لعل من أجمل المناظر والآثار الموجودة في مدينة تدمر هي قلعة تدمر، أوالمساماة أيضاً قلعة فخر الدين المعني الثاني الواقعة فوق أكبر وأعلى جبال تدمر.

من فوق رابية صخرية بارتفاع 150م عن سطح الأرض تطل القلعة على مدينة تدمر وواحتها، يحيط بالقلعة خندق بعرض 12م وعمق 12م أقيم كمانع مائي لمنع المهاجمين من الدخول إليها. وبذلك فقد كانت واسطة الدخول الوحيدة إلى القلعة هي الجسر المتحرك القائم على دعامات، والذي يقع فوق الخندق أمام المدخل الرئيسي المتجه إلى الجنوب الشرقي وعندما كان أعداء تدمر يصلون إلى أسفل القلعة كان جنود الحامية يسحبون هذا الجسر لمنعهم من الصعود إليه، لتصبح القلعة معزولة تماماً عن محيطها بواسطة الخندق الذي استُخدم كمقلع للحجارة لبناء القلعة نفسها، ويُلاحظ أن كل أحجار القلعة أخذت من هذا الخندق، باستثناء دعامتين صغيرتين استُخدمتا في بناء الباب الداخلي، وهذا كان كسباً كبيراً لمدينة تدمر، لأن بُناة القلعة لو أرادوا آنذاك أن يأخذوا من حجارة تدمر لبناء القلعة لخربوا الكثير من أوابدها، ولما وصلنا منها شيء ذا أهمية أثرية. جاء بناء قلعة تدمر التي تحتل قمة مرتفع شاهق شديد الانحدار من جوانبه كافة كأول بناء متكامل قوي في عهود تدمر، وزاد الخندق المحفور على جوانبها في منعتها، كما ساهم ارتفاع أسوارها وطوابقها في زيادة مدى إشرافها ومراقبتها لما يجري في حوض تدمر وقسم من جبالها وأوديتها.

تُنسب القلعة إلى الأمير فخر الدين المعني الذي حكم جبل لبنان وأجزاء من سورية في بداية القرن السابع عشر الميلادي، ويعود أصل القلعة إلى زمن الحروب الصليبية، حيث عمل أتابكة دمشق والزنكيون والأيوبيون على تجهيز المدينة بوسائل متعددة للدفاع، فكانت محصنة تقف بوجه الصليبيين كموقع دفاعي ممتاز. عُثر بين أنقاض القلعة على خزفٍ يعود إلى تلك الحقبة من الزمن، ويمكننا أن نشاهد بقايا قواعد الجسر المتحرك الذي أقيم فوق الخندق المحيط بالقلعة.

القلعة الرابضة على الجرف الصخري ..تتحدى الزمن

بًُنيت القلعة في عهد أسد الدين شيركوه الذي كان والياً على كل من حمص وحماة والسلمية وتدمر، تحت إمرة صلاح الدين الأيوبي لتكون بمثابة الحامية العسكرية لجند شيركوه. وخلال هذه الفترة قام (يوسف بن فيروز) حاكم تدمر ببناء الجدار الأمامي للقلعة وحوَّلها إلى مدينة محصنة لحماية الأهالي أثناء الغزوات، فأصبحت بمثابة الملجئ الذي تستخدم في زمن الحروب. في القرن السابع عشر قام الأمير فخر الدين المعني بتأديب قبائل البادية السورية، الذين كانوا يعيثون خراباً وفساداً في هذه المنطقة من خلال فرمان صدرعن السلطان العثماني (مراد الرابع)، ورأى الأمير فخر الدين قلعة تدمر فأعجب بها، وأمر بترميم أجزائها المنهارة للدفاع عن المدينة والبادية وحمايتها من الغزوات، ولأنه كان آخر من استخدمها فقد نُسبت القلعة إليه. تتميز القلعة بشكلها المربع ومداخلها المتعرجة، كما أنها تحتوي على عدة غرف تحت الأرض كانت تُستخدم كمخازن صهاريج تُستَجرْ مياه الأمطار منها بواسطة ميازيب إلى الأحواض المخصصة في الصخر لجمعها، واستخدامها من قبل الحامية الموجودة في القلعة.

وتحوي القلعة أيضاً معبد بل الذي يتوسط حرماً مخصصاً للكهنة، ويتضمن أبراجاً أربعة وفي داخله بيت الصنم وطرازه كلاسيكي صرف. وله بوابة بروبيله كذلك حوله رواق محمول على أعمدة ذات تيجان كورنثية، أما سقف الرواق فهو عبارة عن بلاطات حجرية ذات نقوش مختلفة.

القلعة من الأعلى في فجر أحد الأيام ..

قلعة تدمر شاهد حي.. حجري صامت.. لكنه يخبر الكثير عن تدمر.. وتاريخها العريق.