بدأت حكاية السوق من حكاية الحي الذي يعدّ أكثر أحياء "حمص" احتواءً للثقافات والتقاليد، التي أنتجت مثلها من الحلويات والعادات والأكلات، واندمجت مع طبيعة سكانها.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 15 تموز 2015، المخرج المسرحي "زكريا مينو"، أحد سكان حي "الخضر"؛ ليحدثنا عن سوق الحي الذي يرتاده كزبون دائم في أغلب المناسبات، يقول: «منذ عشرات السنين وأنا أرتاد سوق الحي الذي أشتري منه أغلب حاجياتي بحسب كل مناسبة، خصوصاً هذه الفترة من السنة؛ حيث نحتاج إلى حلويات رمضان الحمصية التي تصنع مباشرة في محال السوق، من قبل أشخاص احترفوا هذه المهنة بالوراثة، إضافة إلى حلويات العيد، وما يميز هذا السوق أن العاملين فيه اعتادوا تقديم أفضل الأنواع، ويعجزون عن التخلي عن هذا المستوى، وهو ما يجذب أغلب سكان "حمص" إليه».

سكنته الطبقة الشعبية والمتنوعة، أغلبهم من أهالي "حمص" والمهاجرين من القرى من أربعينيات القرن الماضي، قبل التوسع العمراني، إذ تم وضع منطقة حماية من "باب السباع" حتى شارع "الحضارة"، منذ 1946

أما عن تاريخ الحي وسوقه، فيتابع "مينو": «يعدّ حي "الخضر" امتداداً جغرافياً للمدينة القديمة، وهو خارج أسوارها، فحتى عام 1930 كان عبارة عن كروم خضراء بجانب مقام الخضر، وجامع عثمان بن عفان، منذ أربعينيات القرن الماضي، بدأ تجمع تجاري قرب مدرسة "رزق سلوم" حالياً، ثم أصبح سوقاً للغنم عام 1964، حين دخل التنظيم الإداري الحي، وهنا بدأ تنظيم الحي والسوق الذي ما زال مستمراً حتى اليوم، ويضم مختلف أنواع التجارة بحسب المناسبات».

زكريا مينو

سكنت الحي الطبقة المتوسطة والشعبية، خصوصاً أصحاب المهن والموظفون وأصحاب الدخل المحدود، وهو ما يراه "مينو" أرضية خصبة ساهمت ببقاء السوق واستمراره، يتابع: «سكنته الطبقة الشعبية والمتنوعة، أغلبهم من أهالي "حمص" والمهاجرين من القرى من أربعينيات القرن الماضي، قبل التوسع العمراني، إذ تم وضع منطقة حماية من "باب السباع" حتى شارع "الحضارة"، منذ 1946».

أما عن تطور السوق تاريخياً فيقول: «هناك ثلاثة شوارع في سوق الحي، إضافة إلى شارع "عكرمة" الرئيس؛ وهي: شارع الزهور "الفارابي"، شارع "الصلاح"، شارع "الأغر"، وكان يشتهر في السوق النول والنسيج في الزمن الماضي، أما في السنوات الخمس السابقة، فقد أصبح السوق تجمعاً لعدة أسواق في "حمص"، فكان هذا السوق، وهو تطور طبيعي في هذا الحي المزدحم، باعتباره مصنعاً للحلويات الشعبية، ومعامل صغيرة شخصية؛ حيث تباع المواد مباشرة للناس من دون وسيط، إضافة إلى نشوء ظاهرة جديدة؛ حيث تبيع عائلات حمصية مشهورة بأكلات رمضان والعيد؛ منتجاتها المشغولة بطريقة خاصة ومميزة عن حلويات السوق للناس مباشرة فيه».

محمد ابراهيم

"الهريسة، والعوامة، والمشبك، والأندلسية، والحلاوة الحمصية"؛ هي أبرز الأكلات التي تباع في سوق رمضان الذي يتحدث عنه بقوله: «عائلات معروفة اشتهرت بصنع هذه الحلويات أبرزها عائلات "الصفوة، السواس، المهباني" المشهورة بأقراص رمضان والعيد، وبرك "عش البلبل" التي هي عجينة خاصة "رقائق" تشبه عش البلبل؛ فيها حبتّا صنوبر فقط كشكل بيض البلبل مع لحمة ودبس وطعم مالح قليلاً، ولها اسم آخر "المضفورة"، إضافة إلى "المعمول بعجوة التمر" أو جوز الهند والسكر، بسبب كثرة الجوز بأغلب بساتين "حمص"، وهو أرخص من الفستق الحلبي وذو قيمة غذائية عالية».

"محمد ابراهيم" مختار حي "الخضر" يتحدث عن القيمة الاجتماعية للسوق، والمنطلقة من الاندماج السكاني الكبير في الحي، حيث يقول: «اختلاف نوعية السكان ومجيئهم من مختلف المناطق منذ أربعين عاماً، صنع أرضية تجارية واقتصادية، كما ساهم تقارب الطبقات الاجتماعية بالتعرف إلى تقاليد السكان، وهو ما أدى إلى وجود عادات جديدة ومهن، حيث كانت النتيجة سوق الحي الممتد منذ عشرات السنين، ويتلوّن بحسب المناسبة، فيستطيع السكان من خلال سوق رمضان، إيجاد جميع أنواع الحلويات الحمصية المشهورة، مع قدوم تجار من أحياء أخرى، ليفتحوا محالهم ويبيعوا للسكان بضائع جديدة كخبز رمضان الذي ينتج من فرن موجود في السوق مباشرة ويلاقي قبولاً كبيراً، وفي آخر عشر أيام من رمضان، يبدأ السوق بيع حلو العيد، ومستلزماته كافة، بما يناسب جميع الطبقات والأذواق».