بعد ستة وخمسين عاماً من غيابه عن مدينة "حمص"- كما قال- كان جمهور الشعر فيها متشوقاً للقائه والاستماع إلى شعره الذي وصل إلى حدود العالمية، إنه الشاعر والمفكر السوري الكبير "أدونيس"، الذي أحيا أمسية شعرية كانت مسك ختام فعاليات أسبوع "مار اليان" الثقافي الخامس، على مدى ساعة وربع الساعة، وسط جمهور كبير غصت به قاعة "جوليا" بفندق "سفير حمص" مساء الاثنين في 8/3/2010.

واستهل "أدونيس" أمسيته الشعرية بمختارات أسماها "قصائد عن أحوال الحب"، تلاها قصيدة بعنوان "وجه يافا طفل"، واختتم أمسيته الشعرية التي تفاعل معها الجمهور الحضور بقصيدة بعنوان "الوقت".

في شعره يقبض وجداننا متلبساً بحقيقته، وهو في أحيان كثيرة يقرأ اللحظة القادمة قبل وقوعها لتندهش عند وقوعها بصورتها المحفوظة في مرآة إبداعه

في نهاية الأمسية توجه سيادة المطران "جاورجيوس أبو زخم" راعي فعاليات أسبوع "مار اليان" بكلمة قال فيها: «لساني يعجز عن وصف الذي حدث، فكيف لي أن أصل إلى هذا المستوى من عمق الحكمة والفلسفة عند هذا الإنسان، الذي يعيش كل حالاته، ويبقى متجلياً في كافة الظروف والأحوال... أفي الحب؟ أم في الوطنية؟ أفي التاريخ أم في الفكر العميق؟ أم في الوصف الذي ينبع ليس من كلمات يجرها، ولكنها تأتي كما كان يعبّر عن هذا الفكر الناضج؟».

الشاعر السوري الكبير "أدونيس"

وأضاف: «ألا تستحق الحياة عندنا إنساناً كهذا الإنسان؟ وهو وإن كان يهاجر في العالم، ولكنه متجذر في الأرض، في التاريخ، في الوطن.. نحن نشكره ونعجز عن هذا الشكر، ونسأل له دائماً تجليات وتجليات، لكي يبقى فكره منارة تنير الأجيال الطالعة، لأنه ينبئنا عن مستقبل مشرق لهذا الشرق».

أما الكاتب والإعلامي الأستاذ "حسن م يوسف" فقال خلال تقديمه للشاعر "أدونيس" في بداية الأمسية: «لا أغالي إذا قلت إن الشاعر "أدونيس" استطاع على مدى عهود من الإبداع أن يفرض نفسه رمزاً للتجدد، وما تزال أطروحته "الثابت والمتحول" التي نال عليها شهادة دكتوراه الدولة بالآداب تثير جدلا حتى يومنا هذا.

أثناء تقديمه من قبل الكاتب والإعلامي "حسن م يوسف"

ليس "أدونيس" مجرد شاعر، إنه خلاصة عريقة لهذه الحضارة، هو ابن المعلّم الأول الذي أبدع في الساحل السوري أوّل نوتة موسيقية، وأول أبجدية، وهو ابن "قدموس" شقيق "أوروبا" الذي حمل الأبجدية من "أوغاريت" إلى الإغريق، ومن الإغريق نقلت إلى العالم كله».

وأضاف: «في شعره يقبض وجداننا متلبساً بحقيقته، وهو في أحيان كثيرة يقرأ اللحظة القادمة قبل وقوعها لتندهش عند وقوعها بصورتها المحفوظة في مرآة إبداعه».

خلال المؤتمر الصحفي

وكان "أدونيس" قبل الأمسية عقد مؤتمراً صحفياً في فندق "السفير" مع الإعلاميين والمثقفين في حمص تطرق فيه إلى العديد من المواضيع المتعلقة بالشعر والنقد وبآرائه وكتاباته في الصحافة ونظرته إلى العالم.

فخلال المؤتمر قال "أدونيس": «أعمق ما يعبر عن شخصية الإنسان وهويته هو الشعر، فهو كالحب بوصفه علاقة كيانيّة بين شخص وآخر، وبالتالي إذا مات الشعر والحب فكأن الإنسان مات أيضا، فعندما يوجد الحب يوجد الشعر الذي لا يموت، بل يتغير كأساليب وطرق، مع العلم أن عصر العلم والتقنية الذي يشكو الكثيرون منه اليوم هو عامل آخر لجعل الشعر ضرورة أكثر من أي وقت مضى».

وفي سؤال حول غيابه عن المشاركة في الأنشطة التي تنظمها الجهات الرسمية الثقافية قال الشاعر "أدونيس": «لم أدعَ بحياتي كلها من مؤسسة رسمية في سورية، مع العلم أنني دعيت إلى أغلب جامعات العالم، ولا يعني ذلك شكوى من المؤسسة الثقافية الرسمية، لأنني حتى إذا دعيت، فلن أحضر، فالمؤسسة الثقافية الرسمية هي التي غيّبتني، وأنا أساساً غائب عنها».

وعن كتاباته في الصحافة قال "أدونيس": «إنني أؤمن بأن أفكار الإنسان يجب أن تكون لها قنوات قادرة على إيصالها، ومع وصول الكتاب ليصبح من الوسائل غير القادرة على إيصال الفكرة، أصبحت الجريدة أفضل بقليل منه، ولكن ستتراجع هي أيضاً، مع الإشارة إلى أن كتابتي في الصحيفة تكون ضمن شروط، أولها أن أقول رأيي بحرية كاملة، ولا أستسلم لأي اعتبار، فمن حق الجريدة أن ترفض مقالتي ولكن ليس من حقها أن تغيّر فيما أقول وهذا ما يحصل معي في جريدة "الحياة" التي مازالت أكتب فيها».

وعن الرمزية الموجودة في شعره قال "أدونيس": «أرغب في شعري أن يخرج القارئ من نفسه وعقله ويثور على جسده وأفكاره، لكي يعيد اكتشاف نفسه باتجاه آخر، لذا فالشعر هو لهدم ما ألفناه وهو خروج عليه، والشاعر يجب أن يكون ناقداً قاسياً لعمله ولنفسه، وهو للأسف ما لا يمارسه أحد، ويستحيل أن يكون الشعر الجماهيري إلا سطحياً لأن هناك أفكاراً عامة، وشعر "أدونيس" لا يسير في السياق العام للكتابة الشعرية، فهو نوع من تفكيك وإعادة بناء المجتمع من جديد».

بعد الأمسية الشعرية eHoms التقى الأديبة "سوزان ابراهيم" المحررة في الصفحة الثقافية في جريدة "الثورة"، وتعرف على رأيها بالأمسية، وباللقاء الصحفي مع "أدونيس" فقالت: «"أدونيس" قامة فكرية وأدبية تضيء أينما وجدت، وتثير الأسئلة أينما حلت! حضرت من "دمشق" خصيصاً لأستمع إليه، فما زال فكره وشعره يثيران حرائق جميلة في روحي وعقلي، فأنا أتبنى منطق خلخلة الراكد المستقر في أذهاننا وتاريخنا وموروثنا».

وأضافت: «لم يخب ظني بوهج "أدونيس"! رغم بعض الأسئلة التي لا يدرك أصحابها معناها، وبما يشير إلى جهلهم بمسيرة "أدونيس" أو بالأدب عامة، كان رجلاً هادئاً واعياً وأجاب دون تذمر حتى على تلك الأسئلة.

حاول أن يكون دقيقاً فأنت تعلم أهمية كل كلمة يقولها "أدونيس"، لست ممن يحبون التمجيد والتصنيم، لكنني أعي تماماً أهمية مفكر وأديب "كأدونيس". في حضرة رجل كهذا لا بد أن تتشعب الأسئلة بين حقلي الفكر والأدب، كان في جعبتي كثير من الأسئلة، لكنني خشيت الاستئثار بوقت أطول من بقية الزملاء، وفي واقع الحال أنا أطمع بأكثر من سؤال في لقاء صحفي معه، أعني أرجو أن أتمكن من إجراء حوار مطول معه يشفي غليل أسئلتي».

وعن زيارة "أدونيس" إلى "حمص" بعد هذا الغياب الطويل وما قدّمه من شعر قالت الآنسة "ابراهيم": «أفترض أن تشكل زيارة "أدونيس" إلى "حمص" نقطة فارقة، فسيكون ما قبلها وما بعدها، أما شعره فقد لامس سطوح الروح المجروحة أو المذبوحة، أدونيس لا يقول شيئاً مجانياً، كل جملة يقولها تشكل خلاصة مكثفة لخبرة وتجريب وحكمة وأرق فكري، وتبقى مشكلة المتلقي مع نصه تتجلى في قدرته على ملء فراغات النص والوصل بينها لتشكيل قراءة أخرى عميقة، ففي نصوصه أبواب خلفية قد لا يدري بوجودها أغلبية القراء، شعره كفكره نخبوي يحتاج إلى قارئ متفكر متمرس».