الصدفة جعلت "فرج الله ديب" مدرساً، فأدار مؤسسةً تعليميةً أضحت من أهم المؤسسات، وأخلص بعمله حتى شهد له جميع من عرفه بأنّه صاحب شخصية قيادية على المستوى التعليمي والإداري حققت له على مدى عقود ماضية نجاحاً باهراً، معتمداً على المحبة أساساً لنجاح عمله.

هو الابن الأكبر لوالدَيه الراحلين المحامي "حبيب ديب" والمربية "أميرة ديب" اللذين أسسا صرحاً تربوياً عام 1966، ما زال قائماً حتى اليوم، وجو العائلة بكلِّ تجلياته كان محفزاً على طلب العلم والمعرفة، حصل على الشهادة الثانوية عام 1979 من ثانوية الشهيد "رفيق رزق سلوم"، وبعد أربع سنوات قضاها في مدينة "حلب" نال شهادة البكالوريوس في الهندسة الزراعية.

هذا ما عملت على تطبيقه مع زملائي المدرِّسين وحتى الكادر الإداري، ومع مرور الوقت ساعد تفهمهم لسياستي في العمل واقتناعهم بها، في تخفيف أعباء مراقبتي اللحظية لتطبيقها، إلى جانب ذلك فقد حرصت على أن يكون المستوى التربوي سبَّاقاً على التعليمي في سياسة العمل

أما حكايته مع مهنة التعليم والإدارة التربوية فيرويها لـ"مدوّنة وطن" "eSyria" قائلاً: «الصدفة جعلتني معلماً بعد تخرجي من الجامعة؛ فبعد وفاة والدي أجبرت على الوجود إلى جانب والدتي في عملها بإدارة المدرسة، تخصصي العلمي ساعدني في تنفيذ المهمة التي أوكلت لي كمدرِّس لمادة العلوم ومن بعدها التاريخ، وأخذت علاقتي مع الطلبة شكلَ الصداقة أكثر من الحزم والهيمنة، وارتكزتُ في ذلك على مبدأ أؤمن به وما زلت، يقوم على تقديم المحبة والصدق في العمل ليكون الحصاد مشابهاً لذلك، والأهم هي الابتسامة التي يجب على الطالب أن يراها على محيَّا معلميه، والتي حافظتُ على تقديمها لهم بمنتهى الصدق، لذا كان تفاعل الطلبة معي ملحوظاً وفاعلاً، زاد منه الأسلوب الرشيق والسهل في إيصال المعلومة لهم، وكلنا نعرف بأنَّ مادة التاريخ هي من المواد الجامدة والمملة عند الطالب، لكنني عملت بقدر استطاعتي على جعلها ممتعة ومرغوبة من خلال أسلوب السرد القصصي لدروسها، ساعدني في ذلك الكم الجيد من المعرفة التي امتلكتها من خلال شغف المطالعة وقراءة كتب الجيولوجيا والفلك وكل ما يتعلق بتاريخ الحضارات الإنسانية من أقدمها إلى الحديث منها، وهذا الأمر ما زال مستمراً ليومنا هذا، ذاك الحال بقي مدة 22 سنة متواصلة، كنت سعيداً بالنتائج التي تحققت فيها، وبمشاهدتي لنجاحات طلبتي ووصولهم إلى أعلى الدرجات العلمية في مختلف الاختصاصات».

مع طلبته

التفاعل بينه وبين الطلبة كان جلياً وواضحاً خلال جولتنا معه في أقسام المدرسة، فبرأيه أن من زرع الحب يحصده، والابتسامة عنوان ودافع للعمل الناجح وهذا هو السبب الرئيس لما وصلت إليه المدرسة من نجاح ومكانة متقدمة بين المؤسسات التعليمية الأخرى، ليس على مستوى "حمص" فقط، بل على مستوى القطر عموماً، فالنتائج الباهرة التي حققها الطلبة في شهادات الدراسة الإعدادية والثانوية عبر سنوات عدة مضت، هي أكبر دليل على نجاح العمل، ويؤكد ديب أن طلبته موجودون دوماً في المراكز الأولى للمتفوقين على مستوى "سورية" وليس فقط على مستوى المحافظة، فقد ضمت السنة التحضيرية للكليات الطبية في العام الدراسي السابق 2019، 83 طالباً من المدرسة، وهم الآن في عداد طلاب السنة الأولى في كلية الطب البشري بجامعة "البعث"، إلى جانب العشرات من الدارسين في الكليات العلمية الأخرى كالهندسة بفروعها المختلفة، معتبراً ذلك دليل نجاح السياسة التي اتبعها على مدى 37 سنة من العمل الإداري.

ويرى "ديب" أن المدرسين ينقسمون إلى نوعين: الأول هو المدرِّس الرئيس الذي يعتمد في أسلوبه على الإجبار في وصول المعلومة للطالب وفرض هيمنته عليه، والمدرِّس القائد، الذي يستخدم أسلوب الإقناع مع طلبته ليجعلهم مقتنعين بواجب حبهم للمادة والمدرِّس والمدرسة في آنٍ معاً، واستخدام الحوار وسيلة ارتباط بينه وبينهم، وخاصة للطلبة الذين يكونون في سن المراهقة، ويتابع: «هذا ما عملت على تطبيقه مع زملائي المدرِّسين وحتى الكادر الإداري، ومع مرور الوقت ساعد تفهمهم لسياستي في العمل واقتناعهم بها، في تخفيف أعباء مراقبتي اللحظية لتطبيقها، إلى جانب ذلك فقد حرصت على أن يكون المستوى التربوي سبَّاقاً على التعليمي في سياسة العمل».

جانب من نشاطات مدرسته تطبيقاً لمعايير مدرسة الجودة

المدرِّس "جهاد غميض" وبعد معرفة استمرت منذ 12 عاماً بالتربوي "ديب" قال إنه يسعده الحديث عن هكذا قامة علمية، ووطنية، وإنسانية بالدرجة الأولى، وأنه منذ اللحظة الأولى للقائه به شعر بأنه أمام حالة فريدة من الرقي، وبالإضافة إلى ثقافته الواسعة، يتسم بالتواضع الذي يتجلى بعلاقته الأخوية التي أرساها مع الجميع، بدءاً من أصغر العاملين مروراً بالطلبة والمدرسين، الجميع يعدّه أخاً وصديقاً، ويضيف: «برأيي المتواضع فقد جعل من مدرسته صورة مصغرة عن "سورية" الوطن الواحد، هو حريص جداً على سير العملية التعليمية ونجاحها، من خلال إشرافه المباشر على تفاصيلها، وتأمين كل ما تحتاجه من مستلزمات لوجستية، كم الحب الذي يقدمه لجميع من عرفه ينعكس محبة واحتراماً له».

طالبه السابق وزميله الحالي "باسم عرابي" مدرِّس مادة "الرياضيات" يقول: «هو أستاذي وقدوتي التي مشيت على خطى ما زرعه فينا نحن الطلبة الذين نلنا شرف التتلمذ على يديه وتحت إشرافه المباشر على تفاصيل نجاحنا، وشاءت الأقدار أن أكون بقربه مرة أخرى، لكن هذه المرة كمدرِّسٍ تحت إدارته، فوجدته ذاك الأب، والصديق، والإنسان النبيل بكل ما تعني الكلمة من معنى، حنكته وخبرته الإدارية أثمرت نجاحاً باهراً لهذه المؤسسة التعليمية، رغم كل التعقيدات، وما تتطلبه الإدارة من جهد ومتابعة، باختصار هو أحد الوجوه المشرقة والخيرة لمدينة "حمص" التي تمثل الزمن الماضي الجميل».

فرج الله ديب مع المدرِّس باسم عرابي

يذكر أن "فرج الله ديب" من مواليد "حمص" عام 1961.

اللقاء مع "فرج الله ديب" جرى بتاريخ 21 تشرين الأول 2020 في مقر عمله بمنطقة "كفرعايا" بـ "حمص".