مهما تنوعت الحلوى العصرية وكثرت ألوانها وأشكالها وحتى ماركاتها العالمية المسجلة، فإنها لا تستطيع الصمود أمام حلوى أجدادنا وآبائنا التي تعودوا عليها والتي مازلنا نحن نتداولها في بيوتنا بفضلهم، وأحد أشهر تلك الحلويات "هبابيل التين وأطباقه" أو "قلائد التين" التي لها تقليد خاص في صناعتها وإيصالها لشكلها النهائي.

eHoms التقى العم "سليمان الحسين" من قرية "بلين" التابعة لمنطقة مصياف" في محافظة "طرطوس" والتي تشتهر بهذا النوع من الحلويات الشعبية التقليدية، وأثناء بيعه للتين في إحدى شوارع مدينة "حمص" كان لنا معه حديث عن كيفية صناعته لهذه الحلوى على مرّ عشرين عاماً وأكثر، فيقول: «لم يخل منزل في القديم ولا متجر من "هبابيل وقلائد التين" وتلك القرى كانت ومازالت تصدره للمدن التي تطلبه باستمرار، ولاسيما أن أبناء المدن بمعظمهم من سكان الريف الذين يعملون في المدينة، وتعودوا على هذا النوع من الحلوى، وأنا حتى هذا الوقت مازلت أحمل بضاعتي التي أصنعها بيدي إلى المدينة وأضعها على عربتها المخصصة وأبيعها بزمن قصير».

لم يخل منزل في القديم ولا متجر من "هبابيل وقلائد التين" وتلك القرى كانت ومازالت تصدره للمدن التي تطلبه باستمرار، ولاسيما أن أبناء المدن بمعظمهم من سكان الريف الذين يعملون في المدينة، وتعودوا على هذا النوع من الحلوى، وأنا حتى هذا الوقت مازلت أحمل بضاعتي التي أصنعها بيدي إلى المدينة وأضعها على عربتها المخصصة وأبيعها بزمن قصير

أما صناعة قلائد التين وتهيئتها، فعنها يبدأ الشرح قائلاً: «نستخدم فاكهة التين وهي خضراء اللون ونتركها حتى تتحول إلى اللون الأصفر ويترك حتى يذبل، وهو مازال على الشجرة الأم، أي دون قطاف، بعدها نقوم بجمعه ونشره على أطباق من النايلون أو الخشب على سطوح المنازل في الريف لكي يتعرض لأشعة الشمس والرطوبة مدة أربعة أيام أو أكثر بحسب درجة ذبوله، ثمّ نقوم بجمعه وتعليقه بخيوط قطن عبر مسلة كبيرة ونظيفة خاصّة به، ليصبح على شكل قلائد والأهمّ من ذلك هو استخدام خيوط القطن وليس النايلون، لأنّها لا تسبب تعفن التين وفساده، وبعدها نعلق القلائد على منشرها الخاص بها في جو رطب دون وجود أشعة الشمس حتى يجف جيداً ونتأكد من جفافه عن طريق الضغط على كل حبة ومعرفة درجة سماكتها أو طراوتها».

العم "سليمان الحسين" مع أحد الزبائن في "حمص"

تصنف قلائد التين حسب جودتها وتباع بأسعار معينة تبعاً لتلك الجودة وتتراوح بين /75/ ل.س و/80/ ل.س، ويبلغ وزنه حوالي 500 غ، أما "هبابيل التين" التي تصنع بشكل آخر فتتحدث عنها السيدة "ظفيرة كاسوحة" من منطقة "القصير" التابعة لريف "حمص" وهي منطقة تحتوي على محصول واسع من ثمار "التين"، وتقول: «قبل أن أتحدث عن كيفية صناعة "الهبول"، أستطيع الحديث عن ذكريات ترتبط بصناعة هذه الحلوى المميزة والتي ترسخ في مخيلتي، وأنا فتاة صغيرة أخرج مع أهلي ومع جميع أهالي القرى إلى بساتينهم المشهورة لقطاف الثمار المتنوعة، ومنها ثمار "التين" ويبدأ القطاف منذ الفجر وقد ينتهي في المساء، وبعد قطاف ثمار "التين" الذي يحصل كل يومين أو ثلاثة، توضع في مكان يسمى "المسطاح" أي مكان فرد الثمار، وتقوم النساء بشق كل ثمرة على حدة من خلفها مكان العنق بشكل جيد وتوضع مقلوبة على حجارة "المسطاح" ليتم تعريض لبّ الثمرة لحرارة شمس الصيف العالية ليجف بنسبة حوالي80%، ومن ثمّ تجمع في نهاية اليوم الأخير حيث مازالت الشمس ساطعة، بحيث تكون قد جفّت جيداً دون أن تكتسب رطوبة إضافية، مع الحرص على عدم تعرضها للمياه سواء من الأمطار أو الندى، ومن ثمّ تجمع الثمار الجافة في أكياس قطنية "خام" لكي لا تسبب تعرّقها وتزيد من جفاف الثمار، وتقلب بين الحين والآخر ضمن الأكياس، بعدها نقوم بتنقية حبّات "التين" الجافة من الشوائب وبعض الغبار أو بقايا القش والعوالق التي يمكن للرياح أن تلقيها على الثمار أثناء التجفيف».

أما عن مرحلة تهبيل التين، فتتابع: «نضع ثمار "التين" في وعاء معدني مثل "مصفاة" تحتوي على ثقوب ونضعها فوق قدر يحوي ماء يغلي على موقد عالي الحرارة وكان سابقاً على الفحم، ومن خلال ثقوب المصفاة يدخل بخار الماء إلى ثمار "التين" الجافة وتترك لحوالي نصف ساعة أو أكثر حسب درجة النضوج التي نتعرف عليها عند لمسنا للثمار وفركها بين أصابع اليد والتأكد من طراوتها، وتفرش بعدها على قطعة قماش مطوية على عدّة طبقات، وتلف فيها الثمار ويضغط عليها حتى تصبح متجانسة ومطحونة جيداً، ومن ثمّ تقطع إلى قطع صغيرة أو كبيرة حسب الطلب بواسطة ملاعق من الخشب وتدلك بين اليدين لتأخذ شكلها المتطاول، ويرش عليها طحين "البرغل" أو السكر الناعم المطحون لكي لا تفسد وتلتصق ببعضها، وتترك لتبرد ثمّ تعبأ وتحفظ لموسم الخريف والشتاء».

السيدة "ظفيرة كاسوحة"

تباع "هبابيل التين" بأوزان معينة حسب الطلب وقد يبلغ سعرها بين 250 ل.س إلى 300 ل.س، ويعرف هذا النوع من الحلوى بأهميته الغذائية الكبيرة، التي تتحدث عنها السيدة "ابتسام شبيب"، وتقول: «تندرج "هبابيل التين" دائماً ضمن بيت "المونة" السنوي لدي، ولأني قد اعتدت على وجودها في منزل أهلي مذ كنت صغيرة ووجودها على موائد الشتاء كحلوى بعد الطعام، إضافةً إلى أنني أعلم فائدتها الكبيرة للصحة حيث إنها تحتوي على طاقة كبيرة لدى تناولها وهو السبب الأساسي لجعلها حلوى الشتاء في القديم، فهي تكسب الجسم الحرارة أثناء البرد، وقد قرأت عن احتوائها لفيتامينات A وB وC ونسبة عالية من أملاح الحديد والكالسيوم والبوتاسيوم والنحاس وتلك التي تعطي السعرات العالية، ويستعمل كملين للمعدة، ومعالجة البشرة من بعض الثآليل والحبوب، وبغض النظر عن فوائده الطبية فله طعم لذيذ ومميز لا يعطيه أي نوع من أنواع الحلويات الأخرى».

الجدير ذكره أن زراعة التين تحتل في سورية المرتبة الرابعة من حيث المساحة بعد "الزيتون" و"الكرمة" و"التفاح" وتنتشر زراعته في مختلف المحافظات السورية حيث تزدهر زراعته في مواقع بيئية شديدة التباين فنجده في مناطق لا يتجاوز معدل هطول الأمطار فيها 200 ملم سنوياً وفي مناطق أخرى يصل فيها المعدل لأكثر من 1000 ملم ويزرع في مختلف أنواع الترب وينجح في الأراضي الصخرية ويتحمل الجفاف وحرارة الصيف المرتفعة.

السيدة "ابتسام شبيب"