غاص منذُ طفولته المبكّرة في الأدب القديم، فعشق المعلقات ووُصِف بشاعر الهدوء والرومانسية، وتأثر بالشعر الحديث وتميّز بدفق الخيال، وغلبت الطبيعة على أشعاره المرتجلة، ولامس معاناة الناس وأوجاعهم بأشعاره، كرّم في العديد من المنتديات والملتقيات وجاب العديد من المحافظات.

كان لمدوّنةِ وطن "eSyria" وقفةٌ مع الشاعر "إبراهيم الهاشم" بتاريخ 1 تموز 2020، ليحدثنا عن بداية انطلاقته، قائلاً: «بدأ شغفي بالقراءة منذ المرحلة الابتدائية، فكنت أرتاد مركز "حمص" الثقافي خلال فصل الصيف، لدرجة أنني لم أترك قصة للأطفال ولم أمرَّ عليها، ثم ارتقيت بقراءاتي في المرحلة الإعدادية، فتنوعت، ما خلفَّ لدي رصيداً لغوياً وكثيراً من المفردات، وجعلني أتميز في مادة التعبير، ما أدهش مدرّس اللغة العربية "أحمد السواح"، ودفعه للتشكيك بداية، بأنها من نسج خيالي، الأمر الذي وضعني أمام مسؤولية كبيرة لأضع عصارة فكري في موضوعاتي، فتميزت بها لكن لم أتوقف عند هذا الفن، فتوجهت لكتابة الشعر الذي استهواني، وكانت لي محاولات شعرية منذ المرحلة الإعدادية، وبرغم التحاقي بالعمل الوظيفي بعد حصولي على الثانوية العامة عام 1970، لكن ذلك لم يثنني عن القراءة والاطلاع وكتابة الشعر، فبدأ عطائي الفعلي بعد إنهائي عملي الوظيفي وتقاعدي».

ما بين شاطئ فكرةٍ وقصيدةٍ وسكونِ ليلٍ يأسـرُ الألبابا أسري على سطحِ الكتابةِ موجةً بيضاءَ تفتحُ في المدى أبوابا أمضي إلى جُزُرِ الخيالِ كزائرً فأطيلُ في تلك الربوعِ غيابا أنا والشواطئ والنخيلُ توائمٌ نهوى الصفاءَ ونكرهُ الألقابا لي في المتاعبِ رحلةٌ مجنونةٌ تهوى الضياعَ وتجهلُ الأسبابا أسرابُ أحلامي تحلِّـقُ عاليا في الأفقِ ألمحُ خلفها أسرابا في الليل تحضنُ خوفنا ودموعنا وتروح تشعلُ في المدار شهابا

وتابع حديثه عن تجربته الشعرية، قائلاً: «من خلال مراحل حياتي التي مررت بها تولدت لدي قناعة بأن الشعر يضيء العالم من حولنا، ويضيء القلب والروح والوجدان، لم أنقطع عن الكتابة خلال عملي أو أتوقف عن قرض الشعر، إلا أنني بدأت مرحلة جديدة بعد تقاعدي فتنوعت موضوعات أشعاري بين الإنسانية والاجتماعية، وتناولت الحب والغزل، ووصفت المدن التي عملت بها، وتغنيت بها، منها "حمص"، "حلب" و"دمشق"، وكل ما يهمُ الناس، أما المرأة التي تشكل أكبر جزء من المجتمع، فهي القصيدة التي لا تنتهي، وهي مانحة الحياة، ويمكن أن أكون أخذت منحى فلسفياً في تعاملي مع الوجود والواقع».

الأديب رفعت ديب

وعن الشعراء الذين تأثر بهم، ومجموعاته الشعرية، قال: «قرأت الشعر الجاهلي والأموي والعباسي والجاهلي، ومن شدة شغفي به كنت أكتب المعلقات بخط يدي على دفتر خاص، لأستمتع بقراءتها في المنزل بصوت عال، وتأثرت بهم، فأخذت محبة الشعر العمودي من "المتنبي" و"جرير" و"البحتري"، ومن العصر الحديث "أحمد شوقي"، وأخيراً استهواني "نزار قباني" الذي كان شعره دافعاً لأبسط الشعر بعيداً عن اللغز المبهم الذي يحتاج لتفكير، فكانت باكورة أعمالي مجموعتي الشعرية "مطر على رمال الأيام" عام 2011، وفي عام 2014 صدرت مجموعتي الشعرية الثانية "من حقول الغمام"».

وتناول رحلته مع الأندية الثقافية، قائلاً: «عدت من مدينة "حلب" بحكم عملي، لأقيم في "حمص" معشوقتي، وأشارك بالعديد من نشاطات الأندية الثقافية، فعند مجيئي إلى "حمص"، شعرت بالفراغ الأدبي في ظل ظروف الأزمة، فالتقيت مع القاص "نبيه الحسن" مؤسس ملتقى "الثلاثاء الأدبي"، لأشارك في نشاطاته، لمدة عامين ونصف العام، ثم تآلفت مع مجموعة من الشعراء، لنؤسس منتدى "حمص الأدبي"، وأولهم الشاعر "رفعت ديب" والشاعرة "هناء يزبك"، وهدفنا الارتقاء بالكلمة إلى مستوى الحدث، فحاولت من خلال المنتدى استقطاب العديد من الشعراء والأدباء، وتشجيع المواهب الشابة والمبتدئة، فحاولنا أنا ورفاقي تقديم أشياء تليق بالأدب، والمرحلة التي تمرُّ بها البلاد، وما يقدمه الشعب والجيش من تضحيات، فلم يكن لدينا أي غايات شخصية من صور وألقاب، هدفي فقط أن أكون راضياً عن نفسي وعن ما أقدمه».

الشاعرة هناء يزبك

من قصيدته "رحـلة في مركب القصيدة"، يقول فيها:

«ما بين شاطئ فكرةٍ وقصيدةٍ

مجموعته الشعرية "مطر على رمال الأيام "

وسكونِ ليلٍ يأسـرُ الألبابا

أسري على سطحِ الكتابةِ موجةً

بيضاءَ تفتحُ في المدى أبوابا

أمضي إلى جُزُرِ الخيالِ كزائرً

فأطيلُ في تلك الربوعِ غيابا

أنا والشواطئ والنخيلُ توائمٌ

نهوى الصفاءَ ونكرهُ الألقابا

لي في المتاعبِ رحلةٌ مجنونةٌ

تهوى الضياعَ وتجهلُ الأسبابا

أسرابُ أحلامي تحلِّـقُ عاليا

في الأفقِ ألمحُ خلفها أسرابا

في الليل تحضنُ خوفنا ودموعنا

وتروح تشعلُ في المدار شهابا».

وتناولت مسيرته الشاعرة "هناء يزبك"، قائلة: «أرى أن الشاعر "إبراهيم الهاشم" أعادَ إحياء القصيدة العمودية، فانتقل بها من الجذور ليحلق في آفاق الإبداع، ويعيد لها وجهها وبهاءها ومكانتها، في قالب لا يركن لهيمنة الوزن، وسلطة القافية على حساب الصورة الشعرية في أفق الخيال والجمال، على الرغم من احتشاد القصيدة بالوقائع والشخوص، يظل الشعر منساباً ومحلقاً في كثير من المشاهد المعتادة في تجلياته الكبرى، ونجد الجزالة والقوة من حيث الموضوع، واستطاع أن يكسر التقاليد الشعرية القديمة، فنجد الإبداع الشعري الراقي والأنيق والبسيط والعميق معاً، وقد أخذ من اللغة الأكاديمية منطقها وحكمتها ورصانتها، ومن اللغة العامة حرارتها وشجاعتها، وسرُّ نجاحه بأنه قد أخلص للشعر والجمال، و"الهاشم" بصمة فريدة في خارطة القصيدة».

أما الشاعر "رفعت ديب"، فتحدث عنه، قائلاً: «يتصف "إبراهيم الهاشم" بالصدق في تعامله مع الآخرين، والمحبة للناس، ما انعكس على أدبه فهو كالسباح الماهر، يغوص في بحور الأدب ومحيطاته، ليأتي لنا بصور شعرية مدهشة تهتزُ لها نفوس سامعيه، وقد قمنا برفقته بزيارة العديد من المنتديات في العديد من المحافظات، فوصلنا لمحافظة "السويداء" و"دمشق" جنوباً و"حلب" شمالاً، و"اللاذقية" و"طرطوس"، وتميز بأنه زاوجَّ بين الأدب الرومانسي والواقعي الجديد، وقد أحبَّ الطبيعة البكر لدرجة القداسة، أما من حيث الواقعية الجديدة، فلامس بأشعاره معاناة الناس وأوجاعهم، ولا سيّما في قصيدتيه المشهورتين، الأولى "بالشرق"، والقصيدة "دمعة ثانية للشرق" طرح من خلالها هموم الناس ووضع الحلول».

يذكر أنّ الشاعر "إبراهيم الهاشم" من مواليد "حمص" عام 1951، وهو مدير منتدى "حمص الأدبي"، وعضو مؤسس جمعية "الوعي العربي" في "حلب".