«ولكن حتى لقمة العيش غير مستطاعة من احتراف العمل الموسيقي مع الفرق الشابة في "حمص"»، بهذه الكلمات أجاب العازف "جميل عماري" عن سؤالنا له حول عدم وجود فرص عمل للفرق الموسيقية الشابة في "حمص" والتي تحاول تقديم الموسيقا الجادة للجيل الشاب.

هذه الفرق التي تنقسم إلى قسمين إما فرق تابعة لأندية ثقافية تعمل بشبه المجان، أو فرق شابة أقلعت ببعض الحفلات ولكن لم يكتب لها الاستمرار. لإلقاء مزيد من الضوء على هذا الموضوع التقينا ثلاثة من الموسيقيين من أبناء "حمص" بتاريخ 2/1/2009 ليحدثونا عن هموم هذه الفرق، وكيفية تجاوز الصعوبات التي تساهم في ألا يكتب لها الحياة. البداية كانت مع الفنان "رامي درويش" وهو خريج المعهد العالي للموسيقا والذي كانت له تجربة في تأسيس وقيادة "الأوركسترا الشرقية" في "حمص" عام/2003/، هذه الأوركسترا التي قدمت حوالي ست حفلات على مدى عامين ولم يكتب لها الاستمرار لأسباب يتحدث عنها الفنان "رامي" فيقول: «السبب الرئيسي هو غياب الأجر بلا شك فنحن لم نتلق سوى مبلغ مادي واحد طوال السنتين، ووزع بالتساوي على الجميع وهو رمزي جداً لم يكف أعضاء الفرقة أجور مواصلات لبروفات حفلة واحدة وفيما تبقى كان كل شيء بالمجان».

بالنسبة لنا في "حمص" نتوسم خيراً بقرار إنشاء المسرح القومي ولكن نريد خطوات فعلية على أرض الواقع في هذا المجال

وأضاف الفنان "درويش": «في نهاية التسعينيات شُكلت فرقة تابعة "لمجلس مدينة حمص" كنتُ أحد أعضائها وكانت من أنجح الفرق وكنا نتقاضى راتباً لكنها أيضاً توقفت، الآن نسأل لماذا لا تعاد التجربة؟. أنا أميل لنظام المكافآت بالنسبة للعازف أكثر من الراتب لأن الأخير يؤدي لكساد موسيقي والمكافأة تعطى على كل حفل وتكون مجزية، وأميل أكثر لرعاية وزارة الثقافة للفرق الموسيقية أكثر من الممولين لأن البعض منهم يتدخل بصلب العمل الموسيقي».

رامي درويش

وختم الفنان "رامي درويش" حديثه قائلاً: «بالنسبة لنا في "حمص" نتوسم خيراً بقرار إنشاء المسرح القومي ولكن نريد خطوات فعلية على أرض الواقع في هذا المجال».

تضم "حمص" أكثر من سبع فرق موسيقية منها فرقة "ذكريات" الشابة والتي تعاني أيضا صعوبة تقديم برنامج موسيقي بسبب غياب الممول عنها. العازف "جميل عماري" عازف الكمان الأول في الفرقة وهو طالب في المعهد العالي للموسيقا أيضاً أجاب عن سؤالنا حول عدم وجود فرص عمل للموسيقيين الشباب قائلاً: «بالدرجة الأولى لا يوجد في "حمص" معاهد أكاديميّة تدرّس الموسيقا بشكل علمي وأكاديمي ما يجعل عدد الموسيقيين المحترفين قليلاً جداً. أما الموسيقيين الحماصنة الذين يدرسون في "دمشق" فإنهم يتخرجون ولديهم حماس لفعل الكثير لمدينتهم ثم يصدمون بالواقع الموسيقي الصعب ولا يكون هدفهم الغنى المادي من الموسيقا، بل فقط تأمين لقمة العيش ولكن حتى هذه من الصعب الحصول عليها من احتراف العمل الموسيقي وأكبر مثال على ذلك فرقة "ذكريات" التي تضم في أغلب عناصرها طلاباً وخريجين حماصنة ممن درَسوا في المعهد العالي للموسيقا والتي تجد صعوبة كبيرة في تقديم الحفلات بسبب الوضع المادي».

الفنان جميل عماري

وأضاف: «هناك مشكلة عند أصحاب الفعاليات الاقتصادية عندما تطرح لديهم فكرة تمويل مشروع موسيقي بـ"حمص" لأنهم يسألون دائماً عن الفائدة المباشرة أي الربح من ريع البطاقات دون التفكير بدعم الموسيقا، حتى إن كلية التربية الموسيقية خرّجت دفعتين حتى الآن ولم يتغير أي شيء».

يوجد في "حمص" /54/ فناناً مُسجلاً في نقابة الفنون نصفهم من الموسيقيين، ولكن هل الجميع يعمل ضمن فرق موسيقية ويتقاضى أجوراً جيدة؟، وماذا عن الفنانين غير النقابيين؟، للإجابة عن هذه التساؤلات التقينا الأستاذ "أمين رومية" نقيب فنانيّ "حمص" فأجاب: «الاتجاه النظيف للموسيقا أي تقديم الحفلات الموسيقية على المسارح غير قادر على جعل الفنان يعيش حياة كريمة بـ"حمص" أو بأي محافظة أخرى، خذ الفرقة السيمفونية الوطنية مثالا فكم حفلاً تقدم في العام؟؟ إذا كان الموسيقيون بـ"دمشق" الذين يعملون بفرق شبابية وضعهم المادي أفضل فالآن لديهم مصادر أخرى مثل التسجيل بالاستوديوهات وغيرها وليس من دخلهم مع هذه الفِرق فقط».

الأستاذ أمين رومية

وبالنسبة للحديث عن فعاليات ترعى الفرق الموسيقية الشابة قال السيد "رومية": «أنا ضد دخول الفعاليات الاقتصادية على الخط الموسيقي لأن التاجر لا يهمه سوى الربح من أي تجمع موسيقي، تجربتنا في "مهرجان حمص السنوي" تشهد على ذلك فقد فشل المهرجان فشلاً ذريعاً من الناحية الموسيقية برأيي لأن "الممول" كان يوَجّه الدفة باتجاه مصالحه وليس باتجاه دعم الفرق».

وعما تقدمه نقابة الفنانين فرع "حمص" للفرق الشابة قال: «ليست مسؤولية النقابة دعم الفرق الشابة وهي غير قادرة على ذلك، هناك جهات هي الأكثر مسؤولية (المحافظة، مجلس المدينة، وزارة الثقافة) لدعم التجمعات الموسيقية وتشجيعها على الاستمرار. نحن من واجبنا دعم النشاط الثقافي بحدود إمكانياتنا المالية المحدودة ولدينا فرقة موسيقية خاصة بالنقابة تقدم 3/5 حفلات- طبعاً بأجور رمزية، النقابة ملزمة بتأمين فرص عمل للفنان النقابي وملزمة بتخديم الفنان من ضمان صحي ومعاش تقاعدي ونحن نتعاون مع جهات متعددة مثل كلية التربية الموسيقية بجامعة "البعث"».

وختم السيد "أمين" حديثه قائلا: «الجمهور العربي بشكل عام غير مقتنع بدفع أجر لحضور حفل على مسرح لفرقة إلا مبلغاً رمزياً جداً وهذا يساهم أيضاً في عدم رفع السوية الموسيقية».

إذاً هي مسؤولية وزارة الثقافة بشكل مباشر كما أجمع الموسيقيون ممن التقيناهم للتوجه إلى دعم هذه المدينة موسيقياً وتخصيص مكافآت مادية أكبر للعازف خصوصاً أن "حمص" هي الوحيدة التي افتتحت في جامعتها كلية للموسيقا، و"حمص"، إضافة إلى أنها تحتل في خارطة الثقافة السورية مكاناً متميزاً.