يعود "سائر القاسم" في مجموعته القصصية الثانية "المسافر" ليدوّن حكايا أبطال واقعيين يتماهى فيها الرمز المتخيل مع التفاصيل اليومية، ومن النادر أن تمر قصة دون أن يجد قارئها ما يشبهه في جملة قصيرة أو قيمة إنسانية نسج حولها "القاسم" قصته، موقع eHoms التقى "القاسم" في 13/2/2010بمناسبة الطبعة الجديدة لمجموعة "المسافر" وكان هذا الحوار:

*تحاول في قصصك مزج الرمز في الحياة الواقعية للأبطال هل هو نوع من دمج شخصية الكتاب مع أبطاله ضمن تعابير سهلة؟

إنني إنسان و عضو في هذا المجتمع و أملك بعض أدوات أحاول تطويرها دائماً بل إنها شغلي الشاغل، فأنا أرى كثيراً من الموضوعات ولكني أعتبر الوضع الاقتصادي هو الأهم وهو الحلقة الرئيسية إذا حلت...تحل جميع الحلقات

**«هذا الرمز المقصود يشير إلى السكون الذي دام طويلاً، أما من ناحية سهولة التعبير فقد تعمدت إلى جانب الصدق الفني توجيه مـا أكتب إلـى طبقة معينة وهي الطبقة الفقيرة.

الكاتب "سائر القاسم" مع الكاتبة "كوليت خوري"، والكاتبة "نوال السعداوي"

لا أكتب كي يقال عني كـاتباً بل أكتب كي أنفث ما في داخلي من مشاعر وأحاسيس أعبر فيها عن آلام يشاركني فيها هؤلاء الذين أكتب لهم».

*وكيف تختار مواضيع قصصك؟

«إنني إنسان و عضو في هذا المجتمع و أملك بعض أدوات أحاول تطويرها دائماً بل إنها شغلي الشاغل، فأنا أرى كثيراً من الموضوعات ولكني أعتبر الوضع الاقتصادي هو الأهم وهو الحلقة الرئيسية إذا حلت...تحل جميع الحلقات».

*"الـسفر"، "الغربة"، "الموت" نهايات تتكرر في قصصك هل هو نوع من الهروب؟

«الســفر له معان كثيرة فالإنسان يولد مســافراً في رحلة الحياة و رأيت البشر يدرجون خطواتهم الأولى استعدادا ً لهذه الرحلة، أما أنا فأســافر في اللغة في الوجوه المتعبة و في المعاني وليس هروباً بل اندماجاً موضوعياً في الحياة، و يجب أن نفرق بين نوعين من الســفر فثمة سفر من أجل تغيير الواقع بمعنى الانزياح نحو الخارج ليتم الحراك في الداخل .

فالهوية موجودة في هذه الحالة وجوداً موضوعياً و بقوة و هذا ما أقصده ....وثمة سـفر بمعنى الهجرة أي رفض الهوية ...المجتمع والبحث عن هوية جديدة و تجمع جديد وهذا النوع من الســفر هو الهروب، أما النوع الأول فليس هروباً بل حراك من أجل الالتصاق والاندماج و الذوبان في المجتمع و لأجل المجتمع ...أما مسألة الموت فالحياة خاتمتها الموت وأبطالي هم من الحياة و أنا أكرمهم في هذه النهايات».

*الحزن إذ لا وجود للفرح في قصصك ...هل هذا يعود لمــسألة ذاتية أم نوع من البوح؟

**«قد يكون هذا...فالواقع في لوحته القاتمة لا يفرز غير الحزن حتى لتكاد تصرخ ...

أنا أكتب للحزانى ...للأم التي فقدت ابنها...أكتب للحبيبة التي غادرها حبيبها كي يعود كريماً وما عاد، و ربما يعود هذا للأنا الحزينة حيث أكتب عن مخاوفي فكل كتابة هي قول هي انفضاض من الشكوى و الأمنيات، لذلك فهي بوح لتلك الأسرار الكامنة التي تجد مخرجاً لها لحظة الكتابة، فأنا منذ الطفولة أعاني من حالة لم أكتشفها إلا في وقت متأخر وهي ذلك التناقض بين الداخل والخارج ...الداخل بما أتلقنه من أهلي ....و الخارج ما أراه و ألاحظه في الشارع معاكس و منافٍ لدرجة تصل حد الصفاقة ..و أنا أعيش في زمن مهشم لا وجود للفرح فيه» .

*لديك اهتمام خاص بجزئيات و تفاصيل المكان مع العلم بأن الكتاب ذهبوا باتجاه /ق.ق.ج/ التي تعتمد على التكثيف بعيداً عن السرد الذي تعمل عليه؟

**«هذا عائد لإيماني بالسيميائية المشهدية ذلك لأن الحركة هي التي تعطي الديمومة للمشهد القصصي و تجعل المتلقي أكثر التقاء من الساكن أو المشاهد العامة .

بالنسبة للقصة القصيرة جدا فأنا لست ضد هذا المصطلح كجنس أدبي بل في التسمية ....ولا أرى بأن /ق.ق.ج/ تحمل أي قيمة أدبية أو إبداعية كقصة ...فالقصة وما لهذه الكلمة من معنى و ما تتركه من أثر في الذات الإنسانية خالدٌ و عظيم، أما /ق.ق.ج/ هي آنية و يزول أثرها بانتهاء قراءتها لذلك أطلقْ عليها اسم بروق أو ومضات، وهي أقرب للومضة الشعرية وأحياناً الخاطرة، منها إلى القصة، وفي /ق.ق.ج/ لا أجد القدرة على نقل صورة الحياة كما يحصل في اليومي و الآتي و المسألة تتحول بالنسبة للكاتب إلى موضوع بعد أن يكون انعكاس، والتفاصيل و الجزئيات التي تحدثت عنها في سؤالك موجودة في الواقع و هذا غير موجود في /ق.ق.ج/ لهذا أطلق عليها هذا المصطلح لأنها لا تحتمل هذه التفاصيل، فحتى تكلم الشخصية شخصية أخرى عليََ أن أبرز طريقة تلقيه وطريقة حواره بما يشابه أو ينسجم مع الشخصية التي أصورها كما تكلم المسافر مع العجوز هذه التفاصيل أظهرت حالته الأخلاقية و قلقه وإحساساته وحزنه في لحظات قليلة قد لا تساوي الدقيقة في الزمن العادي أوليس هذا هو الواقع... وأنا أميل إلى مسرحة الشخصيات».

يذكر أن الكاتب "سائر جهاد القاسم" من مواليد حمص/1977/ صدر له حتى الآن مجموعتي "صائدو الأحلام"، و"المسافر"، وتحت الطبع مجموعة "مرايا الدمع" ودراسة بعنوان "أطياف من القصة العربية المعاصرة"، وقد حاز على جائزة اتحاد الكتاب العرب "بحمص" عام /2003/، وجائزة "عمريت" بطرطوس عام /2004/، وجائزة "عبد الباسط الصوفي" عام /2005/ "بحمص"، وفي عام /2009/ حصل على جائزة المركز الأول بمسابقة اتحاد كتاب العرب "بحمص" عن قصة "أرواح مهاجرة".