تمتاز القرى المحيطة بمحافظة "حمص" بطبيعتها الغنية بالأشجار ومنها الأشجار المعمرة التي ما زالت إلى اليوم مقصداً للناس من مختلف الجهات، فهكذا أشجار تعتبر وجهة للمسافرين والسياح منذ عقود، كما أنها تعتبر ملاذاً لأهالي البلدة ومجمعاً للذكريات.

وللتعرف على إحدى هذه الأشجار زار موقع eHoms شجرة الدلب الموجودة في المرج الشرقي لبلدة "حديدة" والتي تقع بجانب بئر مياه ما زال إلى اليوم حيث تحمل معها الكثير من الذكريات، شجرة الدلب المعمرة التي تجاوز عمرها المئتي عام بحسب تقديرات السكان المحليين الذين عاصروها حيث يروي لنا السيد "يوسف خليل" ابن التسعين عاماً بأن هذه الشجرة كانت قصصها تروى من أيام أجداده، وهو الذي يذكرها منذ كان صغيراً بحجمها الضخم وأغصانها الواسعة الامتداد، ويخبرنا "يوسف" قائلاً: «إن هذه الشجرة كانت محط استراحة للمسافرين من كافة الجهات بحكم وجودها على الطريق القديم الواصل بين "سورية" و"لبنان" وما يميز هذه الشجرة وجود صخرة كبيرة أمامها تستخدم للجلوس كانت فيما مضى تستخدم لجلوس المسافرين واستراحتهم حتى أن "شارل ديغول" عندما قدم إلى المنطقة عن طريق نهر "الكبير الجنوبي" كان يجتمع بجيشه عندها بالقرب من الجسر الذي يفصل بين الحدود "اللبنانية" و"السورية"، والذي عبر من خلال منطقة "حديدة" متوقفاً عند شجرة الدلب وجالساً على الصخرة المستطيلة الشكل.

اليوم أصبحت الدلبة مهملة والقليل من الناس بات يقصدها، ربما السبب يعود إلى انشغال الناس بمصاعب الحياة، وتطورات العصر التي باتت تفرض نوعاً معيناً من السهر على خلاف أيامنا حيث كنا نقضي أجمل السهرات تحت هذه الشجرة

وبجانب الشجرة بناء مهجور قديم كان يستخدم كسكن لوزارة الداخلية ومحلاً لبيع البقالة والخضار وما زال قائماً كبناء وحاضراً في الذاكرة الشعبية كإرث للبلدة محملاً بعبق الماضي والحنين إلى الجلسات التي كانت تعقد في ظل هذه "الدلبة"».

السيد "يوسف خليل"

ويقول السيد "حيدر خليل" ابن السبعين عاماً «إن بلدتنا عريقة بتراثها وغنية بإرثها الثقافي والاجتماعي والحضاري نتمنى ألا تسرقه الحياة العصرية وتضعه طي النسيان متمنياً على الأجيال القادمة تحقيق تطور علمي وتكنولوجي دون نسيان الماضي.

ويحدثنا عن شجرة الدلب بنبرة حنين إلى الماضي قائلاً: «هذه الدلبة تعرفنا جميعاً كما عرفت أجدادنا، فقديماً كانت مقصداً لجميع أهالي البلدة، كنا نجلس تحت أغصانها ونتبادل الأحاديث وفي أيام الحر لم يكن لدينا أفضل من الجلوس تحتها والتنعم بالهواء العليل، لذلك نعتبرها ذاكرة البلدة فأي أمر مهم كان يناقش تحت ظلالها».

شجرة الدلب أمام المبنى القديم

ويأسف "حيدر" على الأيام الخوالي فيقول: «اليوم أصبحت الدلبة مهملة والقليل من الناس بات يقصدها، ربما السبب يعود إلى انشغال الناس بمصاعب الحياة، وتطورات العصر التي باتت تفرض نوعاً معيناً من السهر على خلاف أيامنا حيث كنا نقضي أجمل السهرات تحت هذه الشجرة».

وعن طبيعة الاعتناء بهذه الشجرة يقول "حيدر": «شجر الدلب من الأنواع البرية والذي لا يحتاج إلى أحد للاعتناء به، فهذه الدلبة تأخذ حصتها من المياه في فصل الشتاء عند تساقط المطر وهي لا تحتاج إلى حراثة لأرضها أو تقليم لأغصانها، لذلك أجدها شجرة كريمة تساهم في تلطيف الجو وتمتيع عيوننا بالنظر إليها والجلوس تحتها من دون أن نقدم لها أي خدمة سوى الحفاظ على وجودها».

كذلك التقينا برئيس مجلس البلدة السيد "إياد المنصور" الذي قال: «هذه الدلبة عريقة فهي عاصرت أجيال كثيرة وما زالت إلى اليوم محافظة على رونقها وجمالها، وهي تعتبر إرثاً للبلدة ولهذا السبب نحاول في مجلس البلدة الاهتمام بها وبأي معلم أثري من شأنه أن ينهض بالبلدة ويضعها ضمن التصنيفات السياحية، فبعد التطور العمراني الكبير الذي تشهده البلدة نحاول جاهدين الحفاظ على المناطق الخضراء، وبسعينا هذا نكون قد وفقنا في حماية البيئة وأدينا واجبنا تجاه طبيعة بلدنا الغنية والرائعة والتي لا تتطلب منا الكثير فالقليل من الاهتمام والتوعية بين الناس يساعد في الإبقاء على التراث من التدهور وحماية هذه المعالم لإيصالها إلى الأجيال القادمة».