يقصدها الناس من كافة أنحاء العالم، ارتبط اسمها بزنار "السيدة العذراء"، لوجوده فيها، ولقيمتها التاريخية والأثرية والروحية، وهي مقر مطرانية "حمص"، و"حماه"، و"طرطوس"، وتوابعها للسريان الأرثوذكس، ولها دور بارز بإعادة ترميم منازل المواطنين التي تعرضت للتدمير في حي "الحميدية" خلال الحرب.

مدونة وطن "eSyria" التقت الأب "طوني يعقوب" كاهن كنيسة "السيدة العذراء أم الزنار"، بتاريخ 7 أيلول2020، ليحدثنا عن تاريخ الكنيسة، قائلاً: «تعتبر كنيسة "أم الزنار" من أهم الكنائس المسيحية في العالم، حيث شيّدت عام 59م، وتسمى "أم الزنار" لوجود زنار السيدة "العذراء" فيها، الذي أتى من "بيت المقدس" إلى مدينة "حمص" عام 476م، ويحج إليها الكثير من المؤمنين من جميع الطوائف في كل سنة. ومطرانها حالياً نيافة المطران "مار سلوانس بطرس النعمة" الذي استلم الأبرشية عام 1999 وحتى الآن.

كانت الكنيسة مركزاً بطريركياً للكنيسة السريانية في العالم، في عهد البطريرك المُتَنيح "مار إغناطيوس أفرام الأول برصوم"، الذي أحضر الكرسي البطريركي من "تركيا"، ووضعه في "حمص" عام 1933 حتى عام 1957، حيث انتقل الكرسي البطريركي إلى "دمشق"، وكان اكتشاف الزنار المقدس على يديه عام 1953، وهو الاكتشاف الأخير للزنار، ولا يزال يعرض حتى الآن في الكنيسة، ويتبارك به المؤمنون

تعود قصة زنار "السيدة العذراء"، إلى القديس "مار توما" الرسول، أحد تلاميذ السيد "المسيح" الاثني عشر، حيث أعطته الزنار "السيدة العذراء"، قبل 2000 عام، وقام بأخذه معه إلى "الهند"، حيث تم نقله مع رفاته إلى مدينة "الرها" السورية عام 394م، ثم نقل الزنار وحده إلى كنيسة "السيدة العذراء" في "حمص"، ليطلق على الكنيسة اسم "أم الزنار"».

الأب "طوني يعقوب" كاهن الكنيسة

وعن تجديد الكنيسة واكتشافها، قال: «بعد ذلك بمدة خاف أهالي "حمص" على الزنار، بسبب الأحوال الأمنية غير المستقرة، فدفنوه داخل مذبح الكنيسة في وعاء معدني، وظل كذلك حتى عام 1852م، حيث أراد "السريان" تجديد الكنيسة في عهد المطران "يوليوس بطرس" مطران الأبرشية آنذاك، وحينما هدموا الكنيسة، وجدوا زنار "السيدة العذراء" موضوعاً في وعاء وسط المذبح، فقاموا بإعادته إلى المذبح بالطريقة التي وجدوه فيها، ووضعوا فوقه حجراً كبيراً، ونقشوا عليه بالخط "الكرشوني"، ونتيجة عوامل كثيرة، أهمها الاضطهاد الذي وقع على الكنيسة، لجأ الآباء إلى إخفاء الزنار، ونُسي أمره مائة عام تقريباً».

وتحدث عن تاريخ الكنيسة، ووضعها حالياً، قائلاً: «كانت الكنيسة مركزاً بطريركياً للكنيسة السريانية في العالم، في عهد البطريرك المُتَنيح "مار إغناطيوس أفرام الأول برصوم"، الذي أحضر الكرسي البطريركي من "تركيا"، ووضعه في "حمص" عام 1933 حتى عام 1957، حيث انتقل الكرسي البطريركي إلى "دمشق"، وكان اكتشاف الزنار المقدس على يديه عام 1953، وهو الاكتشاف الأخير للزنار، ولا يزال يعرض حتى الآن في الكنيسة، ويتبارك به المؤمنون».

النائب الأسقفي الخوري "أنطون جرادة"

وعن أقسام الكنيسة، ونشاطاتها، أضاف: «تضم الكنيسة الميتم السرياني الأرثوذكسي، الذي يقيم فيه 30 طفلاً تقريباً بشكل كامل، ولكن بسبب الأحداث تجاوز عددهم 200 طفل، وبسبب تدمير الكنيسة والميتم خلال هذه الحرب، لم يعودوا مقيمين، نقوم حالياً بتجهيز بناء جديد في بلدة "زيدل"، ونهتم برعايتهم رعاية خارجية، بتقديم مساعدات مادية وعينية من خلال المتبرعين، بالإضافة للمساعدات المقدمة من السيدة الأولى "أسماء الأسد"، ومديرية الشؤون الاجتماعية والعمل في "حمص"، ويهتم بهم نيافة المطران شخصياً، وتضم الكنيسة قسم "أخويات السيدات"، إيماناً منا بدور المرأة في المنزل والأسرة، حيث نهتم بتثقيف السيدات روحياً وأخلاقياً، فهن البناء الأول في المجتمع، ونقدم لهن محاضرات تثقيفية ودينية من الكتاب المقدس، ونقوم بنشاطات ورحلات وزيارات للمرضى. ولدى الكنيسة فرقة نحاسية فرقة كشاف، وصل عدد أعضائها حتى 70 شاباً وفتاة، يقومون بالعزف، وإضفاء أجواء جميلة وموسيقية في المناسبات والاحتفالات الكنسية والوطنية، ويوجد في كنيسة "أم الزنار" أيضا مركز للتربية الدينية، كمؤسسة تثقيفية من مرحلة الطفولة، حتى المرحلة الجامعية، نعمل فيه على تثقيف الشباب روحياً وثقافياً واجتماعياً وأخلاقياً، حتى نرفد المجتمع بجيل مثقف واعي، يعمل على بناء بلده، ولدينا كذلك في الكنيسة أخوية العائلة، يأتينا بزيارات شهرية الزوج والزوجة، ويتناولون المواضيع الروحية، والهدف من اللقاءات والاجتماعات في هذه الأوقات الصعبة ليجتمع أفراد العائلة في الكنيسة للخروج من الأجواء المشحونة، فتكون الكنيسة بيتهم الثاني الذي يلجؤون إليه».

أما وضع الكنيسة خلال الحرب، فقال عنه: «بقينا خلال الحرب راسخين، ولم نقبل الخروج من الكنيسة، حتى اشتداد الأحداث، وتهديم الجرسية، وإحراق الكنيسة بشكل كامل، وتم كسر الإيقونات داخلها والصلبان، فكانت هجرتنا الأولى من الكنيسة عام 2012 حتى عام 2014، حيث تركناها وأخذنا معنا الزنار المقدس. كانت الهجرة داخلية إلى القرى المحيطة، وعندما عدنا، أذهلنا منظر الكنيسة، وما حلَّ بها من دمار وخراب، وتكسير وحرق للمباني والملحقات، وحتى البناء الأثري القديم للمطرانية، المكان الذي عاش فيه البطريرك الأول "أفرام برصوم"، حيث وقع السقف كاملا ً، مثلها مثل جميع المباني حولها، ولكن وضع الكنيسة لم يحزننا أكثر من وضع المنازل المهدمة المحيطة بالكنيسة، التي نسعى جاهدين بتوجيه من المطران "سلوانس"، لإعادة ترميمها، وقد رممنا أكثر من 500 منزل في الأحياء المحيطة بالكنيسة، دعماً لعودة الناس، وتثبيتهم بأرضهم، وقد عاد الجزء الكبير منهم، ولا يزال مشروع إعادة الترميم قائم».

أحد أفراد الكورال "حلا السكت"

وتحدث النائب الأسقفي الخوري "أنطون جرادة"، قائلاً: «قامت الأبرشية - بمساعدة من المغتربين - بدعم الناس بكل إمكانياتها المادية والمعنوية، ومنذ بدأت هجرة بعض العائلات من بعض المناطق، قامت المطرانية بفتح أبوابها واستقبال الناس، وقدمت المساعدات، وعند عودة الناس قمنا بدعمهم بترميم منازلهم المهدمة من الحرب، وكل ما يلزمهم للحياة الكريمة، دون تمييز بين أبناء الطائفة وغيرها، بالإضافة للمساعدات التي قدمت من بعض المؤسسات، وحتى الآن توجد منازل قيد الترميم. كما نقوم بتقديم مساعدات لعائلات مستورة ولكن بشكل أقل من السابق، ونعمل على ترميم الكنيسة، وعملنا الأول على بناء الإنسان، كان يأتينا الحجاج قبل الحرب بشكل مجموعات يومياً من "أوربا"، والأمريكيتين، والبلاد العربية، ولكن بعد الأزمة، اقتصرت الزيارات على الوفود الرسمية والدبلوماسية التي تحضر إلى "حمص"، فنقوم بشرح قيمة الكنيسة التاريخية، وكل من يزور مدينة "حمص" عليه زيارة كنيسة "أم الزنار" لقيمتها التاريخية والأثرية على الصعيد العالمي».

وتحدثت "حلا السكت"، وهي أحد أعضاء كورال الكنيسة عن تجربتها، قائلة: «إن كورال الكنيسة من أروع الكورالات التي انتميت لهم، من حيث النشاطات التي تقوم بها، ومن أبرز نشاطاتنا حفلة في "دار الأسد"، وفي مدينة "حلب"، كما أقمنا عدة نشاطات منها خيمة رمضانية في "خان الوزير"، وأمسيات في كنيسة "مار جرجس"، وكل عام نقوم بإحياء مهرجان "السيدة" في شهر آب، فيقوم الكورال بافتتاحه، بالإضافة لمشاركاتنا الدائمة في الأعياد، ولدينا أصوات تميزت عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكافة وسائل الإعلام السورية، وتغطي قناة "السوبورو" كافة نشاطاتنا».