لم يقبض الشاعر الشاب "جورج النبكي"، ليرة واحدة ثمن قصيدة كتبها وقد تخرج من كلية الحقوق منذ عام واحد، ولا يزال يبحث عن عمل يقارب به دراسته وهوايته، التي يمارسها باحتراف شبه كامل، وهي كتابة الشعر كي يبقى قريباً من القلم والورقة والأفكار الشعرية، أما القاصة الدكتورة "لين غرير" فتعتمد على ممارستها لمهنة طب الأسنان يومياً لاكتشاف قصص يومية عن الناس والاقتراب من حكاياهم، ومحاولة نسجها في قصصها الأدبية.

لكن ليس كل الأدباء يستفيدون من أعمالهم والكثير من الشعراء الشباب يبحثون عن فرص عمل لا تتعارض مع هوايتهم ويبالغون في ذلك فيتمنون أحيانا أن يتفرغوا للكتابة، ولكن هل الأدب صنعة يمكن أن يعتاش منها الإنسان في زمننا الحالي... بالتأكيد هناك أمثلة حاضرة بذهن الجميع عن شعراء وروائيين كبار عاشوا من خلال كتاباتهم.

إن الشعر هو في النهاية مشاعر معينة يستطيع الشاعر تحويلها إلى كلمات، لذلك لا يتعارض كونه شاعرا مع كونه عاملا أو طالبا أو أي مهنة أخرى

"أحمد عبد الرحمن جنيدو" شاعر شاب يعمل مدرساً لمادة الموسيقا، ينشر في الدوريات السورية والعربية وعلى المواقع الالكترونية، له ديوان واحد مطبوع بعنوان "لغة الوتر"، "أحمد" ورداً على سؤال هل يطعم الشعر خبزا أجاب: «لا والله بل الشعر يأكل فتات الخبز المتبقي لديك، أو بالأحرى يسلب خبزك من فمك، لأنه إذا أردت له أن يحيا يجب أن تترك خلفك موضوع المردود المادي». ويضيف "جنيدو" حول علاقة الشعر بالعمل فيقول: «الشعر يأتي بذاته ولا يحضره الشاعر، كل ما يفعله لأجل الشعر أنه يتقن العربية والوزن أما الشعر هو من يكوّن الشاعر، والشعر الذي يُعلّمْ يكون ناقص أي يسير بلا أرجل، إذا فلا علاقة إن كان موظفاً الشاعر أو عاملاً أو ما شابه ذلك لأنه يكتب نفسه من أي جهة ويكذب من يقول هناك طقوس للكتابة، الكتابة لا طقوس لها كثيراً جداً ما كتبت أوقات العمل وإذا ما لحقت ودونتها بعد ساعات أي بعد نهاية العمل في الأغلب تهرب الفكرة وأنسى...».

أحمد جنيد

أما الشاعر الشاب "يامن مغربي" الذي كتب العديد من النثريات وحاليا يحاول التفرغ لكتابة رواية بعنوان" ساعات"، ويدّرس الإخراج السينمائي بـ"القاهرة" فيخالف "أحمد" برأيه حول المردود المادي من الكتابة فيقول: «من الممكن أن يطعمني الشعر خبزاً (ولو لم تكن لي تجربة في ذلك حتى الآن)، لكن عندما تكون هناك قصيدة متمكنة وشاعر مرموق يستطيع أن يطلب ثمنا لقصائده من المجلات أو الجرائد لقاء نشرها»، و"يامن" لا يرى أي تعارض بين كتابة الشعر وأعمال أخرى فيقول: «إن الشعر هو في النهاية مشاعر معينة يستطيع الشاعر تحويلها إلى كلمات، لذلك لا يتعارض كونه شاعرا مع كونه عاملا أو طالبا أو أي مهنة أخرى». الشاعر الشاب "عمر حكمت خولي" نشر العديد من القصائد وله مجموعة بعنوان "عندما زرت القدر"وهو يقبض ثمن قصائده في نشرها على بعض المواقع الالكترونية يتحدث عن موضوع الشعر والمردود المادي فيقول: «الشِّعر كسواه من الفنون والآداب، يُخلق ليعبِّر عن مكنونات الذات الإنسانيَّة بشفافيَّةٍ وصدقٍ، لذا فإنَّ الكاتب لا يطمح حين كتابته ونشره لأعماله بالحصول على مردودٍ سوى إعجاب قرَّائه والتأثير بهم، ولكنْ في حالاتٍ معيَّنةٍ يمكن للشعر أن يطعمَ كاتبه الخبز، في حال استطاعت كلماته الوصول إلى ملايين القراء الذين يتوقون لقراءة كلِّ حرفٍ جديدٍ يكتبه، وأحياناً يطعمنا مرَّاتٍ محدودةً، إثر طبع كتابٍ ما، أو نشر قصيدةٍ في مجلَّةٍ مرموقة».

"عمر" يرفض مقولة أن الشاعر يسكنُ دائماً في عالمٍ آخر، غير الَّذي يحيا به الناس، فالشاعر من وجهة نظره لا يكون حقيقيَّاً ومؤثِّراً إلاَّ إذا كان متفاعلاً مع الآخر، يحيا معه بلا عوالم مصطنعةٍ، عاملاً ودارساً، ومشترياً للخضار في السوق! ويضيف "عمر": «إلاَّ أنّ العالم الآخر الحقيقيَّ الوحيد الذي يُمكن اعتباره عالم الشاعر، هو المنظور الآخر الذي يُطلُّ منه الشاعر على الحياة، فيلتقط المُبهم من الأحاسيس لدى الناس، ويقتنص الفكرة والجمال في حين لا يراها أحدٌ سواه».

يامن مغرب

قد لا تتعارض الومضة الشعرية مع أي عمل يقوم به الشاعر، لكن السؤال الذي يعيش الشاعر هاجسه هو هل يستطيع التفرغ لأفكاره وقصائده والابتعاد عن ضغط تأمين لقمة العيش؟؟ أم يبقى بين الناس يعمل بينهم ويستلهم قصائده منهم؟؟.

عمر حكمت خولي