تتفنن المائدة الحمصية بأصناف تخصّها على مرّ عقود من الزمن، ومن خلالها امتدت إلى المدن السورية بمجملها مع إضافات ولمسات ابتكرها كل على حدة، وأحد تلك الأصناف المميزة أكلات خلت من وجود اللحوم نتيجة لفقر الحال أو لارتباطها بمواسم دينية معينة.

لعل "الكبة حيلة" واحدة من أشهر الأكلات التي يدلّ اسمها على معنى وقصة مضحكة نوعاً ما.

"الحبوب" هي أكلة شتوية وربيعية تنتشر في "حمص" وريفها وهي عبارة عن كل ما يوجد في البيت من حبوب متعددة مثل "الفول، الفاصولياء، الحنطة الكاملة، الحمص، العدس..." مترافقة مع الزيت النباتي ودبس البندورة المنزلي الصنع فقط، ويحبها الصغار قبل الكبار من أبنائي وأحفادي

eHoms التقى السيدة "نبيهة الشماس" والتي تبلغ من العمر تسعين عاماً وهي من قرية "المزرعة" التابعة لمدينة "حمص" والتي حدثتنا عن "الكبة حيلة"، وكيف بدأت، تقول: «يرجع اسم هذه الأكلة لشبهها بالكبة التقليدية التي يعرفها كل أهالي بلاد الشام، إلا أنها لا تحتوي على اللحم نتيجة لأن المرأة التي اخترعتها كانت فقيرة الحال وارتأت أن تقدمها لأفراد عائلتها باقتصارها على "البرغل" و"البصل" والزيت النباتي، وكانت بمثابة حيلة افتعلتها لتلافي فقر المائدة وشوق الأبناء لأكلة الكبة المحشوة باللحم، ومن ثمّ تطورت لتصبح مطلوبة في فترة الصيام المسيحي الذي يخلو الطعام فيه من كل أنواع اللحم والمنتجات الحيوانية».

السيدة "نبيهة الشماس"

تتحول "الكبة الحيلة" إلى "الكبة اللبنية" بإضافة اللبن إليها وذلك بحلول "الفصح"، كما تضيف السيدة "نبيهة"، والتي انتقلت للحديث عن أكلة "الحبوب" التي تشتهر في "حلب" و"دمشق" كنوع من أنواع الحلويات الشعبية التقليدية، وتقول: «"الحبوب" هي أكلة شتوية وربيعية تنتشر في "حمص" وريفها وهي عبارة عن كل ما يوجد في البيت من حبوب متعددة مثل "الفول، الفاصولياء، الحنطة الكاملة، الحمص، العدس..." مترافقة مع الزيت النباتي ودبس البندورة المنزلي الصنع فقط، ويحبها الصغار قبل الكبار من أبنائي وأحفادي».

في أيام ماضية كانت تلك الأكلات الشعبية تطهى على نار "التنور" أو "الفحم" لعدم وجود مواقد الغاز المتطورة، إلا أن هذا النوع من الطهو أضاف للأطعمة نكهة مميزة مازالت تطلب حتى الآن في المطاعم الحديثة، فالشيف "صبري كمال شيخو" من "حلب" يقدم هذه الأكلات الشعبية حسب الطلب وحسب المواسم، وعن ذلك يتحدّث: «هذا النوع من الأطباق يقدّم بطريقة جانبية لا تضاف على قائمة الطعام الأساسية نتيجة لخصوصيتها بأهل البلد، "فالكبة الحيلة" مثلاً هي أكلة مميزة ومعروفة في "حمص" فقط وتتألف من "البرغل" المنقوع المكور والمنكه بأنواع متعددة من البهارات، والذي يقلى بالزيت النباتي ويضاف له أصناف عدّة من الخضراوات كنوع من الزينة، وأنا شخصياً عرفتها من خلال عملي في "حمص" أمّا "الحبوب" فأهل "حلب" و"دمشق" يقدمونها بشكل دائم كنوع من الحلويات المخلوط بالدبس الحلو- عصير العنب المكثف- والزبيب والجوز...، دون موسم معين، أمّا في "حمص" فالحبوب هي أكلة دسمة تتألف من أنواع الحبوب كلها ممزوجة بدبس البندورة واللحم الأحمر المطبوخ في الأيام العادية ودونه في أيام "الصيام المسيحي"، وتقدم أيضاً مقتصرة على حبوب الحنطة ممزوجة بخليط من الحليب المكثف وعصير الحنطة والسكر الأبيض والجوز، وتباع على العربات في أيام الشتاء البارد».

"الكبة حيلة" مقلية"

ولأهمية هذه الأكلات في تاريخ أهل "حمص" ذكرها مؤرخ "حمص" الأول "نعيم الزهراوي" في كتابه "حمص دراسة وثائقية من 1840- 1918" فيصفها بالقول: «الكبة على أنواعها المشوية والمقلية كان الأغنياء يأكلونها مرّة بالشهر، أمّا الفقراء فمرّة في السنة وكانوا يستعيضون عنها بنوع آخر يدعونه "كبة حيلة"، وهي "برغل" يعرك معه قليل من الطحين دون لحم ولا شحم، وتصنع منه كرات صغيرة بحجم واحد سنتيمتر تطبخ ثمّ تقلى بالزيت والبصل "كالمجدرة"- برغل مع عدس- وكان الناس يطلقون عليها "رصاص المغاربة" تندراً بها لثقلها في الأمعاء وعسر هضمها».

ويذكر عن "اللبنية" أي "الحبوب مع اللبن"، بالقول: «يضاف اللبن بالماء ثمّ يرفع المزيج على النار مع تحريكه المستمر حتى يبدأ بالغليان ثمّ يضاف إليه الأرز بعد تصويله- تنقيته- وبعد أن ينضج الأرز تصبح جاهزة للأكل، أمّا الفقراء فكانوا يستعملون "الشنينة"- المصل الناتج عن صناعة الزبدة بعد تجمع المواد الدسمة نتيجة للخضّ- بدل اللبن والذرة الصفراء بدل الأرز».

الشيف "صبري كمال شيخو"