حين قدم السيد "منذر منير" إلى "حمص" بعد غربة دامت عقودا في المملكة العربية السعودية، استرعى انتباهه عودة مقاهي الرصيف لواجهة المدينة، بعد أن اختفت لفترة ارتبطت لديه بجيل والده وأعمامه.

يقول «عادت بي هذه المقاهي الموزعة على أرصفة "حمص" ولاسيما الأحياء العريقة منها لأيام قديمة كان فيها مقهى الرصيف علامة فارقة».

عادت بي هذه المقاهي الموزعة على أرصفة "حمص" ولاسيما الأحياء العريقة منها لأيام قديمة كان فيها مقهى الرصيف علامة فارقة

يفضل السيد "منذر" وأبناؤه ارتياد هذه المقاهي، بدلا من تلك المغلقة والموجودة في أحياء حديثة، معللين الإصابة بالتخمة من تلك المقاهي التي كانوا يرتادونها في الغربة. فهم يرغبون بالدخول في معالم المدينة وأهلها من خلال مقاهي الرصيف».

الحاج بسام حمصى صاحب مقهى الفرح

موقع eHoms التقى الحاج "بسام حمصى" (أبو طلال) صاحب مقهى "الفرح" المعروف بحمص للحديث عن هذه الظاهرة فقال: «المقاهي عموماً كانت مغلقة أما الآن فقد أصبحت على الأرصفة وذلك يعود إلى الجو الهادئ، والمدخنون لا ينحصرون بنطاق ضيق للتدخين، في عام 1960 كان يجلس بها الناس عائلات عائلات مثال: "عائلة دروبي" و"عائلة الأتاسي"، وكل عائلة لها زعيم.

اختفت تلك الظاهرة تدريجياً أما بالنسبة "لمقهى الفرح" فقد كانت هذه الظاهرة موجودة فيه منذ عام 1860 وحتى الآن على الطريق فقد كانت على شكل مكان لبيع الخيول يجلس فيه الأغوات يتفرجون على خيول بعضهم ويبيعونها ثم تطور هذا المكان فقد أصبح هناك المحلات وتوسعت المدينة وانتشرت فكرة المقهى بشكل عام وخاصة الطرقية وأيضاً بعد الانتشار الكبير للمقاهي في باقي دول العالم لتصبح على هذا الشكل الذي نراه حالياً وأنا شخصياً من خلال تجربتي الطويلة أفضل المقاهي الطرقية المكشوفة على المغلقة لما تقدمه من أرحيّة للزبون وخاصة في أيام الصيف ولا يكون فيه الزبون مقيداً بحيزٍ ما».

السيد ملاذ أسعد مدير مطعم الالونا

وعن الجيل الحديث من هذه المقاهي حدثنا السيد "ملاذ أسعد" مدير مطعم "لالونا" في شارع الحمراء بحمص قائلاً: «نحن أول مطعم في المنطقة قام بهذه الفكرة (المطعم على الرصيف) والذي قام بالفكرة هو صاحب المطعم صراحة، وقد أتت هذه الفكرة من المطاعم الغربية وخاصة المطاعم الإيطالية في إيطاليا والمنتشرة بكثرة على الأرصفة ويأتي السيّاح من المناطق المختلفة للتمتع بالجلوس في هذه المطاعم والمقاهي ونحن قمنا بتجربة تطبيق هذه الفكرة منذ حوالي أربع سنوات.

ومع ازدياد وعي الناس لهذا النوع من المطاعم وازدياد موسم السياحة في المنطقة وخاصة في الصيف قمنا بتجهيز الرصيف في الخارج ووضع الكراسي والطاولات على الرصيف لكي تلائم حاجة السائح الذي اعتاد على مثل هذه المطاعم في بلده إضافة إلى ان المنطقة أصبحت بحاجة إلى هذا النوع من المطاعم ولاسيما مع هذا التطور الكبير التي شهدته المنطقة في الآونة الأخيرة، وحالياً في هذا الوقت الناس تفضل الجلوس في الخارج "على الرصيف" وذلك لأننا قمنا بتجهيز القسم الخارجي بتدفئة اللازمة وسقف وإحاطة الرصيف بعازل شفاف يمنع دخول المطر والصقيع والناس أحبت الفكرة وخاصة لتشاهد المطر وهو يهطل والثلج وهو يتساقط وأيضاً الخدمة الممتازة هي من أحد عوامل جذب الزبون لمثل هذا النوع من المطاعم، ونحن نلاحظ إقبال الناس بشكل كبير في فصل الشتاء أو الصيف وأظن أن هذا شيء جيد ودليل انفتاح مجتمعنا على الغرب بشكل لافت ونحن نطمح إلى تطوير هذه الفكرة في القريب العاجل».

مطاعم شارع الحمراء

وللحديث عن تطور المقاهي وخاصة المقاهي الطرقيّة حدثنا الأستاذ "محمد شاهين" صحفي متقاعد في جريدة العروبة قائلاً: «في الحقيقة لو أردنا التكلم عن المقاهي في "حمص" لابد أن نتكلم عن المقاهي بشكل عام حيث إن مدينة "حمص" قديماً كانت تضم من 30 إلى 40 مقهى موزعة في أحياء المدينة ومركز المدينة فكان هناك قهوة "الفريال" وقهوة "الروضة" و"الفرح" و"جورة الشياح" ومع تطور الزمن ازدادت الأبنية الطابقية والمتاجر الكبيرة مما قلل عدد المقاهي في المنطقة ولاسيما أن المقاهي في ذلك الوقت كانت أشبه بالمنتديات الثقافية وحلقات حوار تداول بها أهم قضايا البلد وكان أشهر هذه المقاهي الرصيفية هو "مقهى الفرح" حيث كان يجلس فيه العديد من رجال السياسة ورجال الصحافة والأدب وكان يجذبهم إلى هذا النوع من المقاهي مكان الجلوس ألا وهو الرصيف للتمتع بجمال الطبيعة في ذلك الوقت وشرب كأس الشاي والنرجيلة.

وأنا كنت أرتاد المقهى وما زلت منذ زمن قديم حيث كنا نلتقي مع الزملاء ونتداول أخبار البلد ساعة بساعة، كانت "قهوة الفرح" و"قهوة الجزار" مكان بناء "البلازا" الحالي و"مقهى الفريال" و"مقهى المنظر الجميل" التي كانت ساقية حمص تمر بجانبها والتي هي الآن بناء زيتون بجانب "سينما حمص" ومقهى "الدبلان" الذي سمي شارع الدبلان باسمه جميع هذه المقاهي التي ذكرتها كانت مقاهي على الأرصفة وكانت مشهورة جداً بسب أرصفتها وخاصة "مقهى الدبلان" الذي من كثرة ارتياد الناس لهذا المقهى طغى اسم المقهى على اسم الشارع الذي كان اسمه لدى البلدية شارع "المتنبي" وأظن أن هذه المقاهي كانت أحد عوامل التراث لدى مدينة "حمص" فقد اكتسبت شهرة كبيرة آنذاك ولكن مجلس المدينة قام بعمليات توسيع للمنطقة ما أدى الى فقدان هذه المقاهي ولم يبق سوى "مقهى الفرح" و"الروضة" إلى الآن وأذكر أنني كتبت عنها في جريدة "العروبة "حينها لأنه لم يبق من مقاهي الرصيف سوى "الفرح".

أما في الوقت الحالي فأنا أرتاد المقهى بشكل يومي للجلوس مع الزملاء ومشاهدة لعب الورق والزهر ولشرب الشاي وهذا نوع من تغير الجو ولاسيما انها على الرصيف يمر من أمامها الكثير من الناس فلا تشعر بالملل والوحدة حتى ولو جلست وحدك، وأنا أظن أن هذا النوع من المقاهي مهم جداً وأجد أنه من الضرورة التوسع بها ودعمها من قبل مجلس المدينة لما لها من منظر سياحي وجمالي في المحافظة».

والجدير ذكره أن مدينة "حمص" تملك في شارع الملعب البلدي وعلى طول الرصيف التابع للملعب العديد من المقاهي التي تعتبر من المقاهي الطرقية المتبعة النظام الإيطالي في الجلوس أي نظام الأرصفة مضفية منظرا جميلا وسياحيا على المنطقة.