مملكةٌ هي صدى لمسيرة الأجداد، تخفي بين ثناياها الكثير من الكنوز والخفايا، فتحكي الكثير من القصص والحكايات، ففيها الرقائق الذهبية والمقابر الملكية، والأختام الأسطوانية، وقلادات ذات وظائف سحرية.

التقت مدوّنةُ وطن "esyria" الدليل السياحي "موسى فليح"، بتاريخ 7 شباط 2020 ليحدثنا عن تاريخ مملكة "قطنا" وآثارها، فقال: «سأتناول تاريخ مملكة "قطنا" بالاعتماد على الرُّقم التي وجدت في "ماري" و"تل الرماح" و"تل ليلان" و"قطنا"، حيث تمكن الباحثون من معرفة وكتابة تاريخ المملكة.

تحفظ المكتشفات في المتحف الوطني في "دمشق"، وإن مجموع ما عثر عليه في المقبرة الملكية يبلغ 2700 قطعة أثرية متنوعة، ولكن تم عرض 100 قطعة فقط مثل بعض الرقائق الذهبية، والحلي، والأختام الأسطوانية، وقطع مصنوعة من الذهب واللازورد، ورأس بطتين من الذهب فيها تأثيرات مصرية، وزنار مصنوع من الذهب والعقيق واللازورد وحجر الستاتيت، ومجموعة من اللقى العاجية بينها آلة موسيقية

بدأ الاستيطان فيها منذ العصر "الحجري الحديث" أي الألف الرابع ق.م، لكن الآثار الأولى للمدينة تعود إلى الألف الثالث ق.م، وقد استغل حكامها موقع مدينتهم المتميز جغرافياً، فتحولت لمنطقة عبور في قلب "سورية" وعلى أطراف البادية، فعمل أهلها كأدلاء لمرافقة وإرشاد القوافل في الصحراء، لم تكن "قطنا" تصدّر موادا أولية، وإنما تتاجر بمواد وبضائع ذات مصادر خارجية، واشتهرت بتجارة "القصدير"، وتجارة "النحاس" الذي كان يأتيها من "قبرص"».

الدليل السياحي موسى فليح

وتناول كيف تم اكتشاف "قطنا"، قائلاً: «تم اكتشاف "قطنا" عام 1924، إبان الانتداب الفرنسي عندما قام الكونت "دوبويسون" بالتنقيب في التل الأثري، حيث تم الكشف حينذاك عن القصر الملكي، وعن العديد من اللقى الأثرية، والرقم المكتوب عليها، وبفضلها تم التعرف على اسم الموقع، واستمر التنقيب من عام 1929 حتى عام 1982، ورغبة من الدولة في متابعة التنقيب، تم نقل القرية من داخل الموقع إلى منطقة مجاورة، واستأنفت أعمال التنقيب البعثة الوطنية بقيادة الدكتور "ميشيل مقدسي" عام 1994، بهدف الحفاظ على القصر الملكي وترميمه، وفتحه للزيارة، إضافة إلى متابعة البحث العلمي، ودراسة الموقع في عام 1999، فانضم إليها فريقان: أحدهما ألماني والآخر إيطالي، ومنذ ذلك الوقت وحتى بداية الأزمة التي عصفت بالبلاد، كانت البعثات الأثرية تسعى للكشف عن أسرار مملكة "قطنا"، مثل اكتشاف المقابر الملكية تحت قصرها، وحصلت المفاجأة الكبرى عام 2009، حيث عثرت البعثة الألمانية على مقبرة ملوك "قطنا"، وهي لا تزال على حالها، أي كما تركت قبل 5000 عام، حيث تم الكشف عن ممر طوله 40م وعلى عمق 7 م، بجانب العرش الواقع في القطاع الشمالي الشرقي من القصر، والذي كان ينقب به الفريق الألماني، ليتوصل إلى بئر عمقه 5 م، وغرفة تحت الأرض، فكان يظن في البداية إنها ممر سري "سرداب"، يوصل إلى خارج القصر، وتم العثور في الممر على 75 رقيماً عليه كتابة مسمارية، من الممكن أنها سقطت في الممر عندما انهار الطابق العلوي، أثناء تدمير وحرق القصر، ويعود تاريخها إلى منتصف القرن 14ق.م في عهد الملك "إيداندا"، حيث أنه صدر بيان يصف الكشف عن المقبرة الملكية من تقديم الدكتور "ميشيل المقدسي": (تضم المقبرة الملكية أربع قاعات، حفرت في الصخر على عمق 7م تحت قاعة العرش، يحرس مدخلها تمثالان لرجلين يجلسان على عرش يمثلان أرواح أجداد العائلة المالكة، ويؤدي الباب إلى صالة مربعة في وسطها 4 قواعد حجرية، وعلى جوانبها ناووس حجري وبقايا أربع مصطبات، أما الصالة الثانية فهي قاعة تحضير جثة الفقيد، وقد وجد علماء الآثار بقايا الهيكل العظمي موضوع على مصطبة حجرية، تغطيه طبقة من الكلس والوحل، والهدف منه تسريع تحلل الجثث، حيث كانت العظام تنقل لاحقاً إلى أحد النواويس، التي كانت تغطى بأقمشة تزين بقلادات ذات وظائف سحرية).

وأشار "المقدسي" إلى أن الكنوز التي وجدت في المقبرة تشهد على غنى "قطنا" ونفوذها ودورها المحوري في التجارة الدولية في العصور القديمة، إذ اكتشف وجود إناء ذهبي وحزام ذهبي مزين باللؤلؤ، ورصيعة ذهبية مزينة بحجر "الكورلانين" المستورد من "الهند"، إضافة إلى رأس "أسد" نحت بـ"العنبر" المستورد من "أوروبا الشمالية"».

الدكتور الباحث علي صقر أحمد

وعن حفظ المكتشفات، قال: «تحفظ المكتشفات في المتحف الوطني في "دمشق"، وإن مجموع ما عثر عليه في المقبرة الملكية يبلغ 2700 قطعة أثرية متنوعة، ولكن تم عرض 100 قطعة فقط مثل بعض الرقائق الذهبية، والحلي، والأختام الأسطوانية، وقطع مصنوعة من الذهب واللازورد، ورأس بطتين من الذهب فيها تأثيرات مصرية، وزنار مصنوع من الذهب والعقيق واللازورد وحجر الستاتيت، ومجموعة من اللقى العاجية بينها آلة موسيقية».

وقد أضاف الباحث الأثري الدكتور "علي صقر أحمد"، قائلاً: «تعد محفوظات القصر الملكي في "ماري"، مصدراً رئيسياً للتعرف على تاريخ "قطنا"، فهي برزت في القرن التاسع عشر ق.م كقوة سياسية أساسية في منطقة "الشرق" قاطبة، وقد أظهرت التنقيبات الأثرية أن موقع "قطنا"، كان مستوطنة قديمة للإنسان منذ عصور ما قبل التاريخ "العصور الحجرية"، ولكن أهميتها الحقيقية برزت في عصر ظهور الممالك الأمورية في بداية الألف الثاني ق. م، فقد قدم الأموريون إلى منطقة "الشرق" العظيم، فأسسوا ممالك عظيمة منذ نهايات الألف الثالث ق.م، وكان من أهم هذه الممالك "ماري"، "يمخاض"، "حلب"، و"آشور" التي تعد من أعظم إمبراطوريات الشرق العظيم، واستطاعت مجموعة من الأموريين السوريين، أن تؤسس إمبراطورية "بابل" القديمة، ومن أهم رموزها المشرع العالمي والتاريخي "حمو رابي".

موسى فليح مع أصدقائه في موقع قطنا

ومن الممالك العظيمة التي كان لها حضوراً سياسياً وتاريخي مملكة "قطنا/تل المشرفة"، حيث تم العثور على وثائق مسمارية مدونة باللغة البابلية القديمة، عثر عليها ضمن محفوظات القصر الملكي في مملكة "ماري"، تتحدث عن عظمة الأسرة الحاكمة في "قطنا"، ومن أهمها: رسالة من الملك الأشوري "شمسي أدد"، ملك "أشور" المؤسس لابنه ملك "ماري" "يشمخ أدد"، قائلاً: (أريد أن أزوجك ابنة "اشخي أدد" السلالة الحاكمة التي لها اسم كبير)، ورسالة يحث ابنه على معاملة ابنة "قطنا"، معاملة طيبة تليق بالأميرات قائلاً: (ألم يُسكنْ الملوك السابقون زوجاتهم في القصر؟ وأنت تريد لابنة "اشخي أدد" ملك "قطنا" أن تسكن في البادية؟ سيسمع والدها ذلك ولن يسعد قلبه.. إذاً لن يتم الأمر كذلك، ثمة غرف كثيرة قي قصر "النخيل"، ليتم اختيار غرفة فيه لتقيم فيها، أما في البادية فلا تتركها تسكن بكل الأحوال)».

يشار إلى أن مملكة "قطنا" تقع في قرية "المشرفة" بالقرب من مدينة "حمص".