ظهرت "الجمعية التاريخية السورية" في العام 1971، وهي اليوم من بين 330 جمعية أهلية تعمل في محافظة حمص. هدفها حفظ التاريخ والتراث وتوثيقهما، وإيصال المعلومات الصحيحة المتعلقة بالقضايا والأحداث التاريخية.

رئيس الجمعية والأستاذ الجامعي لمادة "التاريخ" الدكتور "عبد الرحمن البيطار" يشير إلى أنَّ الاهتمام بالتراث والآثار كان ينبع من بعض الأفراد، أو العوائل، أو من مشجعين لأفراد مختصين بالشؤون العلمية، فالدولة بمفهومها العام أو الحكومة بمفهومها الخاص تمثل الأفراد في أعمالها، ولكن مهامها لم تكن تصل إلى كل مجال من مجالات الحياة، وعبر التاريخ المعاصر تطور دور الحكومات ليصل إلى كل ما يخص شؤون أفرادها، لذلك كانت -وحسب إمكاناتها- تمارس دورها المنوط بها، لكن التقصير في تنفيذ ذلك الدور كان سبباً في بروز العمل الأهلي بفعل عوامل مختلفة، ليكون داعماً للعمل المؤسساتي الحكومي.

ويتابع "البيطار" في حديثه لمدوّنة وطن "eSyria" بأن محافظة "حمص" في وقتنا الراهن تضم 330 جمعية أهلية، متنوعة الأهداف التي تأسست لأجلها، سواء ما يختص منها بالعمل الخيري، أو الفنِّي، أو التاريخي وغير ذلك من شؤون الحياة اليومية للمواطن، كلُّ تلك الجمعيات أخذت على عاتقها مسؤولية دعم المجتمع المحلِّي، إلى جانب عمل المؤسسات الحكومية أيضاً، ومنها "الجمعية التاريخية السورية" التي ظهرت إلى النور سنة 1971، وقد تداعى إلى تأسيسها مجموعة من الأشخاص منهم الراحل "محمود السباعي" و"محمد بوطة" وآخرون غيرهم، من المهتمين بالأمور التاريخية التي يتحدث عنها العامة بشكل غير علمي ودقيق، بغية إيصال المعلومات الصحيحة بشأن الأمور التاريخية، لأنَّ الأحاديث الشعبية قد تشوِّه تلك المعلومات، هذا كان الهدف في عمل الجمعية إلى جانب التوثيق والأرشفة لتاريخ مدينة "حمص"، وتجلَّى هذا الأمر من خلال الندوات والمحاضرات والمعارض التي أقامتها الجمعية، إلى جانب إصدار مؤلفات ومجلات بشكلٍ دوري، من قبل بعض أفرادها المختصين بشؤون التأريخ والتوثيق، فمثلاً كان لدى الجمعية مجلة غير دورية بعنوان "دراسات تاريخية" صدر منها 9 أعداد فقط، وآخر إصدارات الجمعية "تراجم الحمصيين في تاريخ ابن عساكر" لمؤلفته الدكتورة "أمية مرعي الغزي"، و"منشآت حمص التراثية ونقوشها الكتابية" شارك في إعداد دراسته إلى جانبي الباحث "محمد غازي حسين آغا"، عدا عن مؤلفات عديدة لباحثين آخرين.

لوحة تعريفية موضوعة على بناء الجمعية الأثري وسط مدينة حمص

هنا، نستذكر أهم الشخصيات الحمصية التي دأبت على حفظ التاريخ والتراث وتوثيقهما، منها الخوري "عيسى أسعد" صاحب مؤَّلف "تاريخ حمص" في جزئه الأول عام 1932، ومن بعده ولده "منير" في الجزء الثاني في بداية سبعينيات القرن الماضي، وكذلك هناك كتاب "حمص أم الحجارة السود" الذي ألَّفه "ساطع محلي"، إلى جانب "نعيم الزهراوي" الذي اختَّص بالنواحي العمرانية لتاريخ المدينة، ولن ننسى الراحل "محمود السباعي" الذي قام بتأليف أول كتاب من إصدارات الجمعية بعنوان "حمص دراسة وثائقية"، ومن بين المؤلفين الذي عملوا على توثيق التاريخ والتراث نشير إلى "رضا صافي" الذي قام بوضع أربعة مؤلَّفات في هذا الشأن، وخلال أيامنا هذه برزت نتاجات للباحث والمؤرخ "محمد غازي حسين آغا" العضو الفاعل في الجمعية، الذي حرص على التعريف بأهم المعالم الأثرية في المدينة وتاريخها العمراني، والعادات والطقوس الاجتماعية التي كانت سائدة فيها، وآخرها كان مؤلَّفه "الطريقة السعدية في بلاد الشام"، وسبقه المؤلَّف الخاص بأحد طقوس المدينة وعادات أهلها الذي حمل عنوان "خميس القدس في مدينة حمص" وغير ذلك الكثير من المؤلَّفات الخاصة به.

أحد أعضاء الجمعية "عبد المؤمن الحجار" كان مهتماً وما زال بمجال التوثيق والأرشفة قيما يخص معالم المدينة الأثرية والمهن القديمة والتراثية التي ما تزال قائمة أو المندثرة منها، كما ذكر في حديثه مع مدوّنة وطن "eSyria"، وقد بدأ بذلك باهتمام ودافع ذاتي في بداية الأمر كونه ينتمي لعائلة سكنت لمئات السنين في أحد أحياء مدينة "حمص" القديمة، دافعه في العمل التوثيقي كان التعريف بكلِّ تلك المعالم للأجيال الحالية واللاحقة، لأنَّ أيَّ مجتمع -حسب رأيه- لن تستمر ديمومته بلا ذاكرة تعيش في أذهان أبنائه، تدفعهم للتمثل بقيم وأعمال آبائهم وأجدادهم، ليكونوا متابعين ومطورين لما أنجزوه على مدار عقود وقرون ماضية، وما حصل من أحداث مريرة خلال سنوات مضت في البلدان التي طالتها نار الحروب، والتدمير الممنهج للآثار فيها، والذي هدفه الأول، هو مسح ذاكرة الأجيال الجديدة، وسلخ انتمائها لتاريخها وتراثها، أكبر دليل على أهمية العمل التوثيقي، هنا يكون الدور الأكبر والأهم للموثِّقين والمؤرشفين، في الحفاظ على هذه الذاكرة وإحيائها بشكل مستمر.

بعض الصور النادرة من الأرشيف الخاص بالجمعية

أمَّا "رامي الدويري" زميله الآخر في الجمعية فقد بدأ رحلة الاهتمام بالتاريخ والتراث منذ كان شاباً يافعاً بحكم اهتمام والده بذلك كما قال لمدوّنة وطن خلال لقائها به، وتابع مضيفاً بأنَ عمله في جمع التحف والأنتيكات وتجارتها خلال إقامته في "مصر" لمدة عشرين عاماً ماضية، قد دفعه بعد عودته إلى مدينة "حمص" عام 2010 للاهتمام أكثر في هذا المجال، من خلال البحث عن كلِّ ما يخصُّ تاريخ وتراث مدينته، وخاصة في موضوع الصور النادرة، ومحاولة جمعها وأرشفتها، وهو عمل لم يكن سهلاً أبداً، وفي بعض الأحيان كان يقوم بشراء تلك الصور، أو الأدوات الأثرية التي أصبحت مندثرة في عصرنا الحالي، والتعريف بها لاحقاً، من خلال استخدام منصَّات التواصل الاجتماعي عبر حساباته الخاصَّة عليها، مؤكِّداً بأنَّ التطور التكنولوجي يجب أن يستفاد منه لخدمة هذا الغرض، ألا وهو توثيق تاريخ وتراث المدينة وسكانها، فهو يرى بأنَّ عملية التأريخ والتوثيق قد قام بها الأفراد منذ آلاف السنين، ودوافعهم لذلك كانت فردية بمجملها، وغير تابعة لمؤسسات محددة، إنَّما تمَّ تأطير بعضها لاحقاً ضمن نشاط جمعية، أو مؤسسة مهتمة بشؤون الآثار والتراث، وهذا ما نجده في عمل "الجمعية التاريخية السورية" الفريدة أصلاً بإنشائها، وبالأهداف التي تعمل عليها، ووجودها منفردة في مدينة "حمص" عن بقية المدن السورية.

نذكر في النهاية بأنَّ تلك القاءات تمّ إجراؤها بتاريخ 21 كانون الثاني 2021.

آخر مؤلّفين من منشورات الجمعية التاريخية السورية