جمعَ في تميّزه ما بين العلوم التجريبية من جهة، وبين حبِّ اللغة العربية وآدابها من جهةٍ أخرى، ليكون المهندس البارع في وظيفته العامة، وكذلك في بناء القصيدة والنصوص البحثية، بأسلوب أدبيٍّ خاصٍّ به.

مدوّنةُ وطن "eSyria" وبتاريخ 26 شباط 2020 التقت المهندس والشاعر "محمود نقشو" للتعرف على مسيرته الحياتية وأبرز المحطات فيها، والبداية كانت عن مرحلة نشأته وما رافقها من عوامل ساعدت في رسم طريق تلك المسيرة، وعن ذلك قال: «البيئة التي ولدت وترعرعت فيها، والملأى بالصور والمشاهد التي ما زالت محفورةً في ذاكرتي حتى اللحظة، من حيث الحارات القديمة، بكلِّ ما فيها من آثارٍ عمرانيةٍ متنوعة الانتماءات الدينية من كنائس ومساجد، إضافةً لطبيعة الحياة البسيطة، وجمال العادات الاجتماعية في ذاك الزمن، منها صور الحمَّام الشعبي، والرجل صاحب الكلمة العليا والمسموعة بالحقّ في الحي، إلى جانب مسيرة التحصيل الدراسي بما فيها مشهد الحضور المهيب للمعلِّم بأناقة ملبسه، وخطِّه، وأدبه في صفِّ الدراسة، كل ذلك كانت عوامل أساسية في تكوين كمٍّ هائلٍ من الصور التعبيرية ذات المحتوى الوجداني، وتحفيز السير على درب التفوُّق في تحصيلي الدراسي، الذي توجته بنيل الشهادة الثانوية بمجموعٍ عالٍ عام 1975، ما أهَّلني للدراسة في كلية الهندسة الميكانيكية في جامعة "حلب"، ولعامٍ واحدٍ فقط، قبل الانتقال إلى مدينتي "حمص"، والمتابعة في المعهد العالي للهندسة الكيميائية والبترولية، كما كان يسمى حينها، والذي تخرَّجت منه سنة 1981 بتخصُّص مهندسٍ كيميائي».

كان لي شرف تقديم مجموعتي الشعرية "مامو" قبل عامين من قِبل الشاعر "محمود نقشو"، الذي عرفته من خلال عملنا في رابطة الخريجين الجامعيين، أراه شاعراً ذا فلسفةٍ خاصةٍ به في الكتابة، يمتاز شعره بالقوة والرهافة، بالانبهار والهدوء، وبالإثارة الوديعة والإنسانية الشفيفة، برأيي خرج في أسلوبه عن الأطر التقليدية بوعيٍ حداثيٍّ فكري وفلسفي، القارئ لقصائده يسبح في مدارات الوجود كلها من مكانٍ وزمانٍ وحبٍّ يمتاز بثراء المخيلة واللغة العذبة الفريدة، حياته لا ترتبط بالشعر فقط، بل فيها ارتباطٌ وثيقٌ وجادٌ بالبحث والمعرفة والعمل، وكأنه يضع لنفسه نظريةً أو مدرسةً خاصةً بإسمه

المرحلة اللاحقة في مسيرة "محمود نقشو" عنها يقول: «مع نهاية عام 1984 كان دخولي للوظيفة في الشركة العامة للدراسات المائية، والتي تدرَّجت فيها بمناصب وظيفيةٍ عدَّة، من مديرٍ للمخابر فيها مدَّة خمسة عشر عاماً لحين تقلُّدي مهام المدير العام لها في سنة 2013، ولعامين لاحقين قبل الإحالة للتقاعد، تلك الفترة من العمل الوظيفي كانت مترافقةً مع بداية ظهوري كشاعرٍ من خلال انتسابي لعضوية اتحاد الكتَّاب العرب سنة 1993 بعد مشاركتي مراراً في الأنشطة والمسابقات التي كان يجريها لكتابات لشعراء الشباب، وأذكر هنا قصيدتي الأولى التي فزت معها بأول جوائزي، وكان عنوانها "قراءة في عيني امرأةٍ متوحّدة"، والتي أصبحت فيما بعد عنواناً لمجموعتي الشعرية الرابعة الصادرة عام 1999 وفيها أقول:

جانب من مجموعاته الشعرية والدراسات البحثية

قراءةٌ مبكرة .. قمرٌ، وكأسان استراحا في ظلال الصمت.. داليةٌ، وذكرى، والبقيةُ رحلةُ المنفى إلى جزر السكون..

ماذا أسمِّي دفقك الباقي، وطيفكِ المشلوح في لغتي، وهالات الظنون؟!

من أجواء محاضرته الأخيرة في فرع اتحاد الكتَّاب العرب بحمص

قولي .. أيحلمُ طائرٌ بلظاه .. إن ضحك المغنِّي، وارتقى شفقَ الفتون؟!

مدِّي يديكِ.. فأنتِ آخرُ موجةٍ تصل الشواطئ من دمائي.. في مدى صحوِ العيون».

الأديب والشاعر عبد النبي التلاوي

أمَّا أول مجموعةٍ صدرت لي فقد كانت سنة 1993 وهي بعنوان "من أوراق خريفٍ آخر"، وقد نالت صدىً واسعاً في أوساط أدباء المدينة وشعرائها، وثناءً لافتاً منهم، وأخصُّ بالذكر منهم الأديب "حنا عبود" الذي كان مشجِّعاً ومحفزِّاً لي للاستمرار في النهج الذي اتخذته كتاباتي، كان التوجُّه في تلك المجموعات ملحوظاً نحو القصيدة الطويلة والموزونة، لكنها تتبع لما يسمى في أساليب الشعر (نهج الحداثة)، مستفيداً من مخزوني الشعري الذي تراكم في ذاكرتي، وحسَّن من ذائقتي الشعرية، والذي تكوَّن مذ كنت طالباً في المرحلة الإعدادية، حين اكتشفت ميولي نحو نظم الشعر وإيجاد ذاتي به، بعد حالةٍ من التخبُّط مررت بها قبل ذلك، حيث كنت أشعر بطاقةٍ ما تجري في داخلي، نحو أمرٍ لم أكن أدرك ما هو، ما دفعني للدخول في تجارب عديدةٍ من بينها التمثيل، وتعلُّم الموسيقا، والرسم كذلك».

عن ذلك المخزون الشعري وتنميته، ومساهمته لاحقاً في تكوين شخصيته الشعرية أضاف قائلاً: «ما ذكرته في البداية عن الكم الهائل للصور التي رافقت مرحلة طفولتي وصباي، زد عليها مشاهد بائعي الكتب المستعملة على بعض أرصفة الطرقات الرئيسية، والمكتبات التي كانت تبيع الراغبين بالمطالعة تقسيطاً أو بنظام الإعارة كمكتبة "ابن خلدون" وغيرها، وهنا أذكر كتابي الأول الذي اشتريته في عام 1968 وكان عنوانه "النظرات والعبرات" لمؤلفه "مصطفى المنفلوطي"، كنت ميَّالاً نحو قراءة الشعر العربي لما فيه من سحر الصور وقوة المفردات، هذا دفعني فيما بعد لشراء مؤلف "ميزان الذهب في صناعة شعر العرب"، وفيه تعرَّفت على أسرار نظم الشعر ومحاكماته من حيث الاختيار السليم للأسلوب والقافية فيه، وزاد من ذلك الشغف وجود كوكبة من المعلِّمين القديرين، الذين أثروا في محبتي وشغفي باللغة العربية، أذكر منهم "نجاح صافي" و"قصي الأتاسي" و"محمود الفاخوري" إضافةً للمدرِّس "خليل السقا" وهذا الأخير كان صاحب الفضل في اكتشاف موهبتي الشعرية وتشجيعي على صقلها والاهتمام بها».

في العودة إلى نتاجه الأدبي من الشعر والدراسات البحثية عن ذلك تابع بقوله: «وجودي كعضوٍ في اتحاد الكتَّاب العرب، جعلني قريباً من أسماءٍ ذات شأنٍ عالٍ من المؤلفين في ميادين الشعر والرواية والقصَّة، وأكثر قرباً في الاطِّلاع على تجاربهم، وآرائهم، وحتى الأجواء التي كانوا يمارسون فيها أنشطتهم، والاستفادة منها في أعمالي اللاحقة، تنوعت أعمالي ما بين الشعر الطويل والموزون، المأخوذ من تفعيلةٍ ثابتة، إلى القصيدة القصيرة الموزونة، كما في ثالث مجموعاتي المعنونة باسم "سقط الرؤى" المنشورة عام 1997، وفيها اكتشفت بعضاً من عيوب القصيدة الطويلة، من حيث عدم ملاءمتها للاستخدام في طرح موضوعها.

وتوالت مجموعاتي الشعرية بالصدور توالياً، وعن اتحاد الكتَّاب العرب بالتأكيد، لكني أستطيع القول بأنَّ أسلوبي الشعريَّ الخاص بي، لم يتشكَّل إلاَّ بعد المجموعة السابعة منها، والتي أخذت عنوان "ليلة انشقَّ القمر" سنة 2005، وبعدها بأعوامٍ ثلاثٍ كانت مجموعة "فقه الليل"، لتمرَّ سنواتٍ عشرٍ بعدها، كي تبرز إلى النور المجموعة الأخيرة المنشورة، التي حملت عنوان "مجرَّد تلفت"».

إصداراته من الدراسات والنصوص البحثية عنها يضيف قائلاً: «في هذا المجال بالتحديد، كانت خلاصة سنين طويلة، جمعت ما بين العمل الوظيفي في تخصصي العلمي كمهندسٍ باحثٍ من ناحية، ومديرٍ قياديٍ من ناحيةٍ ثانية، واعتيادي على الظهور وفنِّ الإلقاء في أجواء الاجتماعات والمؤتمرات المختصة، وما اختزنته من ثقافة المطالعة لعموم النتاجات الأدبية، والعلمية، والفكرية، أضف إليها التوجُّه نحو نظم الشعر، وما أكسبني من مهارةٍ في تطعيم دراساتي وأبحاثي بالأسلوب الأدبي لها، لتكن "الأنتروبيا والشعر" هي أول نصٍّ لدراسة بحثية من تأليفي صادرٍ عن الهيئة العامة السورية للكتاب في عام 2018، أمَّا الدراسة الثانية فهي بعنوان "نظريات في قفص الاتهام" وما زالت قيد الطباعة وصدورها بات وشيكاً، وفيها أتطرَّق لتحليل وتفسير ما أنتج من علومٍ واختراعاتٍ علميةٍ خلال تاريخ البشرية، واستخدامها في أعمالٍ منافيةٍ لخيرها، وأن جلُّ ذلك استخدم لأغراضٍ سياسيةٍ واستعمارية، من قبل دولٍ ومنظمات معينة، كما أنجزت العديد من المحاضرات بمواضيع شتى ضمن سلسلة أسميتها "الثقافة الثالثة" وقدمتها في ندوات خلال أنشطة فرع اتحاد الكتاب العرب بمدينة "حمص"، وآخرها كان بعنوان "الإمبراطورية الكبرى" خلال شهر شباط الفائت».

الشاعر "عبد النبي التلاَّوي" أحد شعراء جيله وزميله في اتحاد الكتَّاب العرب عنه يقول: «معرفتي بالصديق الشاعر "محمود نقشو" تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، حينها كنت أنشر قصائدي في جريدة "العروبة" المحلية، وقد شدَّني ما كان ينظم من أشعارٍ جميلةٍ لها تميزها الخاص، ما دفعني لمشاركته في أمسيته الشعرية الأولى التي ظهر بها للجمهور على مسرح دار الثقافة في "حمص"، ما يميز قصائده شفافية صورها وحالة الجموح في خياله الشعري، فقصائده تنحو صوب التكثيف الرمزي الذي يحتفي بجمال الصورة وحداثتها، مبتعداً عن الإبهام فيها، لتدخل في ذاك الغموض الشفيف المحبَّب إلى نفس قارئ الشعر ومتذوقه، كما أننا ترافقنا في الأمسيات والمهرجانات الشعرية التي كانت تقيمها رابطة الخريجين الجامعيين بحكم كوننا أعضاءً فيها، وبعدما أصبح هو أحد أعضاء مجلس إدارتها، كان له الفضل في رفع مستوى المهرجان الشعري السنوي الخاص بها، والذي توسَّع انتشاره من خلال مشاركين من دولٍ عربيةٍ عدَّة».

الشاعرة "خديجة الحسن" من معرفتها به تقول: «كان لي شرف تقديم مجموعتي الشعرية "مامو" قبل عامين من قِبل الشاعر "محمود نقشو"، الذي عرفته من خلال عملنا في رابطة الخريجين الجامعيين، أراه شاعراً ذا فلسفةٍ خاصةٍ به في الكتابة، يمتاز شعره بالقوة والرهافة، بالانبهار والهدوء، وبالإثارة الوديعة والإنسانية الشفيفة، برأيي خرج في أسلوبه عن الأطر التقليدية بوعيٍ حداثيٍّ فكري وفلسفي، القارئ لقصائده يسبح في مدارات الوجود كلها من مكانٍ وزمانٍ وحبٍّ يمتاز بثراء المخيلة واللغة العذبة الفريدة، حياته لا ترتبط بالشعر فقط، بل فيها ارتباطٌ وثيقٌ وجادٌ بالبحث والمعرفة والعمل، وكأنه يضع لنفسه نظريةً أو مدرسةً خاصةً بإسمه».

الجدير ذكره بأنّ المهندس والشاعر "محمود نقشو" من مواليد مدينة "حمص" عام 1955 وهو متزوجٌ ولديه ثلاثة أولاد.