لا تكاد قرية من قرى "وادي النضارة" تخلو من فرن تنور قديم يجمع أهالي القرى حوله صباحاً منذ تاريخ إنشاء هذه القرى، ولابد من زائر القرى صباحاً أن يشتم رائحة خبز التنور قبل أن يصل إلى القرية ذاتها.

مدونة وطن "eSyria" زارت فرن "التنور" الواقع في قرية "عناز" التابعة لمنطقة "وادي النضارة" بتاريخ 15/2/2013 والتقت السيدة "سليمة عيسى" التي تعمل في صناعة خبز التنور منذ عشر سنوات، وتقول: «لطالما أتقن أهل الريف ومنطقتنا تحديداً صناعة هذا النوع من الخبز الذي يرافقنا منذ طفولتنا وحتى الآن، فلم يكن للخبز الموجود حالياً مكان على مائدتنا بل كان لرغيف "التنور" أو رغيف الصاج المكانة الأهم في طعام الغني والفقير على حد سواء وبعد تحول منطقتنا إلى السياحة وتدفق الزوار عليها عاد خبز التنور ليحتل مكانته السابقة».

المنخل, الكارا, الطست (وعاء واسع يستخدم لعملية العجن), الطبيقة (وعاء مصنوع من القش ذو تلوينات فنية مميزة يستخدم لوضع الخبز المستخرج من التنور أثناء عملية الخبز), الشوبك, الخميرة

يقصد الناس فرن السيدة "سليمة" ليحصلوا على أرغفة التنور وفي بعض الأحيان فطائر التنور والتي قد تتشابه معظم النسوة في صناعة هذا الخبز وعن ذلك تضيف: «أعمل ووالدتي في فرنيّ "التنور" خاصتنا ونقوم كل يوم في الصباح الباكر بإشعال "التنور" عن طريق الحطب ونكون قد حضرنا "عجنتنا" (كمية الطحين المعجون) منذ ساعات الصباح الأولى كي يستطيع "الاختمار", وعند وصول التنور لدرجة الحرارة المناسبة, نقطع العجين ونخبزه بأرغفة شهية تتفاوت في كبرها حسب الطلب وقد تترافق بأنواع معينة من الأطعمة كالجبن, السمن, الفليفلة الحمراء الحارة، أو الزعتر المشهور، إلا أن أكثر ما يُطلب منا هو الخبز الحاف (دون أية إضافات) ليأخذه الناس إلى منازلهم ويتناولوه مع أقراص "الشنكليش" (القريش الأبيض نوع من أنواع الجبن)».

السيد وليد حنا

يقع فرن السيدة "سليمة" على الطريق العام ولطالما كان مزدحماً بالزبائن المارين الذين لا يستطيعون مقاومة الوقوف أمام الفرن واشتمام الرائحة الشهية أو بالزبائن الدائمين الذين يقصدونه من قرى المنطقة ومنهم السيد "وليد حنا" الذي يتحدث: «لأن خبز "التنور" جزء من تراثنا وحياتنا قديماً وحديثاً في الريف والمدينة على حد سواء فإن بعض أرغفته تعطي لفطورنا نكهة مميزة تجعلنا نقصد فرن التنور في كل زيارة لنا إلى قريتنا التي تقع ضمن "الوادي" وحتى إننا نبحث عنه في أحياء مدننا ولكنه يبقى مع هواء القرية ذو طعم مميز».

على الرغم من دخول أنواع عديدة من الخبز على مائدتنا الشرقية المحلية إلا أنه بقي المتصدر وبقيت أسعاره مقبولة بحيث يستطيع الجميع الحصول عليه وعن "التنور" قديماً تحدثت الجدة "حنة نعمة": «لم يكن التنور بالنسبة لنا مجرد فرن نصنع فيه قوت يومنا بل أصبح مكاناً تجتمع فيه النسوة من كل الأعمار ليلتقين ويتبادلن الأحاديث وهن يصنعن الخبز بجو من المرح والألفة، وكن يجتمعن على تنور واحد في أحد المنازل حيث كان يوجد في كل منزل "تنور" خاص به».

وعن طريقة صنعه تضيف الجدة "حنة": «كنا نصنع التنور من التراب الأحمر الذي يكثر في قرانا نتيجة لطبيعة المنطقة, والذي نخلطه بالتبن أو القش فيصبح متماسكاً ليشكل الجدار الداخلي "للتنور" وهذه المادة تصبح أقسى وأصلب عندما تتعرض للنار لذلك لا خوف من التصاق رغيف الخبز أو احتراقه داخلها ثم بعدها نحضّر "الكارا" وهي قطعة من القماش تصنع بشكل دائري يوضع عليها العجين الرقيق عند إدخاله "التنور" وتكون نظيفة دائماً من أجل لصق العجين على حواف "التنور" الداخلية وننتظر بضع دقائق ثم نخرجه عند انتفاخه ويكون قد نضج».

يُتبع "بالتنور" أدوات عديدة كما قالت الجدة "حنة" ولها أسماء شعبية محلية وهي: «المنخل, الكارا, الطست (وعاء واسع يستخدم لعملية العجن), الطبيقة (وعاء مصنوع من القش ذو تلوينات فنية مميزة يستخدم لوضع الخبز المستخرج من التنور أثناء عملية الخبز), الشوبك, الخميرة».

وبسبب طبيعة "الوادي" السياحية فإن "التنور" انتشر بكثرة في المنطقة واختصت بعض المطاعم به واصبح يقدم كل طعامها مترافقاً مع خبز "التنور" ليصبح عنصر جذب سياحي إضافي في المنطقة.