تمتاز قرية "بحّور" بموقعها الجبلي الفريد إلى الغرب من "حمص"، حيث ترتفع حوالي 750 متراً عن سطح البحر، كما تمتاز بطبيعتها الساحرة لكونها تقع في وادٍ محاط بالتلال والمرتفعات الجبلية الخضراء من جميع الجهات، أما مناخها البارد شتاءً والمعتدل المائل قليلاً إلى البرودة صيفاً فجعلها قرية سياحية بامتياز.

وقد جاء في كتاب "جذور ريف حمص السكاني" للباحث "نعيم الزهراوي" أن: «"بحّور" تسمية سريانية تعني الغيم الصيفي، يستدل منه على المطر في الشتاء المقبل».

"بحّور" تسمية سريانية تعني الغيم الصيفي، يستدل منه على المطر في الشتاء المقبل

ويدلنا تفسير التسمية أيضاً على قدم قرية "بحّور" وعراقتها، رغم صغرها حالياً وقلة عدد سكانها المقيمين فيها بسبب الهجرة من الريف إلى المدينة.

"عماد ابراهيم" مختار القرية

للتعرف أكثر على هذه القرية وأهم ما تشتهر به، التقينا مختارها السيد "عماد ابراهيم" فحدثنا قائلاً: «تقع قرية "بحّور" إلى الشمال الغربي من محافظة "حمص"، وعلى مسافة خمسين كيلومتراً من مركز المحافظة، غرب طريق "حمص- مشتى الحلو"، في مرتفعات "ظهر القصير" الشهيرة، وتتبع إدارياً لناحية "شين"».

وأضاف مختار القرية: «تشتهر "بحّور" بعذوبة مياهها التي تنبع من بين جبالها المحيطة، والتي تغذي منها القرى المجاورة مثل: "رباح"، و"المرانة" و"الصويري"، و"أوتان"، وناحية "شين"، إضافة إلى هوائها النقي العليل، يمر في القرية نهر موسمي تنحدر مياهه من أعالي جبال "ظهر القصير" المجاورة وتصب في بحيرة سد "المزينة"».

الدكتور "جودت ابراهيم" ابن قرية "بحّور"

وعن الحياة المعيشية والجانب الاجتماعي لأبناء القرية قال السيد "عماد: «تشتهر قرية "بحور" بأراضيها الخصبة، ويعمل معظم أبنائها في الزراعة ويعتمدون حالياً على الزراعات البعلية نظراً لقلة المياه المتوفرة للري، وأهم الزراعات المنتشرة فيها زراعة الأشجار المثمرة كالتفاح والزيتون والخوخ والكرمة، حيث تتمتع محاصيل التفاح التي تنتجها القرية بشهرة واسعة في أسواق محافظة "حمص" نظراً لجودتها ووفرتها.

وقد اشتهرت "بحور" في السابق وتحديداً في أوائل ومنتصف القرن الماضي بأنها مصدّرٌ أساسيٌ لمحاصيل العنب، وللعنب المصنّع إلى المناطق المجاورة وخاصة إلى لبنان».

ساحة "بحّور" ومقام السيدة العذراء

وتابع: «لا يتجاوز اليوم عدد سكان القرية المقيمين فيها أكثر من (200) نسمة، أما أبناؤها غير المقيمين فيتجاوزن الألف نسمة، أغلبهم مستقرون في مدينتي "حمص" و"دمشق".

وتعمل في القرية جمعية خيرية أهلية تقوم على الاهتمام بالنواحي الخدمية والصحية والاجتماعية لأهالي القرية، بمساعدة ومساهمة كافة أبناء القرية المقيمين وغير المقيمين، كما توجد فيها جمعية فلاحية تقدم مساعداتها للفلاحين حسب الإمكانيات المتاحة من قروض وأسمدة وغيرها».

وعن أبرز الخدمات التي تحتاج إليها القرية ذكر مختارها أنه: «بسبب الطبيعة الجبلية الوعرة للقرية يحتاج مزارعوها إلى شق بعض الطرق الزراعية لتسهيل عملهم، وتشجيعهم أكثر على الاهتمام بهذه الثروة الاقتصادية. كما يعاني أهل القرية من صعوبة المواصلات الطرقية بينها وبين مدينة "حمص"، حيث يضطر أهلها إلى الذهاب لناحية "شين" -على بعد ثمانية كيلو مترات- من أجل السفر إلى "حمص" أو إلى "دمشق"».

خلال زيارتنا للقرية التقينا أيضاً حفيد مؤسس ومعلم مدرسة "بحور" الدكتور "جودت ابراهيم" الرئيس السابق لجامعة "الوادي" السورية الخاصة والمدرس حالياً في جامعة البعث، فحدثنا عن تاريخ التعليم بالقرية قائلاً: «تأسست أول مدرسة في "بحور" عام /1912/ على يد جدي كاهن القرية المرحوم الأب "فيلبّس" كمدرسة أهلية على مستوى متواضع، تعلم فيها الكثير من أبناء القرية وأبناء القرى المجاورة، واستمر التعليم فيها مع والدي الأستاذ "ابراهيم ابراهيم" حتى بداية الخميسينات من القرن الماضي، حين افتتحت الحكومة السورية رسمياً أول مدرسة ابتدائية في "بحور"، لكنها أغلقت في ما بعد نتيجة هجرة الكثير من أبناء القرية إلى المدن».

وأضاف الدكتور "جودت": «حالياً المستوى التعليمي لأبناء القرية جيد، وهناك نسبة كبيرة من حملة الإجازات الجامعية، وتتميز قرية "بحور" بتآلف أبنائها ومحبتهم لبعضهم البعض سواء المقيمين أم غير المقيمين، وتقام في كل عام تقريباً حفلات خيرية في مناسبات اجتماعية يحضرها المئات من أبناء القرية بهدف دعم خدمات وأعمال جمعية "بحور" الخيرية».

وعن مساهمة مغتربي القرية في دعم الخدمات المقدمة فيها حدثنا الدكتور "ابراهيم": «يوجد قسم لا بأس فيه من أبناء القرية مغتربين في دول أميركا، وخاصة في الأرجنتين، ولهم بعض المساهمات الهامة في خدمات القرية، من خلال عمل جمعية "الجالية البحورية" في "بيونس آيرس"– الأرجنتين، حيث يعد مستوصف القرية أحد مساهمات هؤلاء المغتربين، وكذلك تعبيد معظم شوارع القرية، كما أنه منذ عام /1930/ وحين لم يكن هناك نظام لجر المياه في الريف السوري، تم في "بحور" تنفيذ مشروع قناة لجر المياه من خزان كبير، لا يزال موجود إلى اليوم، وذلك مساهمة من أبناء القرية المغتربين في الأرجنتين. ومن أبرز المساهمين والمتبرعين للقرية ضمن هذه الجالية نذكر السادة: "سليمان مطر"، و"أديب صقر"، و"جودت الياس ابراهيم"».

على الرغم من أن "بحّور" كالعديد من القرى الصغيرة الأخرى شهدت هجرة عدد كبير من أهلها، إلى المدينة، سعياً وراء الرزق والعمل والتعليم. إلا أنها ما تزال المكان الأغلى والأجمل على قلوبهم، ويذهبون إليها للاصطياف وقضاء أجمل الأوقات مع الأهل والأقارب وبين أحضان الطبيعة كلما أتيحت الفرصة لذلك وخاصة في فصلي الربيع والصيف.