حوض العاصي لوحة طبيعية متكاملة يشكل النهر عنصرا رئيسيا فيها تضاف إليها بساتين الميماس الحمصية ونواعير حماة والهضبة.

ضفاف نهر العاصي تشكل عنصرا جماليا حيويا يتكامل مع النهر والنواعير، هذه الضفاف التي يفترض أن تبقى مساحات خضراء، وبهذا تكون المحافظة على هذه البساتين المتبقية واجبا وهما عاما ومسألة لا تخضع للمساومة. أعوام ارتكبنا خلالها الكثيرمن الحماقات بحق ضفاف النهر وبيئته ما يكفي، وحولنا آلاف الدونمات من البساتين الجميلة حول النهر إلى أبنية قبيحة من كتل الإسمنت، يكفي أن نتذكر أن البساتين في يوم ما كانت مكان ساحة العاصي الأخضر.

وإذا استمرينا على هذا المنوال في السنوات القادمة فلن يجد الزائر لضفاف عاصي حمص وحماه أي شيء يدعوه للدهشة سوى قذارة نهر ملوث وكتل من البناء التجاري الرث تكاد تصل إلى ضفة النهر، وفي أماكن أخرى يتم إزالة البساتين لشق طرقات وبناء مطاعم ومقاهي.

ehoms تجولت على ضفاف العاصي الهرم والتقت بعض المواطنين المتجولين على ضفة العاصي في منطقة بساتين الميماس التي لطالما كانت قبلة المصطافين الحمصيين في سنوات القرن الماضي، أبو أحمد كان مع زوجته وحفيدته الصغيرة يتمشون مقابل مطعم ديك الجن، استوقفا أكثر مظهره المسن الأمر الذي دفعنا إلى سؤاله عن العاصي أيام زمان فقال: "كل حمصي أصيل لا يستطيع أن ينسى العاصي القديم وأقول القديم لأن ما نعرفه عن هذا النهر لأنه لا يشبه ما نعرفه في ستينيات القرن الماضي على أقل تقدير، الميماس كان جنة خضراء تجد الناس أيام العطل وخصوصاً في الربيع مفترشين الأرض بعشبها وكل منهم يحمل سلة غذائه ومن حوله أطفاله يلعبون على العشب الأخضر، أما الآن فتنشر المطاعم على ضفاف العاصي وهذا أمر حضاري وينعش الحركة في المدينة، لكن لم تؤخذ معايير السلامة البيئية بالحسبان، أي كل مطعم أو مقصف شيد على الضفاف قريباً من مناطق الأشجار والبساتين، بل إن معظم هذه المطاعم اضطرت لاكتساح دنمات من البساتين الخضراء لتشييد منشآتها التي وإن حملت المزايا الترفيهية بأعلى مقياس فإنها لن تضاهي ولن تعادل الترفيه الذي كان يستمتع به الحمصيون القدماء، فالطبيعة الحقيقية وجمالها وهواؤها النقي آنذاك لن يضاهيه أي مطعم حضاري".

زوجته الحاجة أم محمد شاركت زوجها رأيه وهي تحمل حفيدتها بين ذراعيها قائلةً: "نعم لن أنسى الأيام التي قضيناها في ربوع ميماس أيام زمان، مستمتعين برؤية مياه العاصي الوفيرة الإنسيابية والأشجار الوارفة. لماذا لا نفكر جدياً في إزالة تدريجية للمنشآت التي تشوه ضفة النهر مع تعويض مجز لأصحابها، وتوسيع مفهوم حرم النهر في الضفتين بحيث يقتصر حرم النهر على زراعة الأشجار والورود والمساحات الخضراء..؟".

ليست هذه مجرد وجهة نظر من المواطن الحمصي أبو أحمد وزوجته فحسب، بل هذه آهة مكبوتة في قلوب حماصنة كثر، وخصوصاً من هم حريصون على عاصيهم الذي أصبح مريضاً جراء الملوثات البشرية والصناعية، بعد أن كانت هذه المياه تتدفق رقراقة عذبة، وحافتيه تغطيهما الأعشاب المزهوة وأشجار الصفصاف الدائمة الخضرة التي تغنى بها الشعراء ووصفها الكتاب بأجمل الصور.

على أي حال لابد من إثارة الانتباه لموضوع ضفاف العاصي لعل المسألة تدرس بتوسع أكبر وتطرح ليس برسم البلدية أو المؤسسات الحكومية المسؤولة فقط ولكن برسم المجتمع كله ونخبه الواعية المثقفة.