حوَّلته الصدفة من إنسانٍ كان يرى في كرسيه المتحرك ملاذه الأخير، إلى بطلٍ رياضي في لعبتي "كرة الطاولة" و"كرة السلة" على الكراسي المتحركة، معطياً درساً في تحويل الإعاقة إلى بطولة عند وجود الإرادة والعزيمة.

«كتب عليَّ قدري أن أصبح شخصاً ذا إعاقة حركية في نصفي السفلي، كانت لحظة قاسية جداً عندما وجدت نفسي مجبراً على ملازمة ذاك الفراش لسنوات»، يقول "أحمد حمدان" في حديثه مع مدوّنة وطن "eSyria" ويضيف: «كان ذلك مع نهاية عام 2011 مع اشتداد الاحداث المؤلمة التي جرت في مدينتي "الرستن" مسقط رأسي، والمكان الذي قضيت فيه أجمل سنين عمري، كانت الحياة ملأى بالعمل والجهد والسعادة، لكن كلًّ ذلك انقلب في تلك اللحظة إلى لوحة سوداء لا أمل فيها».

كتب عليَّ قدري أن أصبح شخصاً ذا إعاقة حركية في نصفي السفلي، كانت لحظة قاسية جداً عندما وجدت نفسي مجبراً على ملازمة ذاك الفراش لسنوات

انطلقت مسيرة "أحمد حمدان" مع العلاج بعد إصابته بعجز في النخاع الشوكي، خضع لعدَة عمليات جراحية تحسَّنت فيها حالته بعض الشيء، لتستقر عند شلل حركي سفلي، ومع نهاية عام 2012 كان مضطَّراً من جديد للنزوح من مدينة "حمص" مع عائلته إلى مدينة "الرقة"، التي استقروا فيها مدَّة عام ونصف العام تقريباً، ليتكرر ذات المشهد ويستقر في مدينة "حلب" ويكون على موعدٍ مع أول صدفةٍ كان لها تأثير في تغيير نظرته للحياة -بحسب قوله- وعن ذلك يقول: «بارقة الأمل في حياة أي إنسان تأتيه بأشكال مختلفة -بالنسبة لي- تلك الشابة التي رأيتها صدفة أول مرَّة عند باب المنزل الذي كنت أسكن فيه مع عائلتي، والاهتمام الذي أبدته لحالي بعيداً عن الشفقة جعل نظرتي للحياة تتبدل نحو الأفضل، افتتحت مشروع عمل خاص بي بعدها، وهنا كانت انطلاقتي الأولى بعد سنوات من المعاناة الجسدية والنفسية مع حالة الإعاقة التي أصبحت عليها».

أحمد حمدان خلال مباراة له في مقر نادي السلام

عاد "أحمد حمدان" إلى مدينته "حمص" نازحاً من جديد سنة 2018 لتأتي صدفة أخرى كما يذكر في حديثه مع مدوّنة وطن "eSyria" جعلته يدخل إلى عالم الرياضة ويتابع قائلاً: «كنت على كرسيّ المتحرك برفقة زوجتي حينما شاهدني الكابتن ‘‘زين العابدين الدالاتي’’ وطلب مني بعد السؤال عن السبب وراء إعاقتي، زيارة نادي ‘‘السلام’’ للرياضات الخاصة، ولم يكن عندي أدنى معرفة عن النادي وطبيعة الرياضات التي تمارس فيه، بالفعل بعد زيارتي له، ومشاهدة بعض من أعضائه الذين هم في وضعٍ مشابه لحالتي، وشعوري بمدى الدافع والعزيمة عندهم، من أجل صنع أمرٍ ما في حياتهم يحولون به إعاقتهم إلى أمر ناجح، تولد لديَّ حب الرياضة يوماً بعد يوم، وبدأت بممارسة كرة الطاولة جلوساً، وقررت المواظبة على التمارين بشكلٍ شبه يومي، أشرف على تدريبي المدرِّبة "فكرت أصلان" وساعدني وجود أبطال للجمهورية من زملائي من بينهم "عامر غازي" وغيره، وبعد عام من التدريب حصلت على بطولة الجمهورية فيها».

لم يقف طموح ‘‘أحمد’’ عند ذلك بل تابع التدرُّب في لعبة أخرى، كما تابع بقوله: «انضممت مع زملائي في فريق كرة السلة على الكراسي المتحركة، أحببت اللعبة وشعرت معها بتحسن حالتي البدنية أيضاً، الاحتكاك مع مجموعة من الأشخاص في الألعاب الجماعية له أثر مختلف عما هو عليه في الفردية منها، وكسبت الكثير من الأصدقاء في الفرق الأخرى التي التقى فريقنا معها، ومن مدن مختلفة، وكانت حصيلة هذا الحب لممارسة الرياضة والإنجاز فيها، الحصول على بطولة الجمهورية في نهاية عام 2020».

كأس الحمهورية الذي أحرزه مع الفريق في لعبة كرة السلة على الكراسي المتحركة عام 2020

التقيت به صدفة ودعوته بحكم عملي كمشرف على تدريب أصحاب الإعاقة في نادي ‘‘السلام’’ للرياضات الخاصة، كان ذلك عام 2018 وشعرت في داخله بحب الانزواء خجلاً من إعاقته كما يقول المدرِّب ‘‘زين العابدين الدالاتي’’ في حديثه مع مدوّنة وطن، وتابع:«اهتمامنا في السنوات الأخيرة ومستقبلاً، هو استقطاب مصابي الحرب من العسكريين والمدنيين من أجل محاولة دمجهم بالمجتمع من جديد، وتعزيز روح الإرادة والعزيمة لديهم، وهذا ما وجدته لدى ‘‘أحمد’’ بعد زياراته الأولى للنادي، أشرفت عليه من الناحية البدنية -بحسب تصنيف إصابته- تفادياً لمضاعفات قد تحدث لاحقاً، إصراره على تحقيق إنجاز رياضي بدأ يزداد يوماً بعد يوم، من خلال التزامه بالتدريب ومحاولة إثبات ذاته، وبعد عام استطاع تحقيق بطولة الجمهورية في لعبة ‘‘كرة الطاولة’’، ومع تطور حالته البدنية والفنية أصبح عنصراً أساسياً في فريق كرة السلة على الكراسي المتحركة، وحقق معه بطولة الجمهورية في نهاية العام الفائت».

"طلال الأحدب" وهو زميل "أحمد" في النادي يصفه بأنه :« مثابر ومواظب على التدريب في أكثر من لعبة، والروح المرحة التي يتحلى بها لم نكن نلاحظها عند قدومه للنادي، -لكن رويداً رويداً- ومع حضوره للتدريبات مرة بعد مرة، أصبحت الرياضة بالنسبة لديه شيئاً محفزاً للحياة أكثر، وبدأ اندماجه مع بقية اللاعبين الموجودين من الذكور والإناث، وخلال عام واحد فقط من التدريب نال بطولة الجمهورية في "كرة الطاولة" جلوساً، ثمَّ استدعيناه إلى فريق "كرة السلة" وأبدى تميزاً فيها، وأصبح لاعباً أساسياً في الفريق، الرياضة كما شهدتُ غيَّرت حياته بشكل جذري وجعلت تصميمه لتحقيق البطولة في أية لعبة كبيراً جداً».

اللاعب طلال الأحدب زميله في النادي

تمَّ اللقاء مع "أحمد حمدان" بتاريخ 20 آذار 2021 وللعلم هو من مواليد مدينة "الرستن" سنة 1986، متزوج ولديه ثلاثة أولاد.