تقع قرية "الكيمة" في وادي النضارة وتشتهر بإطلالاتها الساحرة على جبال تكتنز بأشجار الصفصاف والحور والسنديان والتفاح، لكن عندما نتكلم عن "الكيمة" لا بد لنا من التحدث عن طاحونتها المائية القديمة التي تتربع على ضفاف "نهر راويل" (النهر الكبير الشمالي) منذ عام 1860م حيث كانت حديث القرية والقرى المجاورة نظراً لأهميتها في حياتهم وتأمينها الغذاء لهم.

وبما أنه لم يكن لأهل القرية آنذاك القدرة على امتلاك المحركات في ذلك الوقت وذلك بسبب الوضع الاقتصادي فقام السيد "سليم نحاس" أحد أبناء القرية (الجد الأول لـ"آل نحاس") وأولاده ببناء هذه الطاحونة بكاملها من الحجر الأزرق والكلس الطيني.

للذهاب إلى المطحنة في ذلك الوقت هناك طريقتان: الأولى: الذهاب على الأقدم، والثانية: الذهاب على ظهور الدواب (البغال) وذلك نظراً لقوة مياه النهر ووعورة الطريق المؤدي إلى المطحنة

السيدة "أسما يعقوب" زوجة حفيد مالك المطحنة تحدثت لموقع eHoms عن تاريخ المطحنة بحسب ما حدثها عنه جدها بالقول: «استغرق بناؤها ثلاث سنوات وذلك لعدم توافر الأيدي العاملة ولصعوبة الوصول إلى مكان البناء استخدموا الحجارة التي كان يجرفها النهر والصخور الكلسية المطحونة من أجل صناعة العجينة التي تثبت الأحجار فوق بعضها (الطين).

الطاحونة

كانت الطاحونة تتكون من ستة أجزاء رئيسية: ساقية من أجل جر مياه النهر إلى المستوعب (الخزان) ومستوعب المياه الذي يقوم بتخزين المياه والعنفة (الفراش) تشبه عنفات توليد الطاقة الكهربائية حديثا وفتحة إخراج المياه من أسفل المستوعب وآلة الطحن والغرفة التي يتم فيها جمع نواتج الطحن تقوم الساقية بجر المياه من النهر وإدخالها من فتحة توجد في قمة المستوعب الذي يبلغ ارتفاعه عشرين مترا من أجل توفير الضغط اللازم لإدارة العنفة الموجودة في أسفل المستوعب التي تقوم بدورها بإدارة الطاحونة الموجودة في غرفة الجمع.

كانت تدار هذه الطاحونة من قبل رجلان من قرية "حاصور" المجاورة وهما السيدان "صالح الحرتوك" وابنه "جابر الحرتوك" والذين عملا بها مدة أربعين عاما.

السيد بطرس نحاس

بعد ذلك انتقلت ملكية المطحنة إلى السيد "جرجس نحاس" بعد وفاة والده تابع العمل بها مدة أربعة وخمسين عاماً، ونظرا لقلة المال في ذلك الوقت كان العامل في المطحنة يأخذ من الفلاح الذي يريد أن يطحن حبوبه صحنا له وآخر لمالك المطحنة من كل كيس (شنبل) يقوم بطحنه أو عن طريق المال لكن ذلك كان محصورا على الطبقات الإقطاعية الذي كان يدفع مبلغا قدره فرنك واحد مقابل الطحنة الواحدة (أي ما تستوعبه الطاحونة في حجرتها حتى الامتلاء).

كانت تبقى الطحنة الكاملة مدة يوم ونصف حتى الانتهاء أي كان يبقى المزارع أسبوعا كاملا حتى ينتهي من طحن جميع حبوبه ونظرا لندرة الطواحين في ذلك الوقت كان يبقى بعض المزارعين حتى السنة التالية لطحن حبوبه.

كان أول من يحق له الطحن هو مالك المطحنة ثم يأتي بعده الإقطاعيون وأصحاب النفوذ ممن يملكون الأموال ومن بعدهم المزارعون الفقراء. كانت الطاحونة تخدم جميع سكان القرية والقرى المجاورة ممن لا يملكون طاحونة خاصة بهم».

وتضيف السيدة "نحاس" بالقول: «للذهاب إلى المطحنة في ذلك الوقت هناك طريقتان: الأولى: الذهاب على الأقدم، والثانية: الذهاب على ظهور الدواب (البغال) وذلك نظراً لقوة مياه النهر ووعورة الطريق المؤدي إلى المطحنة».

السيد "بطرس نحاس" حفيد مالك المطحنة "سليم نحاس" حدثنا عن الذكريات التي كان يرويها لها جده عن المطحنة بالقول: «كان جدي يذهب مع والده "جرجس نحاس" إلى المطحنة كانوا يحتاجون إلى نصف ساعة لكي يصلوا إلى الطاحونة كان لها صوت قوي جدا وكانت كثيرة الأعطال ونادرة قطع الغيار وتستهلك خمسة كيلوغرامات من الزيت يوميا من أجل التزييت كما كانت تستعمل الساقية التي تجر المياه الى المستوعب كشباك من أجل اصطياد الأسماك التي كانت متوافرة بكثرة في ذلك الوقت وكان يوجد بجانبها غرفة متوسطة المساحة من أجل المنامة كما كانت تؤمن الطحين اللازم من أجل صناعة الخبز لسكان القرية وذلك بمشاركة جميع المزارعين في القرية وذلك بتقديم جزء من محصولهم يمد القرية بما يكفي من الطحين اللازم لصناعة الخبز لمدة نصف سنة بسعر زهيد جدا كما قال لنا إنها كانت مركزا يجتمع فيه كبار القرية والقرى المجاورة على مدار السنة كاملة

تطحن المطحنة جميع أنواع الحبوب (قمح، ذرة، شعير، عدس، حمص) توقفت عن العمل في عام 1954م وذلك لظهور الطاحونة النارية الحديثة التي وفرت الوقت والجهد على مالك المطحنة والمزارعين لم يبق من الطاحونة المائية إلا مستوعب المياه الذي يدل على مكانها».