استقى حبّ التراث من مهنة أجداده المتوارثة عبر مئات السنين، واهتمامه لاحقاً بمادة التاريخ خلال مراحل الدراسة، إضافة لعمله في مجال الدعاية والإعلان، محوِّلاً ذلك اهتماماً بتوثيق معالم مدينته، ونتاجات مبدعيها، وعادات أهلها.

لأنَّ التدوين الإيجابي يستهدف نقاط التميز المضيئة في واقعنا، كان لمدوّنةِ وطن "eSyria" لقاء مع "عبد المؤمن الحجار" أحد وجوه مدينة "حمص" المهتمين بجمع وتوثيق تاريخها العريق وحاضرها وذلك بتاريخ 19 آب 2020 حيث عرفنا بداية عن نفسه ونشأته قائلاً: «أنحدر من عائلة سكنت وما زالت في أحد أحياء المدينة القديمة؛ حي "الحميدية"، لكن ولادتي كانت ضمن حي "البغطاسية" بالقرب من شارع "الدبلان" المعروف بشهرته للعامة، دراستي توزعت بين مدارس عدة، إلى أن نلت الشهادة الثانوية عام 1992، لأنتقل بعدها لمتابعة تحصيلي العلمي في المعهد المتوسط الهندسي الذي حصلت على شهادة التخرج منه بعد عامين، عملي اللاحق كان بعيداً عن مجال تخصصي العلمي، حيث عملت في مجال الدعاية والإعلان، هذا ما ولَّد لدي شبكة واسعة من العلاقات العامة، عززتها شهرة المهنة التي كانت تشتهر بها عائلتي عبر عقودٍ من الزمن، وشاءت الأقدار أن أتابع العمل لاحقاً بتلك المهنة، وأحصل منها على لقبي الذي اشتهرت به لدى غالبية أهل المدينة».

أنحدر من عائلة سكنت وما زالت في أحد أحياء المدينة القديمة؛ حي "الحميدية"، لكن ولادتي كانت ضمن حي "البغطاسية" بالقرب من شارع "الدبلان" المعروف بشهرته للعامة، دراستي توزعت بين مدارس عدة، إلى أن نلت الشهادة الثانوية عام 1992، لأنتقل بعدها لمتابعة تحصيلي العلمي في المعهد المتوسط الهندسي الذي حصلت على شهادة التخرج منه بعد عامين، عملي اللاحق كان بعيداً عن مجال تخصصي العلمي، حيث عملت في مجال الدعاية والإعلان، هذا ما ولَّد لدي شبكة واسعة من العلاقات العامة، عززتها شهرة المهنة التي كانت تشتهر بها عائلتي عبر عقودٍ من الزمن، وشاءت الأقدار أن أتابع العمل لاحقاً بتلك المهنة، وأحصل منها على لقبي الذي اشتهرت به لدى غالبية أهل المدينة

"أبو حذيفة الجلبجي" هو الاسم الذي بات مرتبطاً بي وهذا له حكاية كما تابع وقال: «"الجلاب" قديماً هو الشخص الذي كان يقوم بجلب "الحليب" من مصدره في بساتين مدينة "حمص" إلى أحيائها وبيعه لساكنيها، ومن هنا أصبح لقب "الجلبجي" مرتبطاً بعائلتنا منذ ما يزيد على 120 عاماً، وهذا هو الرقم الموثق فعلياً لكن الأحاديث والسير المتداولة عند العديد من كبار السن في عائلات عدة، تعيده إلى أكثر من تلك المدة الزمنية، طورنا هذه المهنة عبر العقود القليلة الماضية، لتصبح شاملة لصناعة وبيع منتجات الحليب من الأكلات الشعبية البسيطة والمشهورة ومنها "المغطوطة"، التي كانت سبباً في شهرة هذا اللقب على صعيد المدينة من جهة، وحتى خارج حدود "سورية" من جهة أخرى، ساعد في ذلك الزوار الذين كانوا يأتون لتناولها من الوفود السياحية ومن المغتربين، وبدوري كنت أقوم بشرح تفاصيل عن مهنتنا وعن تفاصيل الصور المعروضة داخل المحل، هذا التعلق بمهنة العائلة التراثية وشهرتها، إضافة لعوامل غيرها، دفعني كي أبدأ مشواري مع رحلة الاهتمام بالتاريخ والتراث وتوثيقهما».

مجموعة من الصور التي تظهر اهتماماته بالتوثيق

عند سؤاله عن العوامل الأخرى التي حفزته على اهتماماته في مجال التوثيق يقول: «شاء القدر أن تكون المرحلة الإعدادية من دراستي نقطة تحول في بزوغ اهتمامي اللاحق بمجال توثيق معالم مدينتي وتراثها وعادات أهلها، حيث كان لوجود الأستاذ "عبد الحفيظ شما" دور كبير في ذلك الأمر، من خلال تدريسه مادة التاريخ، أسلوبه الشيِّق في إيصال المعلومات كان مثار إعجابٍ لدى جميع الطلبة وبالأخص عندي، فقد كنت أسرح في الخيال وكأنني موجود حقيقةً عند حديثه عن أيِّ مَعلَمٍ من معالم المدينة الأثرية، الموجودة منها أو البائدة، وبدأت بمطالعة الكتب التي تتناول مواضيع التراث والآثار الخاصة بالمدينة ومنها مؤلف "تاريخ حمص" لصاحبه "الخوري أسعد" ومؤلفات "نعيم الزهراوي" كاملة، كلُّ ذلك أضف إليه البيئة التي كنت موجداً فيها، والتي تضم في ثناياها أهم الآثار التي تدل على التاريخ الفريد والمميز لمدينة "حمص" من مساجد، وكنائس، وقصور، وأزقة، وبيوت تراثية جميلة».

يتابع "عبد المؤمن الحجار" ليذكر لنا بداياته الفعلية مع التوثيق والوسائل التي اتبعها في ذلك فيقول: «يوم الجمعة من كل أسبوع خصصته للتجول في شوارع مدينة "حمص" القديمة، مستمتعاً بحجارتها السوداء التي زينت آثارها القائمة، والتقاط الصور على كل ما تقع عيناي عليه من جمال وإبداع مستخدماً عدسة الكاميرا في هاتفي الجوال رغم تواضعها في ذلك الحين، وطباعتها فيما بعد والاحتفاظ بها على جهاز الحاسب لدي، ومع تطور تقنيات الهواتف باتت الصور أكثر دقةً وجماليةً فيما بعد، كما كنت أحصل على معلوماتي من كبار السن القاطنين هناك، كان ذلك عام 2006 وما تلاه، وفي ذلك التاريخ بدأت العمل بمهنة العائلة في المحل الخاص بي الذي افتتحته في حي "القرابيص" مقابل المشفى الوطني حينها، عملي في مجال الدعاية والإعلان والذي استمر لمدة 10 أعوام سابقة، استفدت منه في تحويل اهتماماتي التوثيقية للتاريخ والتراث، من خلال استخدامي للصور التي كنت ألتقطها بعد تكبيرها ووضعها ضمن إطارات خشبية لتزيين الجدران بها، ليس ذلك فحسب، بل قمت بطباعة 33000 ملصقاً ووضعها على العلب الجاهزة التي كنت أقدم فيها منتجاتي للزبائن، كنوعٍ من الدعاية وتعريف بمزايا مدينتي وبلدي من الآثار الجميلة التي تحتويها، هذه الفكرة والتطبيق لاقى رواجاً وإعجاباً عند كل الزائرين وخاصة الغرباء منهم من مواطني البلد ومن السياح والمغتربين، ومنهم - كما علمت لاحقاً - من أخذها معه كذكرى من زيارته».

مشاركته بعض المواد من موقع مدونة وطن عن شخصيات متميزة من مدينته

التعامل مع منصات التواصل الاجتماعي واستخدامها في هواية التوثيق لاحقاً عن ذلك قال: «علاقتي مع الشبكة العنكبوتية بدأت قبل ظهور تلك المنصات وأدواتها المتطورة الحالية، فقد واظبت على زيارة المواقع الإلكترونية الخاصة بأمور التاريخ والتراث، وكنت من رواد المنتديات الخاصة بذلك، جمعت العديد من المقالات والصور التي تناولت آثار ومعالم مدينة "حمص" تحديداً وعادات ساكنيها القدامى وأدواتهم المستخدمة عبر قرون مضت، قمت بتنضيدها بشكل مفهرس تبعاً لنوعها والمنطقة التي تقع فيها، ومن ثم نسخها على أقراص مدمجة وتوزيعها على الأصدقاء والزوار، كلُّ ذلك كان على نفقتي الشخصية، والدافع هو حبي ورغبتي في التعريف عن تاريخنا المضيء والغني، الأمر لم يتوقف هنا، فقد أنشأت صفحة خاصة بي على موقع "فيسبوك" تحت مسمى "أبو حذيفة الجلبجي" خصصتها لنشر ما كنت أملكه من صور خاصة وما حصلت عليه من مصادر أخرى، وقد لاقت الفكرة استحساناً لدى المتابعين لها، دفعني ذلك عام 2012 لإنشاء حسابين آخرين عبارة عن مجموعة وصفحة أسميتهما "ملتقى عشاق حمص" ضمتا عدداً كبيراً من المهتمين بأمور التاريخ والتراث سواء من أبناء المدينة أو من الخارج حتى وصل عددهم اليوم إلى ما يقارب 20000 متابع، واظبت فيه مع باقي مشرفي المجموعة على نشر الصور القديمة والفريدة لأيِّ مَعلَمٍ أثري أو تجاري أو فني، ولشخصيات اجتماعية وأدبية كانت حاضرةً في أذهان الحماصنة في فترة من الفترات، مع تعريف عنها لمن يجهلها، كما حرصت على توثيق جميع المنشورات والمواد الصحفية التي تتحدث عن تاريخ مدينتي، أو عن أحد شخصياتها البارزة والمتميزة، من خلال مشاركتها على الصفحات الخاصة بي، ومنها مثلاً ما تمَّ نشره عبر موقعكم "مدونة وطن" والتي تناولتم فيها عدة شخصيات من المميزين في مجالات الطب والأدب والرياضة، كما أطلقت هاشتاغ على صفحتي الشخصية أسميته "أعلام في الميزان" تناولت فيه أيضاً ما كُتب عن أعلام المدينة من أجل تذكير الأجيال الجديدة بالماضي الجميل لأسلافهم».

العلاقة مع "الجمعية التاريخية السورية" ونشاطه ضمنها عن ذلك أضاف قائلاً: «في عام 2017 أصبحت عضواً في الجمعية التي أنشأت سنة 1971 والتي تنفرد مدينة "حمص" بوجودها فيها، وجودي على تماس مع شخصيات ذات باع طويل وغني في شؤون التاريخ والتراث كان فرحةً وشرفاً لي، أذكر منهم الدكتور "عبد الرحمن البيطار" رئيسها الحالي، والباحث والمؤرخ "محمد غازي حسين آغا" وآخرون كثر غيرهم، هذا زاد من عشقي ومحبتي لتاريخ مدينتي ومن اهتمامي بتوثيقه، حتى أنني بادرت لإنشاء صفحة خاصة بالجمعية حملت اسمها، وتوليت مسؤولية التعريف بها وبنشاطاتها، ودعوة الأصدقاء والمهتمين لمتابعتها، حتى وصل عددهم حالياً إلى ما يقارب 15000 متابع، جراء ذلك النشاط زاد عدد المنتسبين إلى الجمعية والمشاركين في نشاطاتها، كما شاركت في تنظيم المعارض التي أقامتها ومنها معرض "الطوابع" الذي أقيم عام 2019، كما قمت بالتبرع لها بمذياع تراثي كان يعود لوالد جدي ويقدر عمره بأكثر من 100 سنة».

أبو حذيفة الجلبجي مع زميله رامي دويري

الباحث والمؤرخ "محمد غازي حسين آغا" من المطلعين على نشاطاته عنه يقول: «شاءت الأقدار أن يجد نفسه ابناً لأسرة تتابعت جيلاً بعد جيل في مهنة بلغت المئة الثانية من تاريخها معها، وسط أسواق المدينة التراثية وعلى احتكاك مع أحداثها اليومية، والجميع يسترجعون ذكرياتهم مع طبق "المغطوطة" الذي كان متعارفاً تناوله بعد الفجر وقبل ذهاب الناس إلى أعمالهم، هذا برأيي ولَّد فيه مشاعر الحنين والغيرة على مهنة يعتز كثيراً بها، وزاد من عشقه ومحبته لمدينته ولوطنه، وتألمه لما يشاهد ويسمع من تغيير في معالمها الأثرية، ذلك كله جعله مبادراً لتوثيق تلك الذكريات، مستخدماً وسائل التواصل الاجتماعي لاحقاً وباجتهاد وسيلة لذلك، قاصداً التفاخر بمزايا مدينته وعادات أهلها وتقاليدهم المحببة، وحكاياتهم مع بيوتها وأزقتها الأثرية الضيقة، وقد نجح فيما قام به وما زال».

"رامي دويري" من المهتمين كذلك بأمور التاريخ والتراث الخاصين بمدينة "حمص" لنا قال: «علاقتي مع "أبو حذيفة الجلبجي" كما هو لقبه الذي نحب جميعنا أن نناديه به تعود لعشرات السنين، بدأها أجدادنا وآباؤنا قبلنا واستمرت متصلة حتى أيامنا هذه، ما يميزه برأيي هي شخصيته الطيبة والتواضع الذي يتحلى به، جمعنا عشقنا لتاريخ مدينتا العريق في بوتقة واحدة هي مجموعة "ملتقى عشاق حمص" التي أسسها وتوليت مسؤولية الإشراف عليها، إضافة لكوننا زملاء في "الجمعية التاريخية السورية" في المدينة، دافعه الغيور للتوثيق مكنَّه ليكون صاحب أوسع أرشيف خاص بالصور عن مدينة "حمص القديمة"، وحتى منها ما يعود إلى عشرات السنوات قبل تاريخنا هذا، تنوعت أعماله ما بين الحفاظ على مهنة عائلته، والاهتمام بالتوثيق، إضافة لاحترافه العمل في مجال تربية النحل وبيع منتجاته، كلُّ ذلك بفضل اجتهاده اللامحدود وتفانيه في العمل الذي يقوم به».

نذكر نهاية بأنَّ "عبد المؤمن الحجار" من مواليد مدينة "حمص" عام 1972 متزوج ولديه خمسة أولاد، كذلك هو عضوٌ في اتحاد النحالين العرب.