سحره الأدب الروسي فغرق في تفاصيله، لتساعده الصدفة، ويكمل تعليمه في "روسيا"، فتبدأ رحلة بحثه عن ذاته، ويحقق نجاحاً باهراً في عمله، ويتبوّأ العديد من المناصب، ثم يهرب في خريف العمر من الهندسة الخالية من الإحساس، ليبدع العديد من الأعمال الأدبية.

التقت مدوّنةُ وطن "eSyria" مع الأديب الدكتور "نزيه بدور" بتاريخ 27 نيسان 2020، ليحدثنا عن مسيرته وانطلاقته، قائلاً: «كنت منذ طفولتي عاشقاً للقراءة، مسحوراً بالكلمة المطبوعة والصورة، تجسدت تجاربي الإعلامية الطفولية بمشاركتي بمجلة الحائط، وبنتاجي الإبداعي المدرسي، من مواضيع الإنشاء والتعبير، التي كانت موضع تقدير وتشجيع من أساتذتي، وحتى رفاق طفولتي، وقد تأثرت تأثراً مباشراً ببعض أساتذتي في مراحل دراستي، وخاصة الأستاذ الناقد "سلمان إسماعيل" في المرحلة الإعدادية والثانوية، والأديب الراحل "رفيق فاخوري" الذي تدربت على يده، وكان لهما أعظم تأثير في تكوين ذائقتي الفنية الأدبية، والملكة النقدية لدي منذ مرحلة الشباب، وقد كنت مولعاً بالأدب الروسي منذ وقت مبكر، وتأثرت به عظيم التأثر بشكل غير مباشر، وخاصةً "أنطوان تشيخوف" و"ليو تولستوي"، اللذان كانا بمثابة ملهمين ومعلمين لي، ووجدت في أعمالهما قيمة إنسانية عالية وعمقاً فلسفياً، التحقت بكلية الهندسة المدنية في جامعة "البعث"، وحصلت على الإجازة منها عام 1984، لأعين معيداً في الكلية نفسها، وتوفدني الكلية إلى "روسيا" وأحصل على دكتوراه في هندسة الجسور من "لينينغراد" عام 1991، أما التأثير الأكبر على شخصيتي وثقافتي، فكان من السنوات الطويلة التي عشتها في "روسيا" في مدينة "بطرسبورغ"، التي تقدم لقاطنيها ثقافة راقية، عمادها الموسيقا الكلاسيكية والأوبرا والباليه، وعند عودتي إلى "سورية"، عينت مدرساً في جامعة "البعث"».

أعترف أنني مجرد مغامر، ومستكشف في عالم الأدب والفنون، وإنه يحقق لي متعة كبيرة، حيث إنّ حصولي على الدكتوراه في الهندسة وعملي في الجامعة، أتاح لي افتتاح وحدة هندسية للدراسات والتصميم، ما أمّن لي التوازن النفسي والمادي لممارسة عشقي الأزلي، وتذوّق أصناف الأدب والفنون وممارسة الكتابة، فكانت باكورة إنتاجي روايتي الأولى "مقتل الدكتور علي" عام 2006، ونتيجة ما لاقته من قبول لم أتوقعه، دفعني للإحساس بالمسؤولية تجاه الأدب، فتراجع عملي الهندسي أمام نشاطاتي الثقافية، وبعد عامين تقريباً صدرت لي مجموعةٌ قصصيةٌ بعنوان "على شفا حب"، وعملت على العديد من الأبحاث الأثرية والنقدية منها: "تقنيات السرد بين الرواية والسينما"، بحث حول تاريخ الأبجدية "الحرف المقدس"، "تدمر وروما مدينتان توءمان"، "أثر الثقافة السورية القديمة في عمارة روما"، وبحث "أوغاريت مملكة صغيرة على تخوم الإمبراطوريات"

وتناول مسيرته الأدبية، قائلاً: «أعترف أنني مجرد مغامر، ومستكشف في عالم الأدب والفنون، وإنه يحقق لي متعة كبيرة، حيث إنّ حصولي على الدكتوراه في الهندسة وعملي في الجامعة، أتاح لي افتتاح وحدة هندسية للدراسات والتصميم، ما أمّن لي التوازن النفسي والمادي لممارسة عشقي الأزلي، وتذوّق أصناف الأدب والفنون وممارسة الكتابة، فكانت باكورة إنتاجي روايتي الأولى "مقتل الدكتور علي" عام 2006، ونتيجة ما لاقته من قبول لم أتوقعه، دفعني للإحساس بالمسؤولية تجاه الأدب، فتراجع عملي الهندسي أمام نشاطاتي الثقافية، وبعد عامين تقريباً صدرت لي مجموعةٌ قصصيةٌ بعنوان "على شفا حب"، وعملت على العديد من الأبحاث الأثرية والنقدية منها: "تقنيات السرد بين الرواية والسينما"، بحث حول تاريخ الأبجدية "الحرف المقدس"، "تدمر وروما مدينتان توءمان"، "أثر الثقافة السورية القديمة في عمارة روما"، وبحث "أوغاريت مملكة صغيرة على تخوم الإمبراطوريات"».

مجموعته القصصية "على شفا حب"

وتحدث عن عمله في الجمعيات، قائلاً: «في عام 2008، اختارني أعضاء "نادي السينما" في "حمص" لرئاسة النادي، ما وضعني أمام حالة ثقافية غنية وعميقة، إنها السينما والنقد السينمائي، حيث نستضيف مخرجين وكتاب، وكنت أدير الحوار مع جمهور "حمص" السينمائي الجاد والمثقف، وفي عام 2015، فاجأني عالم الآثار السوري "ملاتيوس جغنون" رئيس جمعية "العاديات" الآثارية، بضرورة سفره إلى "كندا"، ليلتحق بأسرته، وتسليمي مكانه وتوصيتي بالأمانة خيراً، ليلقي على عاتقي مسؤولية جديدة، فكان العمل جماعياً، ونجحنا بتنظيم المحاضرات التي تعنى بتراثنا السوري وبثقافتنا العربية المجيدة، حيث نقوم بتنظيم رحلات عديدة إلى المواقع الأثرية السورية، برغم الظروف الأمنية وتحديات الأزمة، وقد أضافت جمعية "العاديات الأثرية" لشخصيتي الكثير، كما أنَّ التزامي بالبرنامج والمحاضرات المقررة، دفعني لمزيد من القراءة وإجراء البحوث العلمية المرجعية، حول تاريخ الشرق القديم وتاريخ العمارة والفنون التشكيلية، وهذا يسعدني ويروي عطشي، وبالتزامن مع ذلك كنت عضواً فاعلاً مع جمعية ثقافية حمصية أخرى هي "رابطة الخريجين الجامعيين"».

وتناول مسيرته صديقه القاص والروائي وطبيب العيون "محمد الحاج صالح"، قائلاً: «الدكتور "نزيه" صديق قديم، يتميز بكرمه وتواضعه وطيبته وصدق محبته للناس وتفانيه في العمل، سواء بمجال التاريخ والآثار أو الأدب، تميز بالأسلوب السردي في مجموعته القصصية "على شفا حب"، حيث تعددت أشكال القصص، فمعظمها مأخوذة من الواقع، شخصيات تعيش بيننا وتتناول أحداث تلوّن صفحات حياتنا، وتنمُّ عن ثقافة حداثية بالموسيقا والفن التشكيلي، كما أنّ تأثره واضح بالثقافة الروسية، اعتمدت المجموعة أسلوب السرد من الداخل و(الفلاش باك) أي أسلوب تداعي الذاكرة في مجمل القصص، مع إشارته بشكل غير مباشر إلى عطب المجتمع، من فساد الموظفين والمديرين في القصة الأولى "الليلة الأخيرة" والسكوت عن جرح الكرامة عند الاشتباه بعلاقة غير مؤكدة بين الزوجة والمدير، وهي النظرة الباردة التي تتميز بها قصص "تشيخوف"، إلى الإدانة التي يتميز بها الأدب الغربي، كما في أدب "فيرجينا وولف"، إلى قصة "وأد" وظلم المرأة في مجتمعنا الشرقي وقتل إبداعها، ومن الواضح التنوع الثقافي عند أديبنا الذي امتلك بقصصه المفارقة والبساطة والسلاسة في الأسلوب والمتعة والهدف الذي نستشعره خلال قراءاتنا لقصصه».

الأديب الطبيب "محمد الحاج صالح"

يذكر أنّ الدكتور "نزيه بدور" من مواليد "حمص" عام 1961، كاتب وصحفي وأستاذ جامعي، ومحاضر في كليتي الهندسة المدنية والمعمارية، وعضو في "اتحاد الكتاب العرب"، وعضو في اتحاد الصحفيين السوريين.

د. نزيه خلال وجوده في منطقة أثرية مع جمعية العاديات