من "الفيروز" استقت اسمها، حيث يقال إن معظم بيوتها كانت مطلية باللون الفيروزي، أو إن ذلك كان إشارة إلى كثرة الخضرة في بساتينها المزروعة بالعنب واللوز والزيتون؛ إنها قرية "فيروزة" في ريف "حمص".

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع رئيس بلدية "فيروزة" "سالم فرهود" بتاريخ 22 حزيران 2018، ليحدثنا عن قريته، حيث قال: «تقع "فيروزة" جنوب شرق "حمص" بنحو 3كم، وتبلغ مساحتها نحو 40 ألف دونم، ويعود أصل أهل القرية إلى بلدة "صدد"، ويمر فيها طريقان دوليان؛ الأول طريق الفوسفات من "حمص" باتجاه مناجم الفوسفات، وطريق "تدمر" القديم المجاور لخطوط النفط السورية العراقية من الغرب، والطريقان في الجهة الجنوبية من أراضيها، وقد أصبحت حدودها تقريباً جزءاً من "حمص" في الشمال، و"زيدل" في الجنوب الغربي، و"الأحمدية ومسكنة" في الشرق، وتمتد أراضيها إلى "الريان الزبيدي"، وقد شهدت تطوراً عمرانياً كبيراً أتى على مساحات كبيرة من أراضيها الزراعية من دون أن يلغي طابعها الريفي الجميل المحيط بالبلدة، فهي قرية زراعية مارس أهلها زراعة الحبوب والكروم، وكانوا يستخدمون آلات زراعية بدائية، ويربون المواشي من أغنام وأبقار وماعز ودجاج، فيستفيدون من خيراتها ويحققون اكتفاء ذاتياً، وكان أهالي البلدة يشربون من مياه الآبار، ولولا وجود هذه الآبار لما وجدت حياة في "فيروزة"، وتم تخديم القرية بشبكة لمياه الشرب عبر الأنابيب من مدينة "حمص"، وتشتهر اليوم بزراعة اللوز والزيتون والعنب والأشجار المثمرة وغيرها، حيث تبلغ مساحاتها المزروعة نحو 26840 دونماً، ويبلغ عدد سكانها حالياً نحو سبعة عشر ألف نسمة؛ منهم ما يقارب الأربعة آلاف مغترب في "أميركا"، وأغلبهم مازال على تواصل مع بلدتهم ويساهمون في المشاريع التنموية لدعم نهضتها».

يمكن القول إن الجمعيات والفرق سواء في الداخل أو المهجر تساعد أهل البلدة على كافة الصعد، أبرزها جمعية "نور الهدى والسلام"، وسيدات "متشغن"، و"بصمة شباب فيروزة"، و"حملة الوفاء لفيروزة"، وغيرها، وكلها تمثل تاريخاً طويلاً من العمل التطوعي المجاني والخيري

أما حول تاريخ نشأتها، فقد تواصلت المدونة مع ابن القرية المغترب "يوسف الصايغ"، فقال: «في عام 1927 ألقى مؤرخٌ محاضرةً في "بيروت" قال فيها إن "بيروثة" هي "فيروزة" الواردة في سفر "حزقيا" 47/15، وكذلك "بيروثاي" هي نفسها "فيروزة" كما وردت في سفر "صاموئيل الثاني" 8/7 من العهد القديم، أما "فيروزة" الحديثة، فيعود تاريخها إلى 400 عام، وتجمع عدة قرى هي: "فرتقة، والقاعية، والجديدة، وأم دولاب، وأبو دالية"، وقد كانت مختلطة العقيدة حتى غادرها آخر رجل مسلم عام 1914 اسمه "أحمد علي الرعيدي"، وكان جب "حمزة" للمسلمين، وجب "جعبر" للمسيحيين، ويروى أنها كانت مثلاً للعيش المشترك وقبول الآخر، حيث تقول الرواية إن أحد شيوخ المسلمين عام 1860، إضافة إلى المدعو "يعقوب شهلا" أخفيا خريطة "فيروزة" القديمة التي تشير إلى ثلاثة "جيع"، وكل "جيعة" بطول 100 متر، وكان يتم تخبئة القمح فيها عن العثمانيين الذين كانوا يصادرون أرزاق الناس، أما "الجيعة"، فهي المغارة بلغة أهل القرية».

فيروزة عبر غوغل إيرث

وأضاف عن القيمة التاريخية والأثرية للبلدة: «يوجد فيها العديد من الآبار الأثرية، أشهرها: "جب حمزة، وجب جعبر"، وخمس كنائس قديمة أقدمها كنيسة السيدة "العذراء"، وهي من أقدم الكنائس السريانية فيها بنيت في العقد الأول من القرن العشرين، وقد بذل السكان جهوداً جبارة في بنائها، إذ نقلوا إليها جميع الحجارة الزرقاء البازلتية الصغيرة منها والكبيرة من قريتهم الأم "فرتقة"، وتعدّ معلماً دينياً بارزاً، وكانت الكنيسة الوحيدة في "فيروزة" وتمتاز ببنائها قديم الطراز، حيث تحوي عدة أيقونات جميلة ورسوماً قديمة لقديسي الكنيسة السريانية، وأيضاً هناك كنيسة "قلب يسوع الأقدس"، وكنيسة "مار إلياس"، وكنيسة "مار جرجس"، والكنيسة "الإنجيلية" التي أسست عام 1892م وهدمت عام 1978م، أما الكنيسة الجديدة، فقد بنيت عام 1994م بهمة القس "صموئيل حنا"، وتميز الفيروزيون القدامى باللباس التقليدي الموحد عند الرجال وكذلك عند النساء ومثله عند الأطفال، حتى إن طراز البناء متشابه عند الجميع، وكانت تصنع البيوت آنذاك من الطين وتسقف المنازل بالخشب والقصب والطين، وكانت الدار الواحدة تجمع عدة أسر كبيرة يجمعهم الحب وتشد فيما بينهم روابط القربى».

كما تواصلت المدونة مع المهندس والشاعر "جون المحو" ليحدثنا عن قريته، حيث قال: «تعدّ الفرق الكشفية الممتدة على مدى 100 عام علامة فارقة في تطويرها، حيث اشتهرت بأنها السباقة في تكوين الجمعيات والفرق التي تعمل في المجال التطوعي الاجتماعي والخدمي؛ نظراً لطابع أهلها الكريم والمعطاء والشهم الذي يشبه كثيراً طابع معظم أريافنا السورية، وعلى الرغم من انتشار داء الهجرة على مدى المئة عام المنصرمة، إلا أن شريان الوطن بقي مُتجذراً في القلب، حيث يتسابق المغتربون للمشاركة في الأعمال الخيرية والتطوعية في شتى المجالات ضمن إطار رغبة قوية منقطعة النظير واندفاع مميز لعمل الخير، حيث لم يبخلوا بالمال يوماً لدعم كافة فعاليات وأنشطة الفرق التطوعية، وأعمال البلدية، وأوقاف الكنائس، وحالات المرض والعوز».

مشهد للغروب ضمن بيوت القرية

وأضاف: «يمكن القول إن الجمعيات والفرق سواء في الداخل أو المهجر تساعد أهل البلدة على كافة الصعد، أبرزها جمعية "نور الهدى والسلام"، وسيدات "متشغن"، و"بصمة شباب فيروزة"، و"حملة الوفاء لفيروزة"، وغيرها، وكلها تمثل تاريخاً طويلاً من العمل التطوعي المجاني والخيري».

وتابع: «في "فيروزة" ثاني أقدم فرقة كشاف على مستوى "حمص"، ومن الفرق الأقدم على مستوى القطر منذ الفوج التغلبي وصولاً إلى فرقة كشاف "فيروزة"، كما يوجد فيها نادٍ رياضي تتم فيه ممارسة معظم الألعاب الرياضية من كرة القدم والسلة وكرة الطائرة وصولاً إلى التايكواندو وكرة الطاولة، وقد بلغ بعض لاعبي ولاعبات النادي مستويات أهلتهم لبلوغ أندية الدرجة الأولى، كما توجد فرقة للعروض المسرحية، باسم فريق "أمل" يقوم بعرض الأفلام الهادفة لكل الأعمار، ويعمل على تكوين نواة مسرح من شباب وصبايا القرية».

يوسف الصايغ

وأضاف: «يمتاز سكانها بحسهم العالي للفنون، حيث نادراً ما تجدون بيتاً لا يضم عازفاً موسيقياً أو خطاطاً أو رساماً أو متطوعاً في جمعية أو نادٍ، وذلك نتيجة توجه شعبي لتكريس حالة ثقافية شعبية، وقد تكونت فيها عدة فرق موسيقية، وكان آخرها فرقة "فيروزة" للموسيقا العربية، وفرقة "فينوس"، وتمارس في الكنيسة عدة نشاطات وجمعيات تدعم الحالة المجتمعية فيها من مركز "مار إلياس" الذي أسس عام 1994، وصولاً إلى جمعيات "السيدات" ومركز "نبع المحبة" لذوي الاحتياجات الخاصة، وقد أسس فيها منذ سبعة عشر عاماً لجنة عمل خيري في المهجر، ولها امتداد في الوطن، قامت بالعديد من الأعمال الخدمية والاجتماعية والصحية، ودعمت الكثير من الحالات والمرافق في القرية، كالبلدية، والمستوصف، والمدارس، ورياض الأطفال، والكنائس، وتحوي كل كنيسة نحو أربعة أو خمسة فرق تطوعية، ومراكز تعليم دينية واجتماعية لها عدة نشاطات، ومن رحم الأزمة تكونت فرقة سميت "بصمة شباب فيروزة" قامت بالعديد من الأنشطة الخدمية والاجتماعية والصحية، من خلالها وجد نهج جديد مبني على تحريك المياه الراكدة ودعم تشغيل اليد العاملة من خلال مشاريع صغيرة خدمية مشغولة بأيدٍ متطوعة مجانية، وتكاليف في الحدود الدنيا، حيث يضم "ملتقى الوفاء" مكتبة للأطفال والكبار وقاعة دراسية مجانية للطلاب وطابعات خدمية للطلاب والمدارس والحالات الخاصة بأسعار رمزية جداً و"باص" على خط الجامعة، و"منزول" لكبار السن يمارسون فيه نشاطهم اليومي مجاناً مع خدمتهم الكاملة، وتتم إقامة الدورات التعليمية المجانية ومراكز لرعاية الطفولة والنوادي الصيفية ودورات الرسم والموسيقا المجانية، وتقديم الدعم لعائلات الشهداء والجرحى والمخطوفين وحالات العوز والفقر، وإقامة معارض الرسم ومسابقات الشعر والمسابقات الخاصة بكبار السن».