حافظ "بسام هزيم" على المطعم الذي ورثه من أجداده من دون أي تغيير في المعالم والبناء؛ فرائحة الطعام ونكهته، وحتى جدرانه أصبحت جزءاً من ذاكرة المجتمع، ومقصداً يومياً لأهالي "مرمريتا" وضيوفها.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 27 كانون الثاني 2017، "بسام هزيم" في بلدة "مرمريتا"، ليحدثنا عن تاريخ المحل ومكانته، الذي أصبح أحد رموز القرية، فقال: «هذا المكان عمره نحو ثلاثمئة عام، مبني في القرية القديمة، في ذلك الوقت لم يكن هناك قرية قديمة أو جديدة؛ كانت هنا "مرمريتا" بساحتها وممراتها الضيقة وبيوتها المبنية من الحجر، كان هذا المطعم قبل أن يتحول إلى محل عبارة عن غرف سكن وجزء من منزل، وكان أصحابه يعيشون فيه. في عام 1973 بدأت العمل مع والدي، حيث قررنا أن نحوله إلى مطعم شعبي لأبناء القرية يقدم لهم مجموعة من الأطعمة والعصائر المختلفة، فباشرنا وضع كل المستلزمات المطلوبة له، وترتيب كل المواد والحاجات الأساسية للبدء بالعمل».

منذ أربعين عاماً وأنا آتي إلى هذا المحل لأشتري بعض الأطعمة، المميز هنا أنه من ذاك الوقت حتى هذه اللحظات عندما أدخل المحل أرى مشاهد من طفولتي، وأجد أنني أعيش تلك اللحظات الطفولية، والسبب أن "هزيم" قام بالحفاظ على كل تفاصيل لوحاته ورائحته التي تعم المكان، أتذكر أنه بالكاد أصل إلى طرف الطاولة لأطلب من البائع "بسام هزيم" سندويشة "فلافل"، وكان سعرها في ذلك الزمن نصف ليرة سورية. المحل أصبح ذكرى مستمرة؛ لأن الزمن أضاف قيمة تاريخية ودلالة لزمن جميل نحن بحاجة إليه

وتحدث عما قدمه للناس، وما قام بعمله بعد أن بات المطعم بعهدته: «قدمنا للناس الأطعمة الشعبية، مثل "الفلافل" و"الفتات"، إضافة إلى المأكولات التي تندرج ضمن التقليد اليومي في المجتمع السوري، وبقينا في المجال نفسه حتى هذا اليوم، بعد وفات والدي تابعت العمل نفسه، ولم أقم بتغيير أي شيء على الإطلاق، فحافظت على كل الأغراض بمكانها نفسه، من الصور والكراسي وحتى القناديل القديمة التي كنا نستخدمها للإضاءة بقيت مكانها، وكذلك اللوحات القديمة المعلقة على الجدران؛ أي منذ نصف قرن تقريباً، وهذا ما نتميز به اليوم. أطلقنا اسم "الكهف" على المحل لأنه يحتوي جدراناً من الحجر الثخين، وقناطر، وقبباً من الطراز العمراني القديم الذي يتميز بانحناءات وتقوسات معقدة ضمن الأسلوب القديم للبناء الذي يشبه القلاع والبيوت العمرانية القديمة.

تفاصيل مختلفة

ويوجد على الجدران من الداخل رسومات قديمة بألوان مختلفة قام برسمها أجدادي عندما كانوا يسكنون ويعيشون في هذا المكان، فقررت أن أحافظ حتى على الرسومات كما هي؛ لأنها تذكرني بماضٍ بعيد جداً وأشخاص كثر مرّوا من هنا، بعض الرسومات تآكل قسم منها بمرور الزمن، لكن قررت أن لا أعدل عليها أو أغير فيها أي شيء، لأن قيمتها أصبحت من قيمة الزمن الذي مرّ عليها، وليس بقيمة المحتوى أو المضمون الفني لها».

ويضيف عن مكانة المحل في نفوس أهل القرية ومغتربيها: «لهذا المحل مكانة كبيرة عند أهالي المنطقة، وأخص بالذكر المغتربين في بلاد المهجر، فأنا شخصياً أشعر بأنني جزء من أحجار المحل لأنني أمضي جلّ وقتي بداخله، فعندما أتغيب عنه لمدة من الزمن أشعر بأنني بحاجة إلى العودة بسرعة إليه، أما بالنسبة لأهالي القرية، فالكبير عندما يأتي يذكر عدد المرات التي أتى إلى هذا المكان، والصغير عندما يأتي يقول إن والده دائماً يخبره أن لهذا المحل ذكريات قديمة، الجميع يأتون لشراء سندويش "الفلافل"، ويجلسون في الصيف على الدرج القديم الملاصق للمحل، ويستمتعون بأوقاتهم، حتى أصبح مقصداً للشباب وخاصة طلاب المدارس؛ فعند وقت الانصراف يأتي الطلاب إلى هنا ليأخذوا حاجاتهم، وأحياناً كثيرة يدخلون ويقومون بتحضير طعامهم بنفسهم، وفي أحيان أخرى يدخل إلى المحل أب وأم مع أولادهم، ويرددوا دائماً العبارات نفسها أنهم التقوا هنا وتعرّفوا إلى بعضهم وأصبحوا زوجين، حيث أصبح هذا المكان نقطة في تاريخ مجموعة من عائلات المنطقة.

الدرج القديم

أما بالنسبة للمغتربين، فهنا يكمن الوجع عندما يأتون لزيارة القرية، يضعون في يومياتهم زيارة المحل، وعندما يدخلون إليه أرى فيهم حزن وتعب الغربة، وعيونهم لا تتوقف عن النظر إلى أدق تفاصيل المحل، حتى أحياناً يسألون عن أمور أكون قد نسيتها».

"شادي يازجي" من سكان "مرمريتا" وصديق "بسام هزيم"، يقول عن هذا المكان: «منذ أربعين عاماً وأنا آتي إلى هذا المحل لأشتري بعض الأطعمة، المميز هنا أنه من ذاك الوقت حتى هذه اللحظات عندما أدخل المحل أرى مشاهد من طفولتي، وأجد أنني أعيش تلك اللحظات الطفولية، والسبب أن "هزيم" قام بالحفاظ على كل تفاصيل لوحاته ورائحته التي تعم المكان، أتذكر أنه بالكاد أصل إلى طرف الطاولة لأطلب من البائع "بسام هزيم" سندويشة "فلافل"، وكان سعرها في ذلك الزمن نصف ليرة سورية. المحل أصبح ذكرى مستمرة؛ لأن الزمن أضاف قيمة تاريخية ودلالة لزمن جميل نحن بحاجة إليه».

داخل المحل

يذكر أن "بسام مطانيوس هزيم" من مواليد "مرمريتا"، عام 1957.