رسمت لنتاجها الأدبي علامةً خاصةً به، حيث لامست فيه عقل القارئ وخياله، وخلقت صورٍاً شعريةً تأمليةً عكست فيها حقيقة الواقع الذي جعلها الأمَّ، والأب، والمرأة العاملة، وزوجة الشهيد، والشاعرة بأسلوبها الخاص.

مدوّنةُ وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 2 حزيران 2020 مع المهندسة الشاعرة "عذاب رستم" للتعرُّف على نشأتها، فقالت: «ولدت وترعرعت في كنف أسرةٍ محافظةٍ هاجسها الأوحد هو حبُّ العلم، والنهل من بحور الثقافة قدر المستطاع، وكانت مطالعة الكتب على اختلاف مواضيعها تجسيداً لهذا التشجيع، هذه العوامل جعلت اهتماماتي تنصبُّ في جلِّها نحو التحصيل العلمي العالي، الذي كانت حصيلته شهادة البكالوريوس في الهندسة الكيميائية من جامعة "البعث" عام 2009، ليكون بعدها الدخول إلى ميادين الحياة العملية واكتشاف ما كانت تخبئه لي».

امرأةٌ من رماد ## أحرقها الانتظار ## لا تُطِل عليها بالفراق دع حنينَكَ يلملم ما بقي منها ## أعِد تشكيلها ## من صلصال قلبِك ## تُكوِّنُها كيفما تشاء ## تحيا من جديد ## في روح ذاكرتِكَ

وتتابع عن العمل والأسرة: «دخلت ميدان الوظيفة العامة بعد عامٍ واحدٍ من تخرُّجي، وكانت مرحلةً جديدةً بكلِّ تفاصيلها، ثمِّ تلاها زواجي سنة 2011، هنا انتقلت لمرحلةٍ هي الحلم الأجمل لأيّ أنثى، فوهبني الخالق طفلين أصبحا جلَّ اهتمامات حياتي، وهذه الفترة كانت سبباً في انقطاعي عن القراءة التي أحببتها ورافقتني زمناً طويلاً، ليأتي عام 2014 حاملاً معه مأساةً أحدثت تحوُّلاً جذرياً، وسرقت مني الفرح والسلام، فاستشهاد زوجي وضعني أمام مسؤولياتٍ جديدة، أجبرني أن أكون الأمَّ والأب والصديق لأطفالي، والمرأة العاملة المسؤولة عن تأمين معيشة عائلتها، وسط الصعاب التي كنا نعيشها خلال سنوات الحرب القاسية، وهذا ما عمَّق الهوَّة بيني وبين المطالعة والكتابة لفترةٍ لاحقة».

مجموعاتها الشعرية

وعن بزوغ موهبة الكتابة الأدبية والشخصيات التي أثَّرت فيها؛ قالت: «كانت القراءة سبيلي نحو تعزيز ثقافتي، وهذا ما عزز لاحقاً مسيرة كتابتي التي بدأ طريقي صوبها يرى النور مذ كنت طالبةً في مرحلة الجامعة. كتبت من أجل نفسي في بادئ الأمر، لكن تلك الكتابات بقيت دفينة أدراجي خوفاً من عيونٍ قد تفسد جمال معانيها، بعد التحوُّل الذي ألمَّ بواقع حياتي، ونتيجة الآثار السلبية التي أفرزتها سنون الحرب من فقرٍ ثقافي، وانحرافٍ فكري، كانت عودتي إلى حضن الكتاب الذي افتقدته، هرباً من الواقع العام المرير وواقعي الشخصيِّ بشكلٍ خاص، وقلمي ترجم كلَّ مشاعري والصور التي كانت تزور مخيلتي.

لم أستعجل الصعود على سلَّم الاحتراف الأدبي، أحببت كتابة قصيدة النثر لما فيها من مساحةٍ واسعة الاستخدام للصور الشعرية واللغة السهلة والواضحة، إلى جانب الخاطرة، ومن بعدها كتابة القصة القصيرة، وقد كان لتأثري بنتاجات "محمود درويش" و"نازك الملائكة"، ومعهم سيد الحداثة "أدونيس" إلى جانب "محمد الماغوط"، و"بدر شاكر السياب" دورٌ في تعزيز نتاجاتي الشعرية، التي تأثَّرت كذلك بما كان يجري من أحداثٍ وأوجاعٍ في الشارع السوري، لأنِّي مؤمنةٌ بأنَّ الشاعر والأديب ملزمٌ بترجمة آلام الناس وأحلامهم ونقل أوجاعها».

جانب من شهادات التكريم والتقدير والجوائز التي نالتها

وعن نتاجها والمواضيع التي تناولتها، وتأثير الأمومة والعمل فيها، تتابع: «كانت كتاباتي هي انعكاسٌ لمشاعر الألم، والحزن، والفراق الذي عشته وعاشه أغلب السوريين، لكن تجربتي الشخصية التي خصَّني القدر بها، كانت حائزةً على مجمل ما كتبته، لكنها لم تكن تخلو من تصوير مشاعر الحب، والحنين، والوفاء، التي اعترت نفسي، كذلك كان للشهادة والشهداء الحيز الأكبر منها، وهذا كان واجباً عليَّ كشاعرةٍ وقاصَّةٍ ملتزمة بالنقل الأمين لواقعها المعاش.

كتبت للإنسان وللحياة، وقد حاولت قدر المستطاع التوفيق بين اهتمامي بأسرتي الصغيرة التي أعطيها الأولوية دوماً لأنَّني أعدُّها المجتمع الصغير الذي إن أحسنت تربيته وتوجيهه أخلاقياً وثقافياً، فنتاجه مجتمعٌ كبيرٌ معافى، أمَّا عملي الوظيفي فله وقته المخصص ومتاعبه التي تبقى داخل جدرانه، والكتابة عندي هي حصيلة انفعالاتي النفسية من غضبٍ وفرحٍ ولحظات ضعف تلمُّ بي، وترجمةٌ لها، والمتابع لنتاجي يلحظ ذلك الأمر كلًّه جيداً من خلال مجموعتي الشعرية الأولى "مذكرات وطن في امرأة" والتي صدرت عام 2018، وكذلك عند قراءته للمجموعة الثانية التي تأخَّر صدورها بسبب الأوضاع الراهنة، والتي حملت اسم "الغفران"».

الشاعر عامر الأحمد

نقتبس للشاعرة "عذاب رستم" بعضاَ من قصيدة "امرأة من رماد" المنشورة في مجموعتها الأولى:

«امرأةٌ من رماد

أحرقها الانتظار

لا تُطِل عليها بالفراق

دع حنينَكَ يلملم ما بقي منها

أعِد تشكيلها

من صلصال قلبِك

تُكوِّنُها كيفما تشاء

تحيا من جديد

في روح ذاكرتِكَ».

وعن ظهورها على الساحة الأدبية والمنابر التي أبرزتها كشاعرة؛ تقول: «الملتقيات الأدبية التي ظهرت زمن الحرب في مدينة "حمص" كان لها دورٌ في استمرار الحياة الثقافية ولو بشكلٍ يسير، لذا كان اختياري لها، والبداية مع مجموعة "منارات" الأدبية، ثمَّ في ملتقى "القرداحة" الأدبي، حيث شاركت من خلالها في العديد من المهرجانات واللقاءات الشعرية، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مهرجان "في رحاب الشهادة" عام 2018 الذي أقيم في مدينة "طرطوس"، ومهرجان "نفحات بحرية" بمدينة "جبلة" في العام نفسه، كذلك كانت لي مشاركةٌ ضمن فعاليات مهرجان "الخنساوات" في مدينة "حمص"، وفي الأماسي الشعرية ومنها أمسية أدبية في مدينة "النبك" عام 2019، وغيرها العديد من اللقاءات التي كانت تقيمها نقابة المهندسين التي أنتمي إليها، كما كان لي ظهورٌ على وسائل إعلاميةٍ عدَّة، منها قناة "أوغاريت" التلفزيونية وإذاعة "سوريانا"، إلى جانب ذلك كانت الصحف والمجلات الورقية سبيلاً لعرض نتاجاتي من الشعر والخاطرة والقصَّة سواءً المحلية منها كجريدة "العروبة" التي تصدر في مدينتي، و"الوحدة" في مدينة "اللاذقية"، أو العربية كجريدة "الدستور العراقي الجديد"، و"النهار"، ومجلة "مبدعون" اللواتي يصدرن في "العراق"».

الأديب والإعلامي "عيسى اسماعيل" من خلال اطِّلاعه على تجربة الشاعرة "عذاب رستم" يقول: «هي من بين الشاعرات الكثيرات التي ظهرن في مدينة "حمص"، ففي موجة انتشار ما يسمى قصيدة النثر برزت أسماءٌ عديدةٌ يمكن تصنيف النتاج الفنِّي لها ضمن فئتين: الأولى لديها مقومات الشعر من لغةٍ وخيالٍ وثقافة، والثانية تعثرت في جمع تلك المقومات، والمهندسة "عذاب رستم" باعتقادي من الفئة الأولى، رغم أنَّ تخصُّصها العلمي بعيدٌ عن دراسة علوم اللغة العربية، غير أنَّ عباراتها رشيقة، ومفرداتها أنيقة، وقصيدتها مؤثرةٌ في موضوعها، ولا سيما تلك التي تتحدث عن الوطن، والشهداء، وتمجيد الشهادة، ولا عجب في ذلك كونها زوجة شهيد.

بعد قراءتي لمجموعتها الشعرية الأولى "مذكرات وطن في امرأة" بشّرت بولادة شاعرة ذات شأنٍ في عالم قصيدة النثر، ولا بدَّ من التنويه إلى نشاطها في الأماسي والملتقيات والأنشطة الثقافية مما يعزز من موهبتها، ويكسبها خبرةً أكثر، ويحفزها على تقديم الأجمل للجمهور الثقافي».

الشاعر "عامر الأحمد" عنها يقول: «معرفتي بها تعود لفترة انضمامها إلى مجموعة القصيدة العالية المعنية برعاية كلّ المسابقات الأدبية في دولٍ عربيةٍ عدَّة، وتوثيقها ونشرها ورقياً بالتعاون مع صحيفة "الهيرالد" الأسترالية، وقد أثبتت نفسها كشاعرةٍ وأديبةٍ ذات شأنٍ من خلال مشاركاتها العديدة والمختلفة، سواءً على صعيد قصيدة النثر، والخاطرة، والقصة القصيرة جداً إلى جانب قصيدة الومضة الشعرية، وحصلت على مراتب متقدمة وجوائز عديدة عن تلك المشاركات، وأهم ما تمتاز به قصائدها هو التحرير الكامل للغة من قالبها المسطح، والصعود بها إلى خارج المألوف عبر صورٍ ومجازاتٍ مبتكرة في المناخ الشعري، الذي يمثِّل وحدة النص مهما طال أو قصر، وهذه الوحدة العضوية هي من أبرز النقاط التي تمثِّلها قصيدة النثر بشكلٍ عام، باختصار أستطيع التأكيد بأنَّها ورغم قصر عمر تجربتها الأدبية والشعرية، إلاَّ أنَّها أثبتت حضورها كشاعرة متمكنة من أدواتها الشعرية».

يذكر أنَّ المهندسة الشاعرة "عذاب رستم" من مواليد مدينة "حمص" سنة 1987، تعمل مهندسةً لدى الشركة السورية للغاز، حاصلةٌ على العديد من الجوائز وشهادات التقدير والتكريم عن مشاركاتها في مسابقاتٍ أدبيةٍ متنوعة، منها المركز الثاني عن قصيدة "ريحانة الحب" عن فئة قصيدة النثر الرمزية ضمن مسابقة مجموعة القصيدة العالية، وكذلك المركز الثاني عن نص "فتنة امرأة" عن فئة النص الأدبي، في عام 2019، وحصلت في العام الحالي على المركز الأول ضمن مسابقة القصة القصيرة جداً.