كعادته "محمد غازي التدمري" يعيد قراءة نفسه بتأليف الكتب، وقراءة الكتُاب الكبار من خلال التأليف عنهم وإضاءة المجهول في أعمالهم أو ما لم يكتب عنهم، فبعد كتابه "عبد المعين الملوحي" بين المادية والروحانية، وجزيئين عن سلسلة أعلام "حمص". صدر للباحث "التدمري" مؤلف جديد بعنوان" أبو العلاء المعري..مؤمنا" اعتمد على منهج التحليل النفسي في دراسته "للمعري"، منذ ولادته، والظروف التي عاشها، في حياة مضطربة وسط مجتمع مضطرب.

"التدمري" كما ذكر لموقع eHoms تعمق في دراسة حياة "المعري"، وعاش معه تفاصيل هذه الحياة، "المعري" الذي عاش في ضيق داخلي نتيجة فقده ناظريه، وموت أبيه وأخيه، ثم أمه، ثم وضعه الاجتماعي وشعره، هذه الظروف أدت إلى أن يضطرب تفكيره في قضايا الحياة والمجتمع.

نعم ارتاب أبو العلاء في أخلاق الناس وعقائدهم، وتساءل عن مآل الأجساد، إلا أنه في النهاية وبشكل طبيعي، توصل إلى أن الله قادر على كل شيء

هذه الأسئلة أوصلت "المعري" إلى الشك، لكن "التدمري" يجزم أن "أبا العلاء" لم يصل يوما إلى الإلحاد، أما السبب فهو عقله الذي أوصله إلى شواطئ الإيمان، فلم يقترب قيد أنملة من الكفر. ويقول الباحث الحمصي "التدمري": «حيرة "أبي العلاء" هي الحيرة العقلانية، لأن أهم ما يميز الرجل أنه كان يحكم عقله في كل مسألة يعيشها، فكان عقله هو المسير لأفكاره ولحركة معاناته». ويضيف: «نعم ارتاب أبو العلاء في أخلاق الناس وعقائدهم، وتساءل عن مآل الأجساد، إلا أنه في النهاية وبشكل طبيعي، توصل إلى أن الله قادر على كل شيء».

الباحث " محمد غازي التدمري"

ويستشهد "التدمري" بتصرفات "المعري" وأخلاقه ليدلل على إيمانه، فأخلاقه تنسجم كما يذكر في كتابه مع المبادئ السامية والقيم الإنسانية الخيرة، مضيفا: «نعم لقد وجد أنه في مجتمع قائم على الفساد، فساد المرأة وأصحاب السلطة، وتطرف بعض رجال الدين، أمام هذه التناقضات نرى "المعري" لا يفرق في أخلاقه وسلوكه بين السلوك والمعتقد، فمتى كان السلوك خاطئا لم يكن المعتقد سليماً، لذلك لابد من إيمان يتجسد في العمل والالتزام بأخلاق المعتقد وسلوكه».

ويضيف "التدمري" أن هذه المواقف والسلوكيات موجودة في أشعاره وقصائده، التي تجعل الناقد الحيادي يتوصل إلى أن الرجل على الرغم مما تعرض له، صاحب مبادئ وقيم أخلاقية، حتى أنه في أبياته يدعو الناس لأن يتشاركوا فيما يجنونه، ويتمنى لو أنه من أصحاب الجاه والمال، لوزع قسما منها على الفقراء.

ويضرب "التدمري" الأبيات التالية في إشارة إلى إيمان "المعري":

إني ســألتك بالنــــبي محمـــد

خير البرايا والكتــــاب المـنزل

امْننْ عليّ بتوبةٍ تمحو بهــــــا

ما كان مني في الزمـــان الأول

ويذكر الناقد "محمد غازي التدمري" أبياتا أخرى، تشير إلى أن "المعري" آمن بوجود الله وبصفاته عز وجل:

عليك بتقوى الله في كل مشهد

فلله ما أذكى نسيما وما أبقى

ويجزم "التدمري" أن في شعره قصائد مدسوسة، حاولت تشويه صورته، مشيرا إلى أن هؤلاء الذين دسوا عليه أشعاره، كانوا يعيشون على النقيض من "المعري"، وبالتالي فإن عامل الغيرة والحسد من الرجل ومكانته الرفيعة، دفعت هؤلاء إلى أن يدسوا عليه بعض القصائد.

ويوضح" التدمري" أنه لم يأتِ بجديد في دراسته لـ"أبي العلاء"، إلا أنه كان مدفوعا بحب كبير لهذا الرجل الذي ظلمته الأقدار والحياة، لذا يتمنى أن يدرس" المعري" على ضوء العصر الحديث ، وأن تعاد قراءته تحت معايير النقد الحديث.