على ثرى القرية القديمة والتي تدعى بـ"الشحارة"، ومن الطرف الجنوبي من قرية "المزينة" الحالية، تتربع كنيسة "الشحارة" العجائبية والتي تحمل على الرغم من صغرها معاني مقدسة للسيدة "العذراء مريم".

مدونة وطن "eSyria" زارت الكنيسة بتاريخ 1/12/2012 والتقت السيدة "هالة حيدر" من أهالي قرية "المزينة" التي تحتضن كنيسة "الشحارة" من زوار الكنيسة الدائمين، والتي تحدثت عن قدسية الكنيسة بالنسبة لأهالي القرية بالقول: «اعتاد سكان وأهالي قريتنا على ارتياد الكنيسة كمعلم روحي له قدسيته وأهميته الدينية منذ القدم، فيحمل كل شخص تقديراً لها في داخله وإيماناً بأن لها القدرة العجائبية على مساعدته في إكمال حياته وتحقيق طلب أو أمنية ما أو شفاء من مرض معين، إضافة لكونها مركز يحجّ إليه مسيحيو "حمص" وقراها بشكل مستمر، وبالنسبة لي ولعائلتي فهي الصرح الديني الذي نقصده في كلّ المناسبات الدينية على مدار العام».

أعمل في الكنيسة في غرفة التذكارات وذلك في أوقات الفراغ بعد دوامي المدرسي، وأعتقد أن أهم ما يميز عملي هو أنني أعمل في مكان مقدس، ولاكتظاظه الدائم بالزوار الذين يحرصون دائماً على التردد للصلاة فيها، وعلى شراء إحدى التذكارات من الكنيسة إضافة إلى أنه يوفر لي دخلاً معقولاً كشاب في عمري

كاهن الرعية الأب "بطرس حزوري" تحدث عن السبب الرئيسي لتسمية الكنيسة وتاريخ بنائها، مشيراً بالقول: «تعود تسمية الكنيسة "الشحارة" أو "سيدة البشارة" نسبة لقرية "الشحارة" التي تقع في وسطها، وهذا ما تؤكده الكتابة الموجودة على الصينية المقدسة الفضية والتي تعود لعام 1814م.

الكنيسة الجديدة

فقرية "الشحارة" القريبة من قرية "المزينة" الحالية بنيت على الهضبة، أما القرية القديمة فقد اندثرت ولم يبق من آثارها سوى هذه الكنيسة و"طاحونة الشحارة" وبعض آثار البيوت والمقابر المتعددة حول القرية المندثرة، أما تاريخ بناء الكنيسة فلم يعرف حتى اليوم، ويرجح أنها كانت موجودة زمن الملك "الظاهر بيبرس"، وتأخذ الكنيسة القديمة شكلاً انبوبياً ويبلغ طولها من الداخل 15 متراً وعرضها 5.5 أمتار وطولها من الخارج 20 متراً وعرضها 10 أمتار».

أعيد ترميم الكنيسة الى شكلها القديم في عامي 2004-2005 حيث ازيل الاسمنت والطلاء عن الجدران ونظفت حجارتها وكحلت بشكل مدروس لتكون باقية على شكلها القديم، لتدل على عظمة الاجداد الذين شيدوها وعمق تقواهم، وعن هذا يضيف: «بعد ترميم الكنيسة وإزالة المظاهر الحديثة ظهرت قناطرها وعقودها الجميلة التي توحي بقدم الكنيسة المبنية من حجارة المنطقة البازلتية السوداء، حيث تحتوي الكنيسة على بعض الأواني المقدسة التي ترجع لعام 1814 وبعض الأيقونات التي ترجع لعام 1861، وبقايا الايقونسطاس الخشبي المحفور قديماً والذي يعود لعام 1889 إضافة لجرن المعمودية ومائدة مقدسة وايقونسطاس من الحجر البازلتي المحفور بطريقة مزخرفة رائعة تحاكي النمط المتبع في بناء كنائسي كهذا».

جرن المعمودية الاثري

تبعد كنيسة الشحارة عن مركز المنطقة (تلكلخ) 17كلم، وعن مركز المحافظة 45 كلم، ولا تشتهر هذه الكنيسة على صعيد "وادي النضارة" فحسب بل على صعيد المؤمنين في الوطن والمهجر الذين يتباركون بها وبقدسيتها ويأتون قاصدين زيارتها من أماكن بعيدة، وذلك لكثرة عجائبها عبر التاريخ، وعن هذا يشير الاب "بطرس": «تعتبر الكنيسة ملاذ المؤمنين في كل مكان وزمان، وتحتفل بعيد "البشارة" 25 آذار وعيد "رقاد السيدة العذراء" 15 آب، وتأتي اعجوبية المكان من الاحاديث التي سطرت في اذهان الاجداد والآباء والابناء والتي توثق صمودها في وجه المعتدين من الذين صمموا على تخريبها، فقد كانت تتحول امام انظارهم الى "عليقة ملتهبة" فتعمي قلوبهم وابصارهم، وهذا الحدث كان قد تم في اواخر القرن السادس عشر الميلادي اضافة لكثير من العجائب والاحداث، والموثقة على مرأى من شهود عيان في العشرينيات من القرن العشرين كظهور النور من الكنيسة وحمايتها لابناء القرية المهددين بالغزو والمضيقات والاسفار، وفي حرب 1967 سمعت فيها صلوات ملائكية دون وجود مصلين فيها، وكل ما سبق ذكره مدون في نشرة البطريركية».

في السبعينيات من القرن الماضي ازداد سكان القرية عدداً، ونمت الكنيسة روحياً ومالياً، فشيدت كنيسة متسعة ملاصقة للكنيسة القديمة وعن ذلك يضيف: «بني قرب الكنيستين ملحقات تضم غرفة التعليم المسيحي وغرفة للكشاف، وصالون للاستقبال ومكتب لكاهن الرعية ومؤخراً تم وضع حجر الاساس ببركة المطران "باسيلوس" لبناء مجمع كنيسة "البشارة" الذي يحوي صالونات وقاعات ومكاناً لسكن طلاب الجامعات وتخديم الرعية في كافة الميادين ومركز للمخيمات، حيث ترعى الكنيسة التعليم الديني والمسيحي في حلقات من سن الطفولة حتى الطلبة الجامعيين وفيها فرقة للسيدات اللواتي يساهمن في النشاطات الروحية والخدمات الاجتماعية».

مكان الكنيسة في قرية المزينة

إضافة لما سبق تحتوي الكنيسة على حضانة اطفال تعتبر متميزة ورائدة من حيث استقبالها للاطفال من عمر 3 أشهر حتى 3 سنوات ومجهزة بأكثر التجهيزات حداثة وأماناً، حيث تضم الكنيسة عدداً من العاملين بحدود 14 عاملاً ومنهم الشاب "سامر" الذي فضل عدم ذكر كنيته، تحدث عن عمله قائلاً: «أعمل في الكنيسة في غرفة التذكارات وذلك في أوقات الفراغ بعد دوامي المدرسي، وأعتقد أن أهم ما يميز عملي هو أنني أعمل في مكان مقدس، ولاكتظاظه الدائم بالزوار الذين يحرصون دائماً على التردد للصلاة فيها، وعلى شراء إحدى التذكارات من الكنيسة إضافة إلى أنه يوفر لي دخلاً معقولاً كشاب في عمري».

من الجدير بالذكر أن كنيسة "الشحارة" تعتمد تمويلاً ذاتياً عن طريق التبرعات وعطايا المؤمنين والاستثمار الذاتي لما فيها من خدمات، وهي تستقبل الزوار على مدار الأسبوع وفي أوقات معينة، ولها نشرتها الخاصة بها.