كمستوى أول عام 2009، عدا عن المشاركة في دورات التحكيم الدولية، والتي على إثرها شاركت في بطولة ألعاب "البحر الأبيض المتوسط" عام 1987 والتي أقيمت حينها في مدينة "اللاذقية"، وكذلك في دورة الألعاب الرياضية المدرسية الثامنة عشرة في "لبنان" عام 2010، إلى جانب البطولات المحلية التي كانت تقام في "سورية" ورئاستي للجنة الحكام العليا في اتحاد ألعاب القوى».

المدرِّب سعيد عبد المولى مع اللاعبة شيرين الحزام

"صدقية الشبعان" إحدى البطلات اللواتي أشرف على تدريبهن تقول: «مهما تحدَّثت عن المدرَّب "سعيد عبد المولى" فلن أعطيه حقه، هو الأب والأخ والصديق وحتى يمكنني وصفه بالأم الحنون لكلِّ لاعبٍ أشرف على تدريبه، ذكرياتي معه بدأت في بداية الثمانينيات من القرن الماضي حين كنت أشارك في البطولات المدرسية لألعاب القوى، هو من رعى موهبتي وعزز محبتي لهذه الرياضة، كان صاحب الفضل في وضعي على السكة الصحيحة فيها، والوصول لمنصة التتويج في بطولة الجمهورية بسباقات السرعة عام 1983، حرصه على راحة وسلامة لاعبيه وصحتهم ورعاية شؤونهم كانت السمة الأبرز في شخصيته الإنسانية المميزة، هنا أذكر تلك الحادثة عندما أصرَّ على الذهاب معي عند الطبيب من أجل إجراء عمل جراحي لاستئصال اللوزتين، بحكم تأثيرها السلبي على نشاطي الرياضي وغيرها من الحوادث مع رفاقي الآخرين، لا يتوانى عن تقديم العون وما زال، كما أنَّه حريص على متابعة نجاحات من درَّبهم في حياتهم الشخصية، لذا أراه في الأعمال الفنية التي أعرضها مواظباً على تقديم الدعم والثناء وبسعادةٍ عارمةٍ».

أمَّا اللاعبة "شيرين الحزام" عنه قالت: «لم يكن مدرِّبي فقط، بل الأب الروحي لي ولزملائي من اللاعبين الذين درَّبهم على مدى سنواتٍ طويلة من رحلة عطائه اللا محدود في رياضة ألعاب القوى وغيرها حتى، مذ كنت في طالبةً في المرحلة الابتدائية أشرف على تدريبي مع شقيقتي التوءم "نسرين"، ومعه عشقنا الرياضة وأجواءها، بفضل الأسلوب الراقي والأبوي الذي كان عنواناً لمعاملته لنا، إن كان خلال التدريبات أو خارجها، ولن أبالغ بالوصف إن قلت بأنَّه الوالد الثاني لنا، وبفضله حصلت على العديد من البطولات في سباق الضاحية لمسافة 6 كم على مستوى محافظة "حمص" والجمهورية».

الجدير ذكره بأنَّ "سعيد عبد المولى" من مواليد مدينة "حمص" عام 1951 متزوجٌ ولديه أربعة أولاد.