لطالما شكلت تدمر محطة للباحثين عن حلول لألغازها وتفسير لعظمتها، ويعتبر اكتشاف "جمل عملاق" أثرياً واحداً من أهم الاكتشافات العلمية في صحراء تدمر، إلى جانب مفاجآت أخرى خزَنتها لملايين السنين.

من أهم ما اكتشفته البعثة الأثرية السورية- السويسرية المشتركة عام 2010 في منطقة حوض الكوم في تدمر في موقع "بئر الهُمّل" العثور على بقايا جمال من فئات غير معروفة وجدت في طبقات يعود تاريخها إلى 400 ألف سنة مضت، وبالأخص اكتشاف أجزاء من هيكل عظمي لجمل عملاق يفوق حجم الجمل الحالي بمرة ونصف أو بمرتين، إضافة إلى عثور البعثة على مجموعة أدوات صوانية تعود إلى حقب تاريخية موغلة في القدم تصل إلى مليون سنة.

هذا الاكتشاف للجمل العملاق يعتبر ذا أهمية علمية كبيرة تحتاج إلى دراسة أدق

وعن تفسير لغز هذا الجمل العملاق يتحدث لمدونة وطن eSyria الباحث الجيولوجي "رياض اسمندر" بتاريخ 9/8/2013 فيقول: «تعيد الأبحاث الجيولوجية حول منشأ الجمال أصلها إلى أمريكا الوسطى والشمالية بناء على اكتشافات لمستحاثات جمال في تلك البلاد، وأنها انتقلت عبر مضيق "بيرينغ" في ولاية ألاسكا الأميركية إلى آسيا وإلى الصين تحديداً قبل أن تمر إلى إفريقيا بما في ذلك بلدان المغرب العربي، ويسود الاعتقاد في الأوساط العلمية بأن تاريخ وصول الجمال إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا يتعدى عشرة آلاف سنة.

ولكن هذا الاكتشاف الفريد يلغي تلك النظرية ويجعل من الجمل- كما يقول المهندس "وليد أسعد" من مديرية آثار تدمر- ابناً لهذه المنطقة وليس وافداً إليها، كما أن هذا الاكتشاف الأثري يغيّر فهماً ظل سائداً فترة طويلة بأن الجمل الذي هو رمز الصحراء العربية ويسمى سفينة الصحراء، وافد للمنطقة العربية من شرق آسيا أو من إفريقيا من عشرة إلى خمسة عشر ألف عام، ذلك أن اكتشافه في فترة تعود لما بين 80 إلى 120 ألف عام يغير المفهوم السائد».

ويؤكد هذا الكلام البروفسور "جون ماري لوتانسورر"، رئيس الجانب السويسري في البعثة الأثرية السورية- السويسرية المشتركة في منطقة الكوم، حيث يقول في تصريح سابق له لوسائل الإعلام: "لقد عثرنا على بقايا جمال في كل الحقب التاريخية القديمة الممثلة في بئر الهمل بحوض الكوم، وأغلبية الأصناف التي عثرنا عليها غير معروفة ولم يسبق أن تمت دراستها ولذلك سوف لن نهتم بتحديد مراحل تاريخ الإنسان بالمنطقة فحسب بل بتاريخ الجمال أيضاً".

وكانت البعثة الأثرية السورية- السويسرية المشتركة قد عثرت على بقايا عظام الجمل العملاق منذ عام 2003 في طبقة تعود إلى "الحقبة الموستيرية" أي في حقبة تمتد ما بين 120 ألف عام و80 ألف عام قبل الميلاد. وتمكنت في نهاية المطاف من العثور على 30 قطعة من الهيكل العظمي لهذا الجمل العملاق".

ويتذكر البروفسور "لوتانسورر" أنه عند العثور على القطعة الأولى لهذا الجمل العملاق اعتقدنا أن الأمر يتعلق بهيكل عظمي لزرافة نظراً لضخامته، ولكننا تأكدنا فيما بعد من أن الأمر يتعلق بعظام جمل يفوق حجم أكبر الجمال العادية بمرة ونصف أو بمرتين. وهو صنف لم يتم التعرف عليه من قبل ولم يكن أحد يعلم بوجوده. ويقول عالم الآثار السويسري إن «هذا الاكتشاف يعد أهم اكتشاف نعثر عليه إذ يتعلق الأمر بصنف حيواني جديد من فصيلة الجمال، وأن هذا يعني أن هناك مناطق وحقباً زمنية في سورية أو في العراق أيضا (نظراً للتشابه بينهما)، لم يتم التنقيب فيها وإلا لكنا قد عثرنا على بقايا هذا الجمل في مناطق أخرى من هذه المنطقة التي من المؤكد أنها كانت أساسية ومركزية لتطور الجمال بكل أصنافها».

وترى الدكتورة "هبة السخل" المسؤولة عن نشاط بعثات التنقيب الأجنبية في سورية أن «هذا الاكتشاف للجمل العملاق يعتبر ذا أهمية علمية كبيرة تحتاج إلى دراسة أدق»، كما تتوقع أن تتم اكتشافات أخرى في المنطقة عبر التنقيبات الجديدة لأنه من المستحيل العثور على قطعة واحدة.

وتضيف: «إن هذا الاكتشاف المهم جداً من قبل الخبراء سيتم توظيفه في إطار إعادة تنظيم العرض المُتحفي سواء في تدمر أو بسورية لإظهار أهمية هذه الاكتشافات الحديثة وإظهار ما سيتم اكتشافه من المحيط الذي عاش فيه وكيفية تكيفه».

وفيما يخص التفسير المحتمل لوجود حيوان بهذا الحجم في المنطقة، يقول البروفسور جون ماري لوتانسورر: «نعرف أن هذه الحيوانات كان لها وجود في العصور القديمة ولو أننا نجهل كلية كيفية تحولها إلى حيوانات ضخمة، ولكن ما نعرفه هو أن هذه الحيوانات اختفت بشكل فجائي وكأنها أصبحت أكبر بكثير وغير متلائمة مع تحولات طرأت آنذاك.

وقد يكون هذا الجمل العملاق ونظراً لضخامة جسمه وصل إلى مرحلة اختلال في التوفيق بين احتياجاته اليومية وبين ما هو متوافر من موارد طبيعية ما جعله ينقرض نهائياً في حدود 80 ألف عام قبل الميلاد».

ويعتبر "الجمل العملاق" النموذج الوحيد الذي تم العثور عليه في العالم من هذه الفصيلة غير المكتشفة من قبل والتي قد تكون انقرضت بشكل مفاجئ بسبب عدم تلاؤمها مع المحيط الذي تعيش فيه.