عشقتْ الحرفَ وحبست الكلمات بين دفتي دفاترها العتيقة في قريتها المنسية، ليبقى الحلم كالجمر تحت الرماد، لتهيَأ لها الفرصة وتكمل دراستها الجامعية مع ابنتها، وتعتلي منابر المراكز الثقافية، وتجوب المحافظات كعضو في العديد من الملتقيات والمنتديات الأدبية.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت الشاعرة "مريم مصطفى" بتاريخ 26 تموز 2020، لتحدثنا عن مسيرتها، قائلة: «تغلغل عشق الكلمة في أعماقي منذ طفولتي المبكرة، فكان حلمي أن أصبح شاعرة أعتلي المنابر، وأن تتألق كلماتي المدفونة في دفاتري القديمة، وترى النور.

كرمت من قبل العديد من الجهات، مثل مركز ثقافي "طرطوس" عام 2018، ومركز ثقافي "شين" لإبداعاتي الشعرية، وقد نشرتْ قصائدي في العديد من الصحف العربية، كـ"العراق"، "لبنان"، و"مصر" ، وعلى عدة مواقع إلكترونية

سحرني الشعر القديم بعمق كلماته، وشدني الشعر الحديث ذو النمط السريالي بعمق معانيه وصوره، وتحدثه عن الذات الشاعرة بجميع مكنوناتها، وكان أبرز المحاور في حياتي انقطاعي عن الدراسة في الصف الأول الثانوي، بسبب عدم وجود ثانوية في قريتي "حنجور" بريف "حماة"، ما ترك ألماً كبيراً في نفسي، وما برحت الأحلام تراودني، حتى عدّتُ إلى مقاعد الدراسة عام 2013 مع ابنتي الكبرى، حيث حصلت على الثانوية العامة، ودرست في كلية التربية اختصاص معلم صف في جامعة "البعث"، لأحصل على الإجازة عام 2017، لكن ذلك لم يروِ ظمآي للعلم فحصلت على الدبلوم في العام التالي».

الشاعر إبراهيم الهاشم

وتحدثت عن تجربتها الشعرية، قائلة: «كتبت الخاطرة والشعر الموزون، وركزت بداية في أشعاري على ما كنت أعانيه من فقدّ لأخي الكبير المتوفى، فقلت في رثائه:

ذكرتك بعد أخي المفقود دياري فبدأت أحنُّ إليك يا مـــلاك

الناقد العراقي علاء الحامد

قد كنت ابتسم لطيـــــــفه الآتي كالحب في قلب عاشق بـاك

وكان حرماني من متابعة تعليمي حافزاً كبيراً للإبداع، ودافعاً لأسكب جوى روحي على الورق، وكان للمرأة التي ترزح تحت ظلم المجتمع، حضور في أشعاري متمثلاً بحرمانها من حريتها الشخصية.

مجموعتها الشعرية مع أشواقي سأرحل

فكانت أول إطلالة لي من على المنبر عام 2016، في مركز ثقافي "حمص" بلقاء شعري، بمساعدة الصديق الإعلامي "أندريه ديب"، لألتقي خلاله بالعديد من الشعراء، ومنهم الشاعر المبدع "إبراهيم الهاشم"، ومن هنا كانت انطلاقتي، فانضممت إلى ملتقى "الثلاثاء الثقافي" للقاص "نبيه الحسن"، وأغدو مشاركة دائمة في نشاطاتهم، ثم تعرفت على الشاعر "حسن داود"، وأصبحت عضواً في مجموعة "منارات"، حيث جبتُ معهم أغلب المحافظات والمناطق السورية، من "طرطوس" إلى "جبلة"، ثم "اللاذقية"، فـ"مرمريتا" و"شين"، وانضممت مؤخراً إلى "منتدى حمص الأدبي"، بإدارة الشاعر "إبراهيم الهاشم"، لأكون مشاركة دائمة في النشاطات الشعرية في المركز الثقافي المحدث في حيّ "الزهراء"، وكان لي العديد من المشاركات برفقتهم في العديد من المدن كـ"القرداحة"، و"النبك"، وأخيراً انضممت لـ"الركن الثقافي الوطني"، وكنت مشاركة أسبوعية فيه بقصائد غزلية ووطنية.

وقد أصدرت مجموعة شعرية بعنوان "مع كل أشواقي سأرحل"، ركزت فيها على الوطن، من منطلق أنه هو الأم التي تحتضن أولادها، وتحبهم كما هم، ولا تريد منهم سوى أن يكونوا صادقين في ولائهم لها منتجين لكل ما هو خير لهم ولوطنهم، واعتمدت في ديواني الجديد على الشعر السريالي والعمودي والمحكي، وتناولت به ما مرَّ على "سورية" وشعبها من آلم خلال هذه الحرب الطاحنة، ومنعكس ذلك على الوضع المعيشي، مثل قصيدة بعنوان "مخاض أعمى" تحدثت فيها عن الجوع بالقول:

أصابع القهر تعزف على أوتار الروح

النوم لم يعد يهطل رذاذاً

على بقاع شتتها اليأس

المارد الغول

وحّد الألوان

لونه المفضل

لون دم

ضحايا بلا قوت

ماضون في رحلة موت عتقته

مشانق الجوع

خامدة كجمر نار ثورة الجياع

طفل يرتعش موهوماً وراء حلم

أي حلم ؟

كلية بمائة دولار

رغيف خبز بنقطة دم ساخنة.

وكانت لي وقفة مع معاناة أمّ الشهيد وآلامها في أشعاري، وتحدثت عن أبناء الشهداء، وتناولت معاناة الانتظار الذي يعيشونه دون طائل».

وعن التكريمات التي حصلت عليها، تضيف: «كرمت من قبل العديد من الجهات، مثل مركز ثقافي "طرطوس" عام 2018، ومركز ثقافي "شين" لإبداعاتي الشعرية، وقد نشرتْ قصائدي في العديد من الصحف العربية، كـ"العراق"، "لبنان"، و"مصر" ، وعلى عدة مواقع إلكترونية».

وتناول تجربتها الشاعر "إبراهيم الهاشم"، قائلاً: «"مريم مصطفى" أديبة سورية مثابرة، تعتمد غالباً على الكتابة النثرية في بوحها الأدبي، ولها محاولات في الشعر المقفى والمحكي، وتميل في كتاباتها إلى البساطة في التركيب، وربما كانت هذه طريقة من طرق مواجهة تعقيدات الحياة المركبة، اختارت الشاعرة الغربة موطناً لها، فهي صديقة للقلق والرياح، تحول المحدودية إلى أفق ليس له حدود، في حروفها رسائل لتمزيق ستائر الواقع اليومي، ومحاولة شق دروب جديدة إلى عالم أبهى وأجمل وأسمى، تمتد كتاباتها بين الحقيقة والهم، والواقع والحلم، وتسوق أمامها مفردات اليأس، ولكن على طريق الأمل الذي يشع من بعيد».

أما الناقد العراقي "علاء الحامد"، فتحدث عن تجربتها قائلاً: «الشاعرة "مريم مصطفى" تتمتع بحركة حسية من خلال الذات التي تعمل باتجاه النصّ الشعري وأدواته، تقرأ نصوصها في الذهنية التي تنتمي إلى دائرة الأحلام، ومن ثم تترجم تلك المؤجلات على الورقة، حيث تملك الشاعرة نصين، نصّاً عالقاً في ذهنيتها، ويحتاج إلى من يترجمه، ونصّاً موجوداً على الورقة مع علاقة تامة بالنصّ المؤجل.

تمتلك جرأة كتابية خارج التجريب، فهي بحارة لا توجهها البوصلة، لأنها تعرف دهاليز البحار، وتعرف أين يكمن الضباب، وتعرف كيف تقود سفينتها وتنقذ الأسماك من الغرق».

يذكر أنّ الشاعرة "مريم مصطفى" من مواليد "حنجور" في ريف "حماة" عام 1977، مقيمة في "حمص".