احتضنت بلدة "المشرفة" (20 كم شمال شرق مدينة "حمص") وعلى مدى عشرة أيام، ورشة الآثار الوطنية المركزية التي أقامتها قيادة اتحاد شبيبة الثورة بالتعاون مع المديرية العامة للآثار والمتاحف، بمشاركة 35 شباً وشابة من كافة أنحاء سورية، ضمن الفترة ما بين 21 و30 تموز 2010.

ومنذ اليوم الأول للتنقيب في "تل المشرفة" الأثري ساهم المشاركون باكتشاف مدفن لطفل يعود لنهاية عصر البرونز الوسيط الثاني، إضافة إلى اكتشاف العديد من اللقى الفخارية والحجرية البازلتية.

أفادتنا هذه التجربة بالاطلاع على حضارة الآباء والأجداد وكيف كانت حياتهم في السابق، كما كان للجانب الاجتماعي الموازي لبرنامج الورشة دور هام في نشر ثقافة التطوع

eHoms توجه إلى "المشرفة" واطلع على سير العمل في الورشة وأجرى استطلاعاً لآراء عدد من المشاركين فقال الشاب "أدونيس شدود" من "طرطوس": «بكل تأكيد أغنت هذه الورشة ثقافتنا أكثر عن الآثار ومدى أهميتها، وشجعتنا المشاركة للعمل أكثر على زيادة ثقافتنا أكثر في هذا المجال، التقينا بشباب من كافة أنحاء سورية بمختلف الأعمار والاختصاصات للمشاركة بهذا العمل التطوعي الهادف، والذي عاد بالنفع والفائدة على كل مشارك من خلال التعرف بشكل مباشر في مواقع التنقيب على تاريخ سورية العظيم وآثار الأسلاف الذي يدعونا للفخر والاعتزاز».

مدفن الطفل الذي ساهم المشاركون باكتشافه

وأجمع الشباب "رهام ابراهيم" من "حمص" و"عبد الغني جاروخ" من "إدلب" و"عدي الخرابة" من "دير الزور" على الخبرة العملية والنظرية التي اكتسبوها في مجال الآثار والتعرف على طرق التنقيب فيها، وقالوا: «أفادتنا هذه التجربة بالاطلاع على حضارة الآباء والأجداد وكيف كانت حياتهم في السابق، كما كان للجانب الاجتماعي الموازي لبرنامج الورشة دور هام في نشر ثقافة التطوع».

أصغر ثلاث مشاركات في الورشة في مرحلة التعليم الأساسي وهن الشابات "زيلان ابراهيم" من "الحسكة" و"روبي ياسين" من "اللاذقية" و"كيما حاجي" من "الحسكة" عبرن عن سعادتهن بالمشاركة الأولى في الورشة: «كنا متشوقين للتعرف على آثار وطننا الغالي عن كثب، وأن يكون لنا دور في كشف أي أثر قديم يضيف شيئاً جديداً لحضارتنا السورية الغنية، نوجه شكرنا لاتحاد شبيبة الثورة لإتاحة هذه الفرصة أمامنا التي نتمنى أن تتكرر في أكثر من موقع سوري أثري».

وفي استطلاع للتعرف على آراء المحاضرين والباحثين المختصين المساهمين في أعمال الورشة قال المهندس "فريد جبور" مدير دائرة آثار "حمص": «لمست تفاعلاً جيداً من قبل المشاركين حول مواضيع الآثار والتاريخ، وذلك من خلال أسئلتهم واستفساراتهم والأفكار البناءة التي يحملونها، فأرى أن هذه الورشة فرصة هامة للشباب أتاحتها منظمة اتحاد شبيبة الثورة لزيادة وتعميق الجانب الثقافي الآثاري لديهم وإطلاعهم على جانب مهم من الثقافة والتوعية بأهمية الحفاظ على هذا الإرث الحضاري».

الآنسة "ياسمين كنهوش" المشرفة على البعثة السورية للتنقيب في "تل المشرفة" قالت: «أرى أن هذه الورشة تعد بادرة جيدة لتعريف الشباب السوري بآثار بلدهم والمعاني الحضارية والإنسانية التي تحملها هذه الآثار، وقد لمست اندفاعاً كبيراً لدى هؤلاء الشباب للعمل في التنقيب، ورغبة كبيرة في التعرف على تاريخ آبائهم وأجدادهم وكيف كانوا يعيشون في السابق، وازداد هذا الاندفاع أكثر لدى الشباب بعد أن تم بالتعاون معهم اكتشاف مدفن لطفل يعود لنهاية عصر البرونز الوسيط الثاني وجدت بداخله عظام الطفل وجرة صغيرة عبارة عن لقى جنائزية كانت تترك معه ترمز إلى تقديس الأطفال في ذلك الوقت».

المشاركون مع د. "ميشيل مقدسي"مدير التنقيب في سورية

أما الباحث التاريخي الدكتور "منذر الحايك" فقال: «اعتقدت في ورشة العام الماضي أن مشاركة الشباب في مجال الآثار والتنقيب عنها ستكون متواضعة وغير فاعلة، لكن المتطوعين أثبتوا العكس تماماً من خلال النتائج الإيجابية التي حققوها، وهذا العام ازداد تفاؤلنا أكثر بما سيحققه هؤلاء الشباب من نتائج وبما سيكتسبونه من خبرات عملية، فمشاركة معظم هؤلاء الشباب وثقافتهم الجيدة حول الآثار، تدفعنا للتفاؤل أكثر بهم وتحضنا على السعي لتكون ورشة العام المقبل أكثر تخصصاً للانتقال بخطوات إيجابية أكبر نحو زيادة خبرة الشباب في هذا المجال».

وللوقوف على أبرز أهداف ورشة الآثار الوطنية المركزية التقينا السيد "الياس شحود" عضو قيادة اتحاد الشبيبة رئيس مكتب الإعداد وتنمية المهارات الشبابية المركزي فقال: «تهدف الورشة إلى ربط الشباب بآثار وتاريخ الوطن والحفاظ عليها، إضافة إلى نشر الوعي الجماهيري لدى جيل الشباب للحفاظ على الأوابد الأثرية، وتلمس قيمة الآثار وأهميتها، معتبراً أن ورشة الآثار من أهم الأعمال التي تربط حاضر الشباب بماضي الأجداد وبتاريخ الوطن، فضلاً عن مساهمتها في تفعيل حالة العمل التطوعي للشباب، وتربية الجيل على التمسك بالإرث الحضاري والتراثي للأمة، والتفاعل مع البيئة والمجتمع للتعبير عن الدور الوطني لمنظمة اتحاد شبيبة الثورة للمساهمة في كشف تاريخ سورية الحضاري».

من جهتها أشارت السيدة "هزار الدقس" أمين فرع الشبيبة "بحمص" المشرفة على الورشة إلى تنوع وغنى برنامج الورشة بالمحاضرات النظرية والتطبيقات العملية في موقع التنقيب ضمن تل المشرفة الأثري، بمشاركة باحثين متخصصين في مجال الآثار، مثل الدكتور "ميشيل مقدسي" مدير التنقيب في سورية الذي قدم محاضرة عن "تل سيانو" و"تل المشرفة" الأثريين خلال عصور البرونز، والدكتور الباحث في مجال التاريخ "منذر الحايك" الذي تحدث عن الدور الحضاري لسورية في بناء الدولة العربية الإسلامية، والدكتور "غزوان ياغي" مدير دائرة آثار دمشق القديمة الذي تحدث عن مراكز التراث الإنساني في سورية، والمهندس "فريد جبور" مدير دائرة آثار حمص الذي قدم محاضرة عن أعمال التسجيل والتوثيق للآثار في محافظة "حمص"».

وتحدث السيد "باسل شهدا" عضو قيادة فرع شبيبة "حمص" مدير الورشة أن الورشة ضمت مشاركين من مختلف الأعمار من المهتمين بالآثار وممن يدرسون في قسم الآثار والمتاحف، وأثنى على الجانب الاجتماعي للورشة قائلاً: «شهدت الورشة تفاعلاً من قبل أهالي البلدة وخاصة خلال الأنشطة الموازية للورشة شملت حملات نظافة لحديقة البلدة الرئيسة وحملة توعية بيئية من خلال وضع لافتات خاصة تدعو للحفاظ على البيئة والنظافة، إضافة إلى حفلات السمر والأمسيات الأدبية والموسيقية، كما تضمنت الورشة زيارة إلى قصر الزهراوي وكنيسة أم الزنار ومسجد خالد بن الوليد وقلعة الحصن وإطلاع المشاركين على هذه الأماكن ذات القيمة الأثرية والسياحية الكبيرة، كما تضمنت الأنشطة الموازية ندوة حوارية مع الباحث الأستاذ منذر الحاج حول مقولة السيد الرئيس "بشار الأسد" عن الفكر المتجدد، حضرها عدد من أصحاب الفعاليات الاجتماعية والسياسية والدينية في بلدة المشرفة.